شهد التاريخ الإسلامي في حياة النبي &o5018; وبعد وفاته قادة عظاما كان لهم أثر كبير وقدم راسخة في الدعوة إلى الله ونشر دينه وقد اشتهر أمرهم وتواتر فضلهم لدى المسلمين على مر العصور حتى صار ذلك أمرا مسلما بديهيا، ومن هؤلاء القادة الصحابي الجليل والقائد الإسلامي الفذ خالد بن الوليد -رضي الله عنه- فإنه عرف ببطولته وشجاعته قبل الإسلام وبعده، حتى خصه رسول الله &o5018; حال حياته بميزة ربما كانت أشرف مكرمة وأعظم تزكية في حياته كلها، فقال عنه &o5018;: (سيف الله المسلول)، ولكن أهل الشبهات الذين حبسوا أنفسهم على محاربة الدين، واختلاق الأكاذيب والشبهات الباطلة كرسوا جهودهم حول هذه القامات الكبيرة فما تركوا شخصية عظيمة أو قدوة بارزة أو قامة دينية وفكرية واجتماعية إسلامية رفيعة إلا وأساؤوا إليها زورا وبهتانا، وممن طالهم بعض هذه الشبهات الباطلة الصحابي الجليل خالد بن الوليد، رضي الله عنه. فسنتكلم أولا عن التعريف به، بذكر أصله ونسبه، ودوره في الفتوح والانتصارات، ثم ذكر الشبهات التي أثارها البعض حوله والرد عليها، والله الموفق.
أصله ونسبه
هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، ويكنى بأبي سليمان، وأمه لبابة بنت الحارث، أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، مدحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا عنه: (نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله)، وكان إسلامه قبل فتح مكة. وكان والده سيدا في قريش، ولقب بريحانة قريش، يلتقي نسبه بالرسول -عليه الصلاة والسلام- في مرة بن كعب، وقد كان -رضي الله عنه- حريصا على تربية أبنائه على الفروسية، والحرب، واستخدام الأسلحة، كما كان قبل إسلامه شديد العداء لرسالة الإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم.
وصف خالد بن الوليد بأنه شخصية عسكرية محنكة، وقائد مغوار في الحروب، وله انتصارات عظيمة، بما عرف عنه من الشجاعة والإقدام، والذكاء الحربي وحسن الحيلة والقدرة على التنظيم، والبراعة في التنفيذ.
دوره في الفتوح وإعلاء كلمة الله
اعتنق خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الإسلام بعد أن جاوز الأربعين من عمره، بعد أن تلقى كلاما من رسول الله &o5018; عبر أخيه يقول فيه (لو جعل خالد نكايته مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له، ولقد مناه على غيره…)، فأسلم خالد في السنة الثامنة للهجرة، وذهب للنبي &o5018; رفقة عمرو بن العاص (رضي الله عنهما)، وأعلن إسلامه، ففرح النبي &o5018; واستبشر خيرا.
شارك خالد بن الوليد بعد إسلامه في كثير من المعارك الحاسمة، فشارك في 5 معارك كبرى في حياة النبي &o5018;، وكان له الدور البارز فيها، وكانت له القدم الراسخة في تثبيت المسلمين ومعونتهم؛ إذ شارك في غزوة مؤتة بعد استشهاد 3 من القادة ثم أخذ الراية واستطاع بحنكته أن يحافظ على الجيش الإسلامي بخطة قوية وحنكة ذكية. كما كان له دور في فتح مكة، حيث جعل النبي &o5018; خالدا قائدا لإحدى المجموعات الأربع للجيش الإسلامي، ليدخل خالد مكة من الجنوب باتجاه الشمال، وأوصى النبي &o5018; بعدم قتل أي أحد إلا من قاتل.
وقاتل سيف الله خالد مع المسلمين في غزوة حنين، وكان في مقدمتهم وأصيب بجراحات بليغة آنذاك، وعلى الرغم من إصابته، فقد قاتل حتى كان النصر حليفا للمسلمين.
وقد أرسله النبي &o5018; في سرية إلى أكيدر بن عبد الملك (صاحب دومة الجندل) الذي كان على الدين النصراني، فنصب له كمينا واستطاع بذلك أخذ أكيدر أسيرا إلى رسول الله فصالحه النبي &o5018; على الجزية وأطلق سراحه.
هذه بعض الغزوات والمعارك التي شارك فيها خالد رضي الله عنه في حياة النبي &o5018;، وله تاريخ كبير وحافل من الفتوح والانتصارات بعد حياة النبي &o5018; في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم (فتح بلاد الشام والعراق، بسام العسلي).
سرية خالد إلى بني جذيمة
بعد الفتح، أرسل الرسول السرايا لدعوة القبائل إلى الإسلام، فأرسل خالد بن الوليد قائدًا على 350 من المهاجرين والأنصار وبني سليم في سرية إلى «بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة»، ولم يأمره بقتال.
وهنا كانت أول زلاّت خالد حيث قاتلهم، وأصاب منهم، رغم معارضة من كان معه من الصحابة، ومنه سالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فلما وصل الخبر إلى الرسول رفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد»وأرسل الرسول عليًا إلى بني جذيمة، لدفع ديّة قتلاهم.
ورغم هذا الخطإ، أشركه الرسول بعد ذلك في غزوة حنين، حيث جعله الرسول يومئذ قائدًا على بني سليم، وأصيب يومها إصابات بليغة. كما شارك خالد أيضًا في غزوة تبوك تحت قيادة الرسول، ومن هناك أرسله الرسول في سرية إلى دومة الجندل، فدخلها وأسر صاحبها أكيدر بن عبد الملك الذي صالحه الرسول على الجزية، وهدم صنمهم «وُدّ». في عام 10 هـ، بعث الرسول خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول في سرية من أربعمائة مقاتل إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا، فإن استجابوا له يقبل منهم ويقيم فيهم ويعلمهم دينهم، وإن لم يفعلوا يقاتلهم. لبّى بنو الحارث بن كعب النداء وأسلموا، فأقام خالد فيهم يعلمهم الإسلام. ثم كتب خالد إلى الرسول بذلك، فأمره أن يقيم فيهم يعلمهم، ثم ليقبل معه وفدهم، فوفدوا عليه يعلنون إسلامهم.
بنو أسد وطليحة بن خويلد
بعد وفاة الرسول، انتقضت معظم القبائل العربية عدا أهل مكة والطائف والقبائل المجاورة لمكة والمدينة والطائف على خلافة أبي بكر الخليفة الجديد للمسلمين. اختلفت أسباب الانتقاض، فمنهم من ارتد عن الإسلام، ومنهم من ظل على دين الإسلام مع رفضهم أداء فريضة الزكاة، ومنهم من التف حول مدعي النبوة في القبائل العربية.
استغل مانعو الزكاة من قبائل عبس وذبيان وغطفان خروج بعث أسامة بن زيد الذي كان قد أوصى به الرسول قبل وفاته، وحاولوا مهاجمة المدينة. وبعد أن استطاع الخليفة أبو بكر الصديق صد الهجوم، وإرساله من يطارد فلول المنهزمين، عقد أبو بكر أحد عشر لواءً لمحاربة المرتدين ومانعي الزكاة في جميع أرجاء جزيرة العرب. أمّر أبو بكر خالد بن الوليد على أحد تلك الجيوش قوامه 4,000 مقاتل، ووجهه إلى إخضاع طيئ ثم محاربة مدعي النبوة طليحة بن خويلد وقبيلته بني أسد، ثم التوجه لإخضاع بني تميم. إلا أنه وقبل أن يتحرك الجيش، وصل عدي بن حاتم الطائي بأموال زكاة طيء، لتنضم بذلك طيء لجيش خالد.
حروب الردة
اجتمعت قبائل أسد وفزارة وسليم وفلول عبس وذبيان وبكر حول طليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة. توجه إليهم خالد بجيشه، واشتبك معهم في بُزاخة، وهزمهم وفرّ طليحة إلى الشام. أمر خالد بعد ذلك بمطاردة فلول المنهزمين، ثم أمر بإحراق الأسرى بالنيران ونكّل بهم، وأرسل رؤساءهم مكبّلين بالأصفاد إلى الخليفة لينظر ماذا يفعل بهم، لما ألحقوا بمن بقوا على دينهم من أذى، وليكون ذلك ردعًا لمن سيلقاه بعد ذلك.
التفت الفلول حول أم زمل التي كانت لها ثارات عند المسلمين، فقد قتل زيد بن حارثة أمها أم قرفة في سريته إلى بني فزارة، لتحريضها قومها على قتال المسلمين. فقاتلهم خالد في معركة كبيرة في ظفر، وهزمهم وقتل أم زمل.
عزل عمر بن الخطاب لخالد
ساء تقدير أهل الشبهات والأباطيل، وأصحاب التفكير الانتقائي والسطحي، وأهل الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك أعداء الأمة من فرق باطلة وتيارات لادينية، وأخفقت مخططاتهم في الطعن وتشويه رموز وشخصيات أمتنا الإسلامية العظيمة. وربما وجد هؤلاء -من باب الحقد الدفين أو الأغراض الدنيوية الرخيصة- مجالا مفتوحا لتصيد الروايات والأحداث التي تتناول صحابة رسول الله (&o5018;)، وقراءتها بطرقهم وأيديولوجياتهم الخاصة، بهدف إظهار الصحابة والتابعين والسلف الصالح بمظهر لا يليق بهم، ومحاولة زعزعة مكانتهم وقيمتهم في نفوس المؤمنين، فإذا لم يجدوا شفاء نفوسهم، اختلقوا ما ظنوه يجوز على أذهان القارئين، لكي يصبح أساسا ثابتا لما يتناقله الرواة، وتسطره كتب المؤلفين المعاصرين.
ومن جملة من طالهم الاتهام والتشويه، أمير المؤمنين وفارق الإسلام عمر بن الخطاب، وسيف الله المسلول وقائد جيوش الفتح والدعوة إلى الله خالد بن الوليد (رضي الله عنهما)، فقد تعرضا لتشويه وافتراءات المبطلين وأهل الشبهة الذين حاولوا تشويه تاريخهما المجيد، ووقفوا كثيرا عند أسباب عزل أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب خالد بن الوليد (رضي الله عنهما)، وألصقوا التهم الباطلة بالرجلين العظيمين، وأتوا بروايات لا تستند إلى أساس، ولا تقوم على البرهان أمام التحقيق العلمي النزيه. وإليك قصة عزل خالد بن الوليد على حقيقتها بدون لف، أو تزوير الحقائق، فقد مر عزل خالد بن الوليد بمرحلتين، وكان لهذا العزل أسباب موضوعية.
العزل الأول
عزل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خالد بن الوليد في المرة الأولى عن القيادة العامة وإمارة الأمراء بالشام، وكانت هذه المرة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، غداة تولي عمر الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما)، وسبب هذا العزل اختلاف منهج الصديق عن الفاروق في التعامل مع الأمراء والولاة؛ فالصديق كان من سنته مع عماله، وأمراء عمله أن يترك لهم حرية التصرف كاملة في حدود النظام العام للدولة، مشروطا ذلك بتحقيق العدل كاملا بين الأفراد والجماعات، ثم لا يبالي أن يكون لواء العدل منشورا بيده، أو بيد عماله، وولاته، فللوالي حق يستمده من سلطان الخلافة في تدبير أمر ولايته من دون رجوع في الجزئيات إلى أمر الخليفة. وكان أبو بكر لا يرى أن يكسر على الولاة سلطانهم في مال، أو غيره ما دام قائما في رعيتهم.
وكان الفاروق قد أشار على الصديق بأن يكتب لخالد ـرضي الله عنهم جميعاـ «ألا يعطي شاة، ولا بعيرا إلا بأمره (أي أمر أبي بكر)»، فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك، فكتب إليه خالد: «إما أن تدعني وعملي، وإلا فشأنك، وعملك»، فأشار عليه بعزله، ولكن الصديق أقر خالدا على عمله.
ولما تولى الفاروق الخلافة أراد أن يعدل بولاة أبي بكر -رضي الله عنه- إلى منهجه، وسيرته، فرضي بعضهم، وأبى آخرون، وكان ممن أبى عليه ذلك خالد بن الوليد فعزله عمر -رضي الله عنهما- (خالد بن الوليد، صادق عرجون، ص (332).
العزل الثاني
وفي بلدة قنسرين، جاء العزل الثاني لخالد، وذلك في السنة السابعة عشرة، فقد بلغ أمير المؤمنين: أن خالدا وعياض بن غنم أدربا في بلاد الروم، وتوغلا في دروبهما، ورجعا بغنائم عظيمة، وأن رجالا من أهل الآفاق قصدوا خالدا لمعروفه، منهم الأشعث بن قيس الكندي، فأجازه خالد بعشرة آلاف، وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله، فكتب عمر إلى قائده العام أبي عبيدة يأمره بالتحقيق مع خالد في مصدر المال الذي أجاز منه الأشعث تلك الإجازة العامرة، وعزله عن العمل في الجيش إطلاقا، واستقدمه المدينة، وتم استجواب خالد، وقد تم استجواب خالد بحضور أبي عبيدة، وترك بريد الخلافة يتولى التحقيق، وترك إلى مولى أبي بكر يقوم بالتنفيذ، وانتهى الأمر ببراءة خالد من أن يكون مد يده إلى غنائم المسلمين، فأجاز منها بعشرة آلاف ولما علم خالد بعزله، ودّع أهل الشام، فكان أقصى ما سمحت به نفسه من إظهار أسفه على هذا العزل الذي فرق بين القائد وجنوده أن قال للناس: إن أمير المؤمنين استعملني على الشام حتى إذا كانت بثينة، وعسلا؛ عزلني. فقام إليه رجل فقال: اصبر أيها الأمير! فإنها الفتنة. فقال خالد: أما وابن الخطاب حي، فلا.
وكتب عمر إلى الأمصار: إني لم أعزل خالدا عن سخطة، ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه، ويبتلوا به، فأحببت أن يعلموا: أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة.
وفاة خالد بن الوليد
وفي بلاد الشام -أرض الجهاد- في حمص تحديدا سنة 21 للهجرة، ألمّ بخالد (رضي الله عنه) مرض الموت وأحاطت به سكراته بعد مسيرة عظيمة من الدعوة والجهاد في سبيل الله.
دخل أبو الدرداء على خالد في مرض موته، فقال له خالد: يا أبا الدرداء! لئن مات عمر؛ لترين أمورا تنكرها. فقال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك! فقال خالد: قد وجدت عليه في نفسي في أمور، لما تدبرتها في مرضي هذا، وحضرني من الله حاضر؛ عرفت: أن عمر كان يريد الله بكل ما فعل، كنت وجدت عليه في نفسي حين بعث من يقاسمني مالي، حتى أخذ فرد نعل وأخذت فرد نعل، ولكنه فعل ذلك بغيري من أهل السابقة، وممن شهد بدرا، وكان يغلظ علي، وكانت غلظته على غيري نحوا من غلظته علي، وكنت أدل عليه بقرابته، فرأيته لا يبالي قريبا، ولا لوم لائم في غير الله، فذلك الذي ذهب عني ما كنت أجد عليه، وكان يكثر علي عنده، وما كان ذلك إلا على النظر؛ فقد كنت في حرب، ومكابدة، وكنت شاهدا، وكان غائبا، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك في أمري .
ولما حضرته الوفاة، وأدرك ذلك، بكى وقال: ما من عمل أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين، بتها وأنا متترس والسماء تنهل علي، وأنا أنتظر الصبح حتى أغير على الكفار. فعليكم بالجهاد، لقد شهدت كذا، وكذا زحفا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء! لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي.
خاتمة
لم يكن خالد بن الوليد -رضي الله عنه- رجلا عاديا، بل قامة تاريخية عظيمة، وصحابيا جليلا، ومن رجالا الإسلام الذين أسسوا لدعوة الله ورسالة التوحيد في الأرض، ومن حماتها العظام الذين نشروا الدين وفق المنهج القرآني في الجهاد والتعامل مع غير المسلمين ومعرفة الحق والذود عنه، ودفع الباطل ومحاربة أهله، ولم يترك (بعد إسلامه) معركة ولا فتحا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا معركة أيام أبي بكر الصديق، إلا وبذل الغالي والرخيص ليكون على رأسها فاتحا ومنتصرا بقوة الله وعزيمة الحق وأخلاق المؤمنين، وأما ما قيل عنه من زور وباطل، فهو زبد يذهب جفاء، قال تعالى: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} [الرعد: 17].
فتح العراق
مع انتهاء حروب الردة، بلغ أبا بكر أن المثنى بن حارثة الشيباني ورجال من قومه أغاروا على تخوم فارس حتى بلغ مصب دجلة والفرات، فسأل عنه فأثنى عليه الصحابة. ولم يلبث أن أقبل المثنى على المدينة، طالبًا منه أن يستعمله على من أسلم من قومه، فأقر له أبو بكر بذلك.
رأى أبو بكر بأن يمدّ المثنى بمدد ليتابع غزواته، لذا أمر خالد بأن يجمع جنده في اليمامة، وألا يستكره أحدًا منهم، ويتوجه إلى العراق. كما أمر عياض بن غنم بأن يتوجه إلى دومة الجندل ليخضع أهلها، ثم يتوجه إلى الحيرة، وأيهما بلغ الحيرة أولاً تكون له القيادة. وجد خالد أن جيشه قد قلّ عدده، فطلب المدد من الخليفة، فأمدّه بالقعقاع بن عمرو التميمي. تعجّب الناس من هذا المدد، فقال لهم أبو بكر: «لا يُهزم جيش فيه مثل هذا».
أدرك خالد المثنى قبل أن يصل إليه عياض بعشرة الآف مقاتل، لينضم إليه ثمانية الآف مقاتل هم جند المثنى. كانت أول معارك خالد في العراق أمام جيش فارسي بقيادة «هرمز» في معركة ذات السلاسل. في بداية المعركة، طالب هرمز أن يبارز خالد، وكان قد دبّر مكيدة بأن يتكاتل عليه جنده فيقتلوه، فيفتّ ذلك في عضد المسلمين فينهزموا. لم يعط هرمز خالد قدره، فقد قتله خالد قبل أن تكتمل المكيدة، وأدرك القعقاع جند الفرس قبل أن يغدروا بخالد، ليثبت بذلك للمسلمين صحة وجهة نظر الخليفة فيه. بعد ذلك، شدّ المسلمون على الفرس وهزموهم، وأمر خالد المثنى بمطاردة الفلول. استمر المثنى يطارد الفلول، إلى أن ترامى إلى أذنه زحف جيش آخر بقيادة «قارن بن قريانس»، فأرسل إلى خالد، فلحقه خالد بالجيش، والتحم الجيشان وللمرة الثانية يهزم جيش خالد جيشًا فارسيًا ويقتل قادته في معركة عرفت بمعركة المذار.