بقلم / محمد تهامي

 
تمثل التنمية الاجتماعية عملية تحسين جودة حياة الشعوب والمجتمعات من خلال تعزيز التفاعلات والعلاقات الاجتماعية، كما أنها تعد الركيزة الثانية من ركائز التنمية الشاملة، حيث أنها تقوم على مجموعة أهداف ومبادئ منها، تشجيع المشاركات الفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية وضمان حقوق الإنسان والمساواة في تكافؤ الفرص، وتقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والوقاية من التمييز والأمراض المجتمعية،  وتعزيز التفاعل الاجتماعي بالعلاقات الإيجابية وبناء شبكات دعم اجتماعي متينة، وتمكين وتطوير القدرات والمهارات البشرية والاجتماعية لتحقيق التنمية والازدهار، وتعزيز الاستدامة بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية والاقتصادية بطريقة تضمن الاستدامة الحياتية.
ومن هنا فإن فكرة التنمية الاجتماعية تعتمد على الاهتمام بالبعد الاجتماعي والإنساني في العمليات التنموية وتعزيز الرفاهية الشاملة للشعوب والمجتمعات ، لذا فإنه يتعذر السير في مجال تحقيق التنمية الاقتصادية في ظل واقع اجتماعي مترد، وتكتسب التنمية الاجتماعية أهميتها من كونها الإطار الرئيس في الرفاهية البشرية، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة الاقتصادية، والاستقرار والأمن، والحفاظ على الكرامة والشعور بالانتماء والفعالية مما يساهم في تحقيق السلم الاجتماعي الداخلي.
وتلعب المنظمات الإنسانية دورًا حاسمًا في تعزيز وتحقيق  التنمية الاجتماعية بل من أهم أعمدتها الأساسية، وذلك لأن هذه المنظمات تعد أكثر مرونة من بقية القطاعات حيث  قدرتها على التعامل مع الشرائح المجتمعية المختلفة، وتعمل جنبًا إلى جنب مع الجهات الرسمية والمجتمعات المحلية، ومؤخرًا هناك مؤشرات  بتوجهات  العديد من الحكومات بمنح المنظمات الإنسانية مساحة ودوراً أكبر في عملية التنمية الاجتماعية، خاصة المنظمات التي تمتلك بنية ومقومات مؤسسية راسخة فاعلة من قيادة واعية، وفكر استراتيجي ولوائح وأنظمة  وسياسات ومنهجيات وأدلة إجراءات، وتعاون وشراكات وإبداع وابتكار  ومبادرات تطوعية متميزة، وتوظيف التقنية الحديثة مما جعلها شريكًا أساسيًا من شركاء التنمية في نهضة وتمكين الشعوب والمجتمعات.
وتقوم المنظمات الإنسانية بمجموعة واسعة من الأعمال والأنشطة التي تهدف إلى تحقيق الرفاهية والتنمية المجتمعية والإنسانية بدءً من المساعدات العاجلة للمتضررين من الكوارث والأزمات كتوفير الغذاء والكساء والدواء والمأوى والمياه النظيفة والرعاية الصحية كما يحدث حاليًا في المغرب وليبيا، وكذلك بناء المدارس والمستشفيات وتقديم التعليم والتدريب، وتنفيذ برامج مكافحة الفقر وزيادة فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية للفئات الأشد فقرًا، وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمة والثقافية والتنموية بأنشطتها وبرامجها المتنوعة والتي تساهم في تحسين جودة حياة الأفراد والمجتمعات.
ويمثل الجانب التنموي في مسيرة المنظمات الإنسانية أهمية بالغة ذات عدة أبعاد منها اجتماعية واقتصادية وتنموية ومهارية وثقافية وبحثية لذا تمثل المشروعات التنموية النوعية تحد كبير في منهجية المنظمات الإنسانية حيث لا سواها كأداة فاعلة في نقل العمل الخيري من الاحتياج إلى الإنتاج بتعزيز وتحقيق الفكر والأثر التنموي، ويأتي ذلك وفق دراسة ميدانية مستفيضة للوقوف على أهميتها وفوائدها وعوائدها.
ولكي تتمكن المنظمات الإنسانية من توفير أو تقديم خدمات ومشروعات وأنشطة تنموية للبيئات  المستهدفة،  فإن هناك خطوات وركائز يجب أن تأخذها المنظمات بعين الاعتبار لتحقيق رؤاها ورسالتها وأهدافها الاستراتيجية أولاها القناعة بالفكرة والحماس لها والقيمة المضافة عن غيرها من المنظمات والمشروعات وفق خطط وفلسفات  وسياسات ومنهجيات واضحة المعالم والتي منها على سبيل المثال ،توفير الدعم المطلوب ماليًا ومعنويًا، وأحقية تقدم المشهد للمتخصصين وذوي الخبرات، وتوفير قاعدة بيانات ومعلومات دقيقة ، والسير في حذو الخطط الإنمائية للمجتمعات المستهدفة، ورفع الواقع بمهنية وشفافية دون أية انطباعات شخصية أو توجهات مؤسسية ما، وتحديد أولويات الاحتياجات البيئية والمجتمعية والشرائح المستهدفة، وموارد مالية من موازنات وموارد بشرية ذات كفاءة مهنية لتحقيق النجاحات والطموحات من المشروعات التنموية والمنتجات المأمولة منها.
وهنا نسجل أنموذج لمشروع صحي تنموي ريادي احتضنته القارة الإفريقية بجيبوتي  والذي يمثل نقلة نوعية في تطوير ونهضة فكر إدارة المشروعات الخيرية من فكر إغاثي إلى فكر إنمائي استراتيجي، ويتضح ذلك جليًا في فكرة "توفير وإنشاء وحدة مركزية للأكسجين" كإحدى وحدات المستشفى، وتتمثل أهداف الوحدة في تلبية احتياجات المستشفى على مدار الساعة من الأكسجين، وتوفير وترشيد المصروفات والموازنات التقديرية، وترشيد حركة السيارات وتوفير الجهد بالذهاب اليومي لاستجلاب الأسطوانات،  وتقدير قيمة الوقت، وتأمين واستقرار المستشفى بتوافر الاحتياجات دون أية مؤثرات على الأداء والسمعة  حال الذهاب للشراء دون وجود السلعة لأي سبب أو عطل لدى الجهة الموردة. علمًا بأن متوسط الاستهلاك اليومي إلى 20 أنبوبة بقيمة 95 دولار للواحدة أي بمعدل يومي 1,900 دولار، وشهري 49,400دولار
، ومتوسط سنوي 592,800 دولار، ونضجت الفكرة بدراسة توفير وإنشاء وحدة الأكسجين، وعليه تم التواصل والبحث عن الشركات المتخصصة عالميًا من خلال لجنة المشتروات بالمؤسسة والالتزام بالضوابط والسياسات المالية والإدارية تم التعاقد مع الشركة بالاستيراد والتركيب وإتاحة جميع الخيارات للمستشفى بالاستخدام حسب الاحتياجات الطبية اللازمة، وقد بلغت إجمالي تكاليف الوحدة من بناء وتجهيز واستيراد وتركيب وحدة الأكسجين كاملة 125,000 دولار دفعة واحدة، وموازنة سنوية  لاتزيد عن 26,000 دولار تشمل راتب الفني المتخصص والمصروفات الإدارية للوحدة، وبالتالي تم توفير مايعادل سنويا 400.00 دولار، بالإضافة إلى الأهداف  التي ذكرت سابقًا، وهنا يفرض سؤال نفسه، لماذا لا يتم الاستفادة من الوحدة بتحقيق عوائد مالية إضافية ، الأمر الذي تعذر ذلك حيث أن المنفذ التسويقي بالدولة هي وزارة الصحة والتي لها علاقة طيبة بالمؤسسة كشراكة في مجالات طبية متعددة وهذا أيضًا يمثل قيمة مضافة في إدارة الفكر  الخيري التنموي.
وفي الختام يعتبر تحقيق التنمية الاجتماعية هدفًا حيويًا في جميع أنحاء المعمورة ، والمشروعات الخيرية التنموية تلعب دورًا كبيرًا في تحقيق هذا الهدف، حيث تجمع هذه المشروعات بين الرؤية الإنسانية والفكر التنموي، حيث السعي نحو تحسين جودة حياة الشعوب والمجتمعات ، وإن الجهود المشتركة لتحقيق التنمية الاجتماعية تمثل الخطوة الأساسية نحو عالم أفضل وأكثر استدامة وعدالة اجتماعية.