في واحد من أبرز المنتديات الفكرية والثقافية بمدينة الرياض السعودية، طالب الدكتور بكري بن معتوق عساس، مدير جامعة أم القرى السابق، بدعم جهود التعليم في مختلف المراحل؛ لتشجيع الموهوبين والمبتكرين من الأجيال الجديدة؛ وتأهيلهم للمشاركة في صناعة "المستقبل الأفضل" لأنفسهم وأوطانهم في جميع المجالات.
أكد في ندوة نظمتها "ديوانية الذييب" حول "الموهبة في الحضارة الإسلامية" أن الموهبة والقدرة على الابتكار في جميع المجالات ميّزت الحضارة الإسلامية بسبقها على جميع الحضارات بمنجزات غير مسبوقة أضاءت تاريخ الإنسانية في شتى المعرف والعلوم.
وشدد على أهمية دور الجامعات في دعم وصقل الطلاب الموهوبين، وإكسابهم القدرة على الابتكار.ودعا الجامعاتإلى الإسهام في تخريج أجيال من الموهوبين والمبتكرين بدلًا من المتعلمين.
وأوضح أن الحضارة الإسلامية، من بين سائر الحضارات التي شهدها التاريخ البشري، قادرة على الانبعاث والنهوض من جديد؛ لأنها تملك الشروطاللازمة لذلك في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يساعدها على استكمال إنجازاتها، وتخليص الإنسانية من مشكلاتها المعاصرة.
استهلّمدير جامعة أم القرى السابق حديثه متسائلا: هل حاولنا، ولو للحظة، أن نتخيل حياتنا بدون كهرباء؟ بدون هاتف؟ بدون سيارةأو طائرة؟هل تأملنا يومًا كيف ستكون أحوالنا لو لم تكن هناك أجهزة أشعة؟ ولا مختبرات تحليل؟ ولا مواد تخدير؟ ولا أدوات تعقيم وجراحة؟
وقال: هذه المنجزات الاستثنائية التي غيَّرت وجه الحياة ونقلت البشرية من حال إلى حال يقف وراءها رجال موهوبون، عباقرة جمعوا علمًا وعملًا وذكاءً، واستطاع كل واحد منهم أن يخطو بالإنسانية خطوات إلى الأمام.
إن في ديننا وقيمنا وأخلاقنا أصولًا كثيرة تُحفز أبناء هذه الأمة على الموهبة والإبداع، وبهذه الأصول الجليلة ترسخت في هذه الأمة روح الموهبة والابتكار والاختراع، فسجل التاريخ بأحرف من نور أن الريادة الأولى في كثير من المخترعات كانت لعلماء موهوبين من هذه الأمة العظيمة.
فأجهزة التصوير، وأدوات الجراحة، والساعات الميكانيكية، والتخدير، والتطعيم، ونظام الترقيم، والبصريات، والعقاقير الكيمائية الفعالة، وعلم الجبر،والفلك، وعلم الاجتماع... كل هذه الإنجازاتالعظيمة كانت من نتاج الأمة الإسلامية المخترعة.
تشجيع النابغين والمبتكرين
أوضح الدكتور عساس أن سجل فخار الأمة حوى أعلامًا كالبيروني، والرازي، وابن النفيس، وابن البيطار، والهيثمي، والخوارزمي، والإدريسي، وغيرهم ممن تركت مخترعاتهم الأثر الواضح في مسيرة الحياة البشرية.
أضاف أن هذه الأسماء الإسلامية الموهوبة ما كان لها أن تُسجل حضورها وأثرها في التاريخ الإنساني لولا أن هذه الأمة العظيمة كانت تحتضن مثل هذه المواهب منذ نعومة أظفارها، وتُشجع النابغين والنابهين منهم وتذلل أمامهم الصعاب، فكان لها في ذلك الزمن ما أرادت من سبق وتطور. وتناول جوانب مهمة من إنجازات الموهوبين العرب والمسلمين، مشيرا إلى أن ابن النفيس، على سبيل المثال، كشف للبشرية لأول مرة عن الدورة الدموية الصغرى،وابن سيناء سبق في تشخيص الأمراض، واقترح علاجها، وأبو القاسم الزهراوي عدّه الغرب أبو الجراحة الحديثة.. كل هؤلاء مسلمون.
الموهوبون.. كنوز بشرية
وأكد الرئيس السابق لجامعة أم القرى أن ثُلث آيات القُرآن الكريم تحث على التفكير والتدبر والنظر واستخدام العقل؛فنحن أبناء دين يحث على المعرفة، وأبناء حضارة قامت على المعرفة، وأبناء لغة أحاطت بالمعرفة، فكيف لا نكون مجتمعًا يتفاعل مع المعرفة؟
وقال: إن مهمة اكتشاف المواهب تقع بالدرجة الأولى على عاتق المعلم الذييُشكل حجر الزاوية في العملية التعليمية، ويقف بقوة خلف نجاح أو فشل أي عمليات للتطوير والتحديث.
ومن هنا كانت العناية بالمعلم تأهيلًا وتطويرًا وتدريبًا وتحسينًا للأداء واجبًا من أعظم الواجبات، فحين يُدرب معلم كفؤ فإننا في الحقيقة ندرب جيلًا، ونهب الوطن كنوزًا بشرية تحمل المشعل إلى المستقبل.والأساتذة الحقيقيون يمتازون بهذه القدرة على اقتناص المواهب، ومن ثمَّ وضعها في مسارها الصحيح الذي يناسب قوتها وتميزها.
مبدعون قهروا الإعاقة
وشدد على أنه على مر التاريخ البشري لم تكن الإعاقة الجسدية عائقًا دون التميز والإبداع وتحقيق الذات. كان ابن عباس رضي الله عنهما أعمى، ولكنه كان حبر الأمة، وترجمان القُرآن، وكان الترمذي أعمى، ولكنه ترك لنا مدونة من أشهر مدونات السُنَّة النبوية. وأديسون كان أصم، ولكنه أضاء الدنيا بالكهرباء، وملأ العالم باختراعاته التي كان لها أثر كبير على البشرية. وأتقنت هيلين كيلر أربع لغات، وحصلت على الدكتوراه، وألفت كتبًا وهي التي فقدت سمعها وبصرها في السنة الأولى من عمرها. وهذا لويس برايلالذي أضاء ظلام المكفوفين بابتكاره وطريقة القراءة المعروفة باسمه وكان مثلهم كفيفًا.
فهناك موهوبون في الطب وفي الكيمياء وفي الشريعة، حتى في الكرة والفن والقيادة والرياضة، فانظروا كيف تمثل المواهب قوة ناعمة.
مجتمع العلم والمعرفة
وأشار إلى أنه في كل العصور نجد أن الدول تقوم ببناء المؤسسات التعليمية بهدف اكتشاف ودعم وصقل المواهب لديها، حتى يتمكن الإنسان الموهوب من الانضمام إلى مجتمع العلم والمعرفة، ولذلك نجد اعتماد اقتصادية الدول في وقتنا الحاضر على ما يجود به العقل البشري أكثر من اعتماده على الموارد الطبيعية الموجودة في باطن الأرض.
وأوضح أن الحضارة بتقنياتها وثقافتها ورفاهيتها صنعها علماء أجلاء وباحثون موهوبون ومكتشفون مُلهمون وكتاب مهرة. والمتغيرات المتسارعة في مجالات المعرفة في وقتنا الحاضر تُعد واحدة من أهم سمات العقود الأخيرة من القرن الواحد والعشرين، فالمعرفة الإنسانية تتضاعف مرة كل ثماني سنوات الآن، وفي بعض المجالات الأخرى دون ذلك بكثير، الأمر الذي يفرض على الواحد منا أن يواجه كل عشر سنوات تقريبًا عالمًا جديدًا يختلف تمامًا في مفاهيمه ومُثله وقِيمه وعاداته عن العالم الذي قبله.
وشدد على أهمية دور الجامعات في دعم وصقل الطلاب الموهوبين، وإكسابهم القدرة على التفكير الناقد وحل المشكلات، والابتكارية في معرفة المحتوى.
واختتم كلامه مؤكدا أن الجامعات المنتشرة في بلادنا وما لديها من الخبرة والتجربة جديرة بأن تكون ذات إسهام فاعل في تخريج جيل من الموهوبين والمبتكرين بدلًا من المتعلمين.