استقبل اليونانيون نبأ اتفاق أثينا مع دائنيها بشيء من الارتياح المختلط بمشاعر الغضب، خصوصا من ألمانيا بعد أن بدا من الواضح أن اليونان ستضطر لقبول المزيد من التقشف الذي قد يعصف بالحكومة.
وسيعود رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس الذي جافى عينيه النوم إلى أثينا للترويج لاتفاق أشد قسوة من المقترحات التي رفضها اليونانيون بأغلبية كبيرة في الاستفتاء الذي أجري في الخامس من (يوليو).
وستكون أمامه أيام لإخماد المعارضة داخل صفوف حكومته - ربما من خلال الإطاحة بالمتشددين - وتمرير قوانين خاصة بالإصلاح في البرلمان.
وقبل أن تتضح المعالم النهائية للاتفاق قام أحد وزراء تسيبراس بالحشد ضد الاتفاق واصفا إياه بأنه غير قابل للتطبيق وتوقع إجراء انتخابات مبكرة خلال شهور. وسيحتاج تسيبراس إلى دعم نواب المعارضة وقد يكون ذلك من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وقررت الحكومة اليونانية مجددا أمس تمديد إغلاق المصارف لفترة يفترض أن يتم الإعلان عنها لاحقا، بحسب ما قال مصدر في وزارة المالية لوكالة الأنباء الفرنسية.
وأضاف المصدر أنه بعد اجتماع بين نائب وزير المالية ديميتريس مارداس ومديري المصارف اليونانية الرئيسة، ورغم التوصل إلى اتفاق في بروكسل، قررت الحكومة الاستمرار في الحفاظ على ضوابط رأس المال و»إغلاق المصارف».
وذكرت شبكة بلومبيرج الإخبارية أمس أن البنك المركزي الأوروبي أبقى على مساعداته الطارئة للنظام المالي اليوناني عند مستواها الحالي الذي يبلغ 89 مليار يورو (94.4 مليار دولار).
وصب بعض اليونانيون جام غضبهم على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله في الوقت الذي يعاني فيه اقتصادهم ركودا استمر سنوات وأغلقت فيه مصارف بلادهم وتغلق فيه عشرات الشركات يوميا.
وتضمنت عناوين الصحف اليومية إشارات إلى الحرب العالمية الثانية ودعت الصحف إلى رفض ما تراه محاولات من جانب برلين لإذلال اليونان كعقوبة لها على معارضتها لتطبيق سلسلة أخرى من إجراءات التقشف.
وأبدى اليونانيون غضبهم بوجه خاص من مقترح شيوبله بإخراج اليونان من منطقة اليورو بشكل مؤقت وهو الاقتراح الذي لم يدرج في الاتفاق. ورأى كثير من اليونانيين أن هذا الاقتراح بمنزلة طرد لليونان من دون وجه حق، بحسب ما نقلته وكالة رويترز أمس.
وقالت إحدى الصحف «اليونان في أوشفيتز. شيوبله يسعى إلى هولوكوست في أوروبا».
 وقالت صحيفة أخرى «الألمان يعودون .. ليس بصلابة درعهم وإنما بقوة اقتصادهم. يريدون أن يفرضوا سياساتهم على حكومات أوروبا التي من المفترض أن تكون متحدة. السيد شيوبله المنتقم كشف عن خطته لخروج اليونان لمدة خمس سنوات من منطقة اليورو».
وأكد تسيبراس في بيان في بروكسل أن خطة الإنقاذ ستحول دون استمرار الانزلاق في هاوية الركود وأنها حالت أيضا دون انهيار المصارف اليونانية. واحتشد محتجون البارحة في وسط أثينا للاعتراض على الاتفاق فيما يتأهب المتشددون في حزب سيريزا لخوض معركة ضد الاتفاق.
وقالت المجموعة المتشددة داخل الحزب اليساري في بيان على موقعها الإلكتروني «بعد 17 ساعة من التفاوض توصل زعماء منطقة اليورو إلى اتفاق مذل لليونان والشعب اليوناني». ودفع زعماء منطقة اليورو اليونان للاضطرار إلى وضع جزء من سيادتها تحت الإشراف الخارجي مقابل الموافقة على مباحثات حول خطة إنقاذ مالي بقيمة 86 مليار يورو لإبقاء البلد الذي اقترب من الإفلاس في منطقة اليورو.
وأرغمت الشروط التي وضعها الدائنون الدوليون بقيادة ألمانيا خلال القمة الطارئة التي استمرت طوال الليل تسيبراس على التخلي عن وعوده بإنهاء التقشف وهو ما قد يؤدي إلى الإطاحة بحكومته. وستحصل اليونان على حزمة الإنقاذ الجديدة إذا ما نجح تسيبراس في تنفيذ جدول زمني ضيق لتطبيق إصلاحات لا تحظى بشعبية تتعلق بالضريبة المضافة والمعاشات وخفض الإنفاق.
وسيتعين على اليونان تطبيق ستة إصلاحات كبيرة في موعد أقصاه ليل الأربعاء تشمل خفض الإنفاق وزيادة ضرائب وإصلاح المعاشات وإقرار البرلمان لحزمة الإنقاذ بأكملها قبل بدء المباحثات وفق ما قرر الزعماء. وقال وزراء مالية منطقة اليورو إن اليونان بحاجة إلى تمويل بقيمة سبعة مليارات يورو قبل 20 (يوليو) حين سيتعين عليها سداد قيمة سندات مستحقة للبنك المركزي الأوروبي و12 مليار يورو في موعد أقصاه منتصف (أغسطس) تاريخ استحقاق ديون أخرى للبنك.
وضع قادة منطقة اليورو شروطا لتفاوض اليونان على حزمة إنقاذ مالي ثالثة للإبقاء على البلد الذي اقترب من حافة الإفلاس في منطقة اليورو. فيما يلي ملخص بالبيان الذي توصل إليه زعماء منطقة اليورو:
1 - ستطلب اليونان دعما متواصلا من صندوق النقد الدولي اعتبارا من آذار (مارس) 2016.
2 - ستقوم اليونان بحلول 15 تموز (يوليو) بتمرير إجراءات تشمل تبسيط معدلات ضريبة القيمة المضافة وتطبيق الضريبة على نطاق أوسع وخفض معاشات التقاعد ومنح الاستقلالية لوكالة الإحصاءات الوطنية.
3 - تقر اليونان بحلول 22 تموز (يوليو) إجراءات لإصلاح نظام العدالة المدنية وتطبيق قواعد الإنقاذ المالي الخاصة بالاتحاد الأوروبي.
4 - ستضع اليونان جدولا زمنيا واضحا للإجراءات التالية:
* إصلاح طموح لمعاشات التقاعد.
* إصلاح أسواق المنتجات بما في ذلك معاملات الأحد وملكية الصيدليات والحليب والمخابز.
* خصخصة شبكة نقل الكهرباء.
* مراجعة عملية المفاوضات الجماعية والإجراءات العمالية والفصل الجماعي.
* تعزيز القطاع المالي بما في ذلك التصدي لمشكلة القروض المتعثرة والقضاء على التدخلات السياسية.
5 - كما سيتعين على اليونانيين اتخاذ الإجراءات التالية:
* الخصخصة بما في ذلك نقل الأرصدة إلى صندوق مستقل في اليونان مخصص لجمع 50 مليار يورو سيستخدم 75 في المائة منها لإعادة تمويل المصارف وخفض الدين.
* خفض إنفاق الإدارة العامة والحد من النفوذ السياسي عليها. وسيتم تقديم المقترح الأول بحلول 20 تموز (يوليو).
6 - التأكد من موافقة الدائنين على التشريعات المهمة قبل طرحها للحوار العام أو رفعها إلى البرلمان.
تخلفت اليونان مجددا عن تسديد دينها لصندوق النقد الدولي حيث كان يجب ان تدفع 456 مليون يورو حسب ما اعلن الصندوق في واشنطن. وقال المتحدث باسم الصندوق جيري رايس في بيان «لم نحصل على المبلغ». وكانت اليونان قد تخلفت في 30 يونيو عن دفع 1.5 مليار يورو لتصبح هكذا اول دولة صناعية تراكم متأخرات الدفع لصندوق النقد الدولي. ولن يحق لليونان ان تحصل على قروض من صندوق النقد الدولي طالما لم تدفع المتأخرات التي تصل الى ملياري يورو وهو مبلغ قياسي بالنسبة للصندوق. وكان من المتوقع ان تتخلف اليونان عن دفع المستحقات لصندوق النقد الدولي.
الاجتماعات العديدة التي عقدت في بروكسل لم تنجح في إنهاء الأزمة اليونانية، لكن طرح فكرة خروج اليونان من منطقة اليورو يعني أن تبني العملة الموحدة أمر يمكن العودة عنه ويكشف عمق الشرخ بين فرنسا وألمانيا. ففي 2012 كتب حاكم البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي أن الاعتقاد بأن منطقة اليورو يمكن أن تتفكك هو «تنكر للرأسمال السياسي الذي استثمره قادتنا في هذه الوحدة ولدعم الأوروبيين». وأكد أن «اليورو لا رجعة فيه».
وبعد ثلاث سنوات جلس دراغي على طاولة مجموعة اليورو التي كتبت في نسخة أولية من بيان أنه «في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق، يمكن أن يعرض على اليونان التفاوض بسرعة لخروج مؤقت من منطقة اليورو». وفي نهاية المطاف وبعد يومين من الاجتماعات الماراثونية، شطب رؤساء الدول هذه الجملة من بيانهم الختامي معبرين عن ارتياحهم لوحدتهم. حتى أن رئيس منطقة اليورو جان كلود يونكر أكد أن احتمال «خروج اليونان زال»، كما لو أنه يطرد كابوسا. 
لكن كريستوفر ديمبيك المحلل في مجموعة ساكسو بنك قال لوكالة الأنباء الفرنسية إن الاحتمال ما زال قائما. وأضاف: «إذا لم تتدبر اليونان أمرها خلال بعض الوقت سيتزايد الضغط لدفع أثينا إلى خارج منطقة اليورو. لن يكون هناك خيارات أخرى». وتابع: «سنكون بذلك قد وضعنا آلية عقابية.. إنها إرادة سياسية حقيقية» من بعض الدول خصوصا ألمانيا.
وكان إيريك نيلسن كبير الاقتصاديين في مجموعة يونيكريديت قال إن «ألمانيا تجاوزت السقف للمرة الأولى وتقول إنه إذا لم تكن هناك ثقة في حكومة ما فعليها مغادرة منطقة اليورو (ولو مؤقتا)». أما بافيل توكارسكي المحلل في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، فقد رأى أنه «من الصعب معرفة ما إذا كان الأمر لعبة تكتيكية أو إجبار اليونان فعلا على مغادرة منطقة اليورو».
والمفاوضات الطويلة في نهاية الأسبوع لم تغير جذريا على الفور وجه منطقة اليورو لكنها أقحمت أوروبا في دوامة وكشفت شرخا مبدئيا بين فرنسا وألمانيا حول ما يجب أن تكون عليه وحدة نقدية. وقال توكارسكي إن «اليونان حجر شطرنج في اللعبة بين فرنسا وألمانيا (...) والرهان هو التوجه الذي يجب أن تسير فيه منطقة اليورو».