أصدرت الجمعية الاقتصادية الكويتية أمس بيانا صحافيا جاء فيه مايلي : تابعنا جلسة مجلس الأمة الخاصة بإقرار الموازنة العامة للدولة وما واكبها من أحداث بعيده كل البعد عن المهنية والمسؤولية تجاه المال العام وآليات الإنفاق خصوصاً أن هذه الموازنة تعتبر هي الأكبر عبر تاريخ الكويت الحديث. 
واضاف البيان: نحن في الجمعية الاقتصادية الكويتية نشعر بقلق كبير لما آلت إليه الحالة المالية للدولة وديمومة المؤسسات وآلية إقرار الموازنة بهذا الشكل، فالمسار الوحيد المتاح هو الاعتراف بعدم جدوى الاستمرار فى السياسات الراهنة والخلافات المعرقلة للتنمية. تنتظر الكويت اليوم تحديات كبيرة ترمي بظلالها على وضع الكويت الاقتصادي القاتم، بدأت بالأزمة الصحية العالمية وتراجع في أسعار النفط عن سعر التعادل في الموازنة ونفاذ الاحتياطي العام وسط سجال السلطتين ومساعي تبديد الثروة عبر قرارات واقتراحات آلت إلى تدهور المالية العامة دون وجود خطط انقاذ واضحة. 
إن الاقتصاد الكويتي تشوب حوله ظلال سوداء، في المقابل نجد أن الحكومة عاجزة تماماً عن تنفيذ وإدارة أي مشروع إصلاحي ناجح، فعلى الرغم من تجاذبات السلطتين على مدى الأعوام إلا أن الحكومات المتعاقبة كانت تحتكم على أغلبية مريحة في جميع البرلمانات باستثناء برلمان واحد في السنوات السابقة، فلماذا لم تمرر خططها ومشاريعها للإصلاح الاقتصادي إن وجدت؟
وقالت في بيانها: مما يدل أيضاً على أن الحكومات المتعاقبة لا تملك مشروعا للنهوض بالدولة، أن:
الرواتب والدعوم تستهلك أكثر من %125 من الإيرادات النفطية المقدرة بالميزانية،
الرواتب والدعوم يشكلان قرابة %110 من إجمالي الإيرادات العامة،
توقعات بدخول أكثر من 325 ألف خريج كويتي إلى سوق العمل في الأعوام ال20 سنة القادمة.
بالإضافة إلى أبواب الهدر وانعدام كفاءة الإنفاق والعديد من الملاحظات الأخرى. إن الحديث عن إجراءات الحكومة في إعادة هيكلة القطاع العام لا ينعكس على الميزانية التي تم رصدها. فهناك العديد من الهيئات والمؤسسات التي تعتبر عبئاً على الدولة باختصاصات متداخله مع جهات أخرى دون أي انجاز يذكر. فأغلب المشاريع المدرجة ليس لها أي عائد فعلي للدولة ولا على خلق فرص عمل بمشاريع تعاد سنوياً من جهات حكومية بلا أي قيمة مضافة. كما أن إقرار المميزات المالية بنفس مزايا الأعوام التي كان فيها وفرة مالية أمر غير منطقي دون وجود أي أدوات لقياس الأداء. لذلك كان لابد من أخذ قرار جريء بتخفيض الميزانية والتخلص من أبواب الهدر والترضيات ووضع خطة لتنويع الإيرادات وتمويل العجز. فالزيادة في المصروفات في ظل العجوزات هو تساؤل بحد ذاته هل هذا المشروع يتناسب مع تطلعات دولة غنية ومستوى ثقافي شعبي عالي للارتقاء بمستوى التعليم والخدمات الصحية والبنى التحتية؟
إن التضخم المستمر في الميزانية العامة له تفسيران، الأول عجز الإدارة العامة الشديد متمثلاً في السلطة التنفيذية عن الوعي بأن ارتفاع النفقات العامة، والجاري منها تحديدًا أمر غير قابل للاستدامة ومخاطره السياسية والاجتماعية غير محتملة. والثاني، هو استمرار الصراعات السياسة وتوزيع المناصب بنظام المحاصصة على حساب الكفاءة مما أدى إلى قوانين وقرارات غير رشيدة بصبغة شعبوية، فكانت المناصب أهم من المستقبل الاقتصادي للدولة.
ومما يجعل الموضوع أكثر ضبابية هو عجز الحكومة عن تسويق آليات تغطية العجز والتحرك وفق برنامج محكم بإقرار الدين العام عبر خطة إنفاق واضحة. مما أدى لتمويل العجز بالسحب من أصول الاحتياطي العام السائلة، إلى أن أصبح الصندوق صفري. وبالمقابل، لن ينصلح الحال إذا مر قانون الدين العام ولن ينصلح الحال مع فرض ضرائب ولن ينصلح الحال إذا تم تخصيص جميع مرافق الدولة، إذا لم ينصلح حال الإدارة وتغيير النهج. فالسياسة التي بددت أكثر من 40 مليار دينار فائض في صندوق الاحتياطي العام خلال 10 سنوات لا يمكن أن تؤتمن على دين عام بسقف مفتوح ولا السحب من صندوق أجيال نتحكم بمصيره من غير مسؤولية.
فالواجب إذا أخذنا المنطق الاقتصادي من جدوى الدين العام هو أولاً أن يكون محكوم بضوابط مالية يحاسب عليها الوزير المعني ورئيس الحكومة المسؤول عن السياسة العامة في حال تعثره وثانياً بأن يكون مربوطاً بإنفاق رأسمالي مستقبلي يعود بالنفع على ميزانية الدولة وليس لتغطية رواتب وأجور. كما أن عدم وجود قانون لرفع سقف الاقتراض سيدفع الدولة باتجاه تسييل أُصول صندوق الأجيال القادمة وإضاعة فرص الاستثمار بتلك المبالغ فقط لسد عجز سنة واحدة. فالاستمرار بسياسة تعويم الموضوع قد تفيد سياسياً لكنها قاتلة مالياً واقتصاديا.
والأهم من كل هذا بأن تكون هنالك رقابة محترفة على النفقات العامة في حال إقرار قانون لرفع سقف الاقتراض كما هو معمول به في الدول المتقدمة حين استدانتها من أسواق المال العالمية. ولكن من جعل العجز التراكمي المتوقع من 2015-2025 هو 79 مليار دينار (حسب تقديرات صندوق النقد الدولي) أي ما يعادل 40% من صندوق احتياطي الأجيال القادمة لا يمكن أن يعطى الحرية التامة بالإنفاق المالي دون رقابة صارمة. ولن نتطرق للحلول لأن إدراج الحكومة متخمة بالدراسات ولكنها مع الأسف تفتقر للقرار..
وختم البيان: نحن اليوم لسنا بحاجة إلى «فزعة» قصيرة المدى، ولكن بحاجة إلى خطة مستدامة ورؤية اقتصادية قابلة للتطبيق مع خارطة طريق واضحة للإصلاح الاقتصادي وحزمة اقتصادية مالية متكاملة وتعاون بين السلطتين لمعالجة الخلل في الاقتصاد الكويتي لنتمكن من عبور الأزمة والتأسيس لمرحلة جديدة في الاقتصاد الوطني مبنية على قوة القانون والرقابة الشعبية.