- لعبة الدول الكبرى تمنح الشرعية للصهاينة عبر مراحل تاريخية مختلفة 
- حركة «عشاق صهيون» تقود التوجه نحو تحقيق حلم إقامة دولة خاصة لليهود
- أمين الحسيني وعز الدين القسام أبرز قادة المقاومة الشعبية في فلسطين
- المقاومة اتخذت شكلًا فرديًا وعفويًا قبل أن تصبح نمطًا أكثر تنظيمًا

القضية الفلسطينية هي إحدى القضايا الدولية المعقدة التي تمتد لعقود طويلة من الزمن، قضية تاريخية تتعلق بحقوق الفلسطينيين ووجودهم في دولتهم فلسطين المحتلة ويتصل هذا النزاع بشكل أساسي بتأسيس الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين والاستيطان في هذه المنطقة والدور الذي لعبته الدول الكبرى في تلك الأحداث،
جذور القضية الفلسطينية
في منتصف القرن التاسع عشر، تم تأسيس حركة «عشاق صهيون» في أوروبا وقد توجهت هذه الحركة نحو تحقيق حلم إقامة دولة خاصة لليهود، كان هناك اعتقاد من قبل الصهاينة البارزين بأن الموقع الأمثل لهذه الدولة يجب أن يكون في الأرض التاريخية للشعب اليهودي وهذه الأرض تُعرف بفلسطين، في ذلك الزمان كانت فلسطين تابعة للإمبراطورية العثمانية وكانت تحت حكم محلي (ولاية عثمانية) وكانت مأهولة بالفلسطينيين العرب بشكل رئيسي، في حين كانت الأقلية اليهودية تمثل أقل من 8بالمئة من السكان حتى عام 1920.
مشروع الصهيونية أثار استياءً شديداً بين الفلسطينيين، ولقي رفضاً قاطعاً من مختلف الشخصيات السياسية والدينية في ذلك الوقت، ضمن هؤلاء الشخصيات كان مفتي القدس أمين الحسيني وعز الدين القسام، وفيما بعد عبد القادر الحسيني، إضافة إلى زعماء سياسيين ودينيين وعسكريين آخرين، هذه الفترة شهدت نشوء المقاومة الشعبية في فلسطين حيث تنوعت مظاهر المقاومة ضد المشروع الصهيوني.
وعد بلفور
في عام 1917 احتل الجيش البريطاني فلسطين وشرق الأردن بالتعاون مع الثورة العربية التي قادها الشريف حسين، كانت هذه الثورة تهدف إلى تحقيق استقلال ووحدة الولايات العربية، وبناءً على معاهدة سايكس بيكو خضعت الأردن وفلسطين للانتداب البريطاني. في نفس العام أرسل آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني رسالة إلى البارون ليونيب وولتر دي روتشيلد، وفي هذه الرسالة قدم بلفور تعهداً بدعم بريطاني لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، ولكن تضمن التعهد أيضاً الملاحظة بأن هذا التأييد لن يؤثر سلباً في الحقوق المدنية والدينية للسكان غير اليهود في فلسطين بما في ذلك العرب والمسيحيين. هذا ما أصبح معروفاً فيما بعد باسم «وعد بلفور» وهو أحد الأحداث الرئيسية في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
النكبة الفلسطينية ومأساة اللاجئين
خلال الانتداب البريطاني على فلسطين وبعده، نفذت الحركة الصهيونية سلسلة من الإجراءات المخطط لها مسبقاً والتي كانت تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين وتنفيذ التطهير العرقي في فلسطين، تضمنت هذه الإجراءات هجمات إرهابية على القرى والمدن الفلسطينية نفذتها منظمات صهيونية مثل الهاجاناه والإرجون والشتيرن.
تلك العمليات أدت إلى احتلال اليهود نحو 78بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، وللأسف أسفرت عن مقتل وتشريد ما يقارب بين 750 ألف إلى مليون فلسطيني.
اليوم العصيب 
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، زادت حدة هجمات العصابات الصهيونية ضد القوات البريطانية في فلسطين، هذا الوضع دفع بريطانيا إلى نقل قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة، في 28 أبريل بدأت جلسة لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (unscop) التي كانت تضم 11 عضواً، قدمت هذه اللجنة تقريرها في 8 سبتمبر إذ أيد معظم أعضائها فكرة تقسيم فلسطين في حين اقترح بعض الأعضاء حلاً فيدرالياً. رفضت الهيئة العربية العليا اقتراح التقسيم، في حين وافقت الوكالة اليهودية عليه، كما أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي دعمهما لفكرة التقسيم، في 29 أكتوبر أعلنت الحكومة البريطانية نيتها مغادرة فلسطين خلال ستة أشهر إذا لم يُتوصل إلى حل مقبول من العرب والصهاينة.
نجحت القوات الصهيونية في احتلال مساحات تفوق تلك التي كانت مخصصة لها وفقاً لقرار التقسيم، وخلال هذه الفترة اضطرت أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى مغادرة مدنهم وقراهم نتيجة للمعارك والمذابح اليهودية.
في 13 مايو أرسل حاييم وايزمان رسالة إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان يطلب منه الوفاء بوعده بالاعتراف بدولة إسرائيل.
في 14 مايو أُعلن قيام دولة إسرائيل في تل أبيب في الساعة الرابعة بعد الظهر، غادر المندوب السامي البريطاني مقره الرسمي في القدس متوجهاً إلى بريطانيا، وفي أول دقائق من 15 مايو انتهى الانتداب البريطاني في فلسطين وأصبح إعلان قيام دولة إسرائيل نافذ المفعول، اعترفت الولايات المتحدة بدولة إسرائيل بعد عشر دقائق من ذلك الزمن ورغم ذلك استمرت النزاعات والصراعات بين إسرائيل والدول العربية المجاورة.
ومع نهاية الحرب أصبحت إسرائيل واقعاً، واستولت على مساحات تفوق تلك التي كانت مقررة لها وفقاً لقرار تقسيم فلسطين،
مجزرة دير ياسين 
قرية دير ياسين هي قرية فلسطينية تقع غربي القدس، في 9 أبريل عام 1948 وقعت مذبحة مروعة في هذه القرية على يد الصهاينة وبالتحديد منظمتي الإرجون والشتيرن، وذلك بعد 14 يوماً من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء يهود ووافق عليها أهالي قرية دير ياسين.
الانتفاضات الفلسطينية
الانتفاضات الفلسطينية هي سلسلة من التحركات تهدف إلى الاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي، تعبّر هذه الانتفاضات عن رغبة الفلسطينيين في تحقيق حقوقهم الوطنية والاستقلال، وشهدت فلسطين عديداً من هذه الانتفاضات على مر العقود، من أبرزها:
انتفاضة الحجارة
ساهمت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى في إشعال انتفاضة عام 1987 التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الأضواء الدولية بعد سنوات من الإهمال السياسي، كان لهذه الانتفاضة تأثير كبير في الواقع السياسي في المنطقة وأسهمت في إعادة تفعيل قضية فلسطين وتصعيد الحركة الوطنية الفلسطينية.
انتفاضة الأقصى
اندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 نتيجة زيارة أرييل شارون الذي كان متورطاً في مجازر ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، شملت هذه الانتفاضة مشاركة مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية وتسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة لإسرائيل، اتهمت الحكومة الإسرائيلية باتهام أحد هذه الفصائل وهو حركة فتح وكتائب شهداء الأقصى التابعة لها بأنشطة إرهابية، كما وصفت الإدارة الأمريكية هذه الفصائل بأنها منظمات إرهابية وضمتها إلى قائمة المنظمات المطلوب محاربتها وتفكيكها، هذا الضغط الثنائي وضع المنظمة بين الضربات الإسرائيلية والضغوط الأمريكية.
الثورة المعاصرة
شهد النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، عمليات فردية فلسطينية، أو ضمن مجموعات صغيرة تشكلت من وسط اللاجئين، كما ظهرت مجموعات أكثر اتساعًا وتنظيمًا تتبع رموزًا وهيئات، مثل الحاج أمين الحسيني والهيئة العربية العليا التي كانت برئاسته، أو كانت محسوبة على الإخوان المسلمين الذين نشطوا خصوصًا في قطاع غزة.
ففي الخمسينيات، بدأ الفدائيون الفلسطينيون بشنّ هجمات على الاحتلال من قواعدهم في مصر وقطاع غزة بتشجيع مصري، وأخذت الهجمات تتصاعد بعد نجاح الضباط القوميين في الإطاحة بالنظام الملكي في مصر عام 1952.
ومع الزمن، بدأت المقاومة تأخذ طابعًا أكثر تنظيمًا، ففي عام 1959 بدأ ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني الراحل، التحرك من أجل تأسيس تنظيم مسلح لمقاومة الاحتلال من مصر، حتى تمكن عام 1965 من القيام بذلك، وفي عام 1964 أعلنت جامعة الدول العربية عن تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني تحت قيادة أحمد الشقيري.
إن الدفع باتجاه تأسيس الكيانات والفصائل الفلسطينية، لتصبح أجساماً حقيقية أكثر تنظيماً وقدرة على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكيانات سياسية وعسكرية، لم يغيّب المقاومة الفلسطينية الشعبية عن الساحة، بل استمرت لاحقًا بالمقاومة والتظافر مع الجهود المنظمة في الانتفاضات والهبات الفلسطينية منذ مطلع الثمانينيات وحتى يومنا الحالي، على الرغم من تغيُّر الرؤى الثورية لبعض التنظيمات والقوى السياسية.
حجارة اليأس والأمل
مع اندلاع الانتفاضة الأولى، دخل سلاح جديد مختلف تماما عن ذلك الذي كان مستعملا في السنوات السابقة، سلاحا بسيطا سطر صفحة جديدة في تاريخ المقاومة: الحجارة. 
للمغاربة مَثَل شهير يتداوله الجميع من كبار وصغار يقول: «العود اللي تحڭره يعميك»، ويعني أن العود الصغير الذي تحتقره قد يسبب لك العمى. وهذا ما حدث مع دولة الاحتلال، التي ربما لم تكن تتصور أن تتمكن المقاومة في قطاع غزة المحاصر، وفي سنوات قليلة، من تشكيل ترسانة صاروخية قادرة على الوصول إلى أي نقطة داخل الخط الأخضر. للوصول إلى ما يحدث ، كان على الفلسطينيين الاعتماد على أنفسهم، فبعد أن أخفقت الجيوش العربية في موقعتي «النكبة» و»النكسة» عامي 1948 و1987، بدأ النضال الفلسطيني يتحرر أكثر فأكثر من الوصاية الرسمية للجيوش النظامية، خصوصا بعد قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي صدر في نوفمبر 1967، وتحوُّل الهدف العربي من تحرير فلسطين إلى مجرد إزالة آثار العدوان الإسرائيلي . أقنعت هذه التحولات الفلسطينيين أن عليهم الاعتماد على أنفسهم في معركة التحرير. وحينها بدأت صورة الفلسطيني تتحول من مشرد أو لاجئ يبحث عن مكان له في المخيمات إلى فدائي يحمل السلاح ويواجه عدوَّه مباشرة. وقد هدفت حركة فتح، ومنظمات المقاومة الفلسطينية التي غلبت عليها الطبعة اليسارية أو القومية آنذاك، إلى تكوين ساحة كفاح مسلح عبر بناء قواعد ارتكاز في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشجَّعت الإضرابات والاعتصامات وغيرها من التحركات المدنية المقاومة. انطلق التنفيذ في الضفة الغربية، إذ بدأ بناء القواعد الأولى عبر فريق تكوَّن من 30 رجلا استهدفوا العدو. ومن جهتها واجهت إسرائيل هذا التحرك المسلح بحملة أمنية واسعة مع فرض حظر التجول وتقسيم الأراضي المحتلة إلى مربعات أمنية لسرعة تمشيطها، ومع نهاية عام 1967 عرفت فلسطين استشهاد واعتقال المئات من الناشطين والفدائيين والمناصرين، ما تسبب في انحسار العمل الفدائي المسلح في الضفة الغربية، مع محافظته على زخم أكبر بقطاع غزة حتى عام 1971 (2).
صواريخ تحكي معجزات
ليس سرا أن موازين القوى عرفت تغييرا جذريا بعد تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1987، ثم الإعلان عن تأسيس الجهاز العسكري الذي حمل اسم الشهيد عز الدين القسام عام 1990. وقد شكَّلت الساعة الثانية صباحا من يوم 26 أكتوبر 2001 ساعة محورية في تاريخ القضية الفلسطينية، حين أعلنت كتائب القسام في بيان تاريخي لها قصف مدينة «سديروت» الصهيونية شمال قطاع غزة بعدة صواريخ من طراز «قسام 1» ردا على جرائم الجيش الإسرائيلي. وقالت كتائب القسام آنذاك: «نعاهد الله ثم نعاهدكم لنجعلن حياة الصهاينة جحيما لا يطاق، ولندخلن عليهم المستوطنات والمدن، ولنخرجهم من أرضنا صاغرين بعون الله تعالى، وندعوكم إلى الانحياز دوما إلى خيار الجهاد والمقاومة وعدم اليأس، ونعدكم أن نكون المخلصين دوما حتى نحرر كامل تراب فلسطين» . 
قبة حديدية ترعب مُصمِّميها
في مارس 2011 أعلن جيش الاحتلال عن إدخال ما يسمى بـ»القبة الحديدية» إلى الخدمة، وهي سلاح لاعتراض صواريخ المقاومة، ثم أعلن جيش الاحتلال عام 2017 عن تطوير القبة الحديدية لتتمكن من التصدي لقذائف الهاون والطائرات المسيرة. وقد اعتبرت إسرائيل معركة «سيف القدس» عام 2021 بمنزلة الامتحان الحقيقي للقبة الحديدية بعد تطويرها، زاعمة أنها تمكنت من تحقيق نجاح في اعتراض الصواريخ وصل إلى 90بالمئة. لم تكن المقاومة بالسذاجة التي تجعلها تطلق صواريخها بطريقة تسهل عملية تصدي القبة الحديدية، بل اعتمدت في هجومها أثناء الحروب التي جمعتها بإسرائيل على «الزخم الصاروخي» الذي يهدف إلى إغراق الدفاع الجوي الإسرائيلي عبر إطلاق رشقات كبيرة في وقت زمني قصير، ما يشوش على عمل المنظومة الدفاعية ويسهل تجاوزها.
ورغم تمكن القبة الحديدة من التصدي لعدد من الصواريخ، وبعيدا عن نسبة هذا التصدي، فإن صواريخ القسام وإن لم تنفجر على الأرض تكون قد حقَّقت هدفا إستراتيجيا بالغ الأهمية وهو هزيمة الهدف الحقيقي الذي أُنشئت من أجله القبة الحديدية وجميع أسلحة الردع الإسرائيلية: إشعار السكان بالحماية والأمن، حيث بات سكان الاحتلال يدركون أنهم في مرمى نيران المقاومة في كل وقت. ثم جاءت عملية طوفان الأقصى لتثبت أن المقاومين أنفسهم ليسوا بعيدين، وأن المستوطن المحتل يمكن أن يستيقظ في أي لحظة ليجد مقاوما في منزله وفوق رأسه، وهو ما يغير موازين الصراع نفسيا وإستراتيجيا، إلى الأبد.