هدى الدخيل: الحكومة إحدى أذرع حوكمة المجتمع القطاع الخاص والمجتمع المدني الذراعين الأخريين 

هاشم الرفاعي: الخطة الإنمائية الأولى (2010/2011 - 2013/2014) علامة فارقة في مسيرة التخطيط والتنمية بالكويت

بدر مال الله: قانون مقترح من مجلس الأمة يهدف إلى اعتماد قواعد واضحة للحوكمة في المؤسسات الحكومية

 أحمد النصيرات: تجربة إمارة دبي للأداء الحكومي المتميز تعتمد على برامج تدريبية تخصصية لتأهيل موظفي الحكومة
استضاف مجلس الأمة اليوم، مؤتمر "الحوكمة في دولة الكويت الإطار التشريعي والمالي والإداري" الذي تنظمه لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالتعاون مع ديوان المحاسبة.
وعقد المؤتمر جلسته الأولى وناقش خلالها المحور الأول: حركة التخطيط التنموي والتحديات التشريعية لحوكمة عمليات التخطيط التنموي ، إضافة الى التجربة الخليجية للاداء الحكومي المتميز. 
وتحدثت محلل برامج الحوكمة الديمقراطية لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدولة الكويت سابقا هدى صالح الدخيل حول الحوكمة الديمقراطية والتنمية.
وأكدت أن الفرق المهم بين الحوكمة والحكومة يكمن في أن الحكومة ما هي إلا ذراع واحدة فقط من أذرعة حوكمة المجتمع المعاصر، أما الذراعان الأخريان فهما القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وفيما يأتي نص كلمتها حول مفتاح التنمية الشاملة المستدامة:
فك الاشتباك المفاهيمي
 
الحكومة، الإدارة الحكومية، الحوكمة، والحوكمة الديمقراطية، كيف تختلف هذه المفاهيم وأين تلتقي؟ نظرا للحداثة النسبية لمصطلح "الحوكمة" في ثقافتنا الإدارية، ما زال كثيرون، ومن بينهم مختصون، يخلطون بين هذا المفهوم وغيره من المفاهيم الإدارية أو التنظيمية. ولما كانت الحوكمة أمرا مفصليا في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، فمن الضروري توضيح الفرق بينها وبين هذه المفاهيم والصلة بينها والتمييز بين أدوارها المختلفة. وسنبدأ بمفهومي الحكومة والحوكمة.
الإجابات عن سؤال ما الفرق بين مفهوم الحكومة والحوكمة متعددة بتعدد السياقات التي نحاول البحث في معنى أي من المفهومين في إطارها. ولكن من الضروري أن نتذكر دائما أن المفهومين متداخلان، وأن كيفية فهمنا لأحدهما ستؤثر بالضرورة على كيفية فهمنا للآخر. 
في ضوء ذلك، ربما كانت المقاربة الأفضل لتوضيح الفرق بين المفهومين على النحو الآتي:
 
الحكومة، هي منظومة، أو مجموعة من النظم تتألف من مؤسسات وبنى وأطر مختلفة تدير وتمتلك وتتحكم في وتستخدم موارد محددة في منطقة محددة (الدولة) لتلبية احتياجات شعب محدد والدفاع عنه أو عن احتياجاته. تنشأ هذه النظم بطرق متعددة، منها العقد الاجتماعي في الدول الديمقراطية، أو تفرض بالقوة في مثل حالات الدول الديكتاتورية، أو من خلال حصولها على تأييد جزئي بشكل ما من الجمهور مثل الديموقراطيات غير الليبرالية. وطبيعة النظام هي ما يحدد من هو صاحب القرار في اختيار أعضاء الحكومة، الذين سيحددون بدورهم أسلوب عملها.
ضمن إطارها التنظيمي، تُنشئ الحكومة مؤسسات مختصة تعمل على إنفاذ السياسات وإدارة وتعزيز القوانين واللوائح التي تنظم إدارة الموارد وكافة أوجه الحياة في الدولة وتستجيب لتلبية احتياجات سكانها. على سبيل المثال، وزارة التجارة مسؤولة عن تنظيم العمل التجاري وإنفاذ القوانين التجارية للدولة، ووزارة الصحة مسؤولة عن تنظيم العمل الصحي وإنفاذ القوانين المتعلقة بالصحة، وهكذا. ومن خلال هذه المؤسسات تنجز الحكومة أعمالها. أما الكيفية التي يدار بها العمل اليومي أو الروتيني في هذه المؤسسات، على سبيل المثال إنجاز المعاملات وإدارة الموارد البشرية وإدارة الميزانيات وغيرها، فهي ما نسميه عمليات الإدارة الحكومية.
أما الحوكمة، فهي عملية توجيه هذه النظم والمؤسسات والأطر والانتفاع بها لتحقيق الأهداف التي أنشأت لتحقيقها أو المسؤولية التي أنيطت بها من قبل السلطة، أو الإدارة من أجل النتائج، وذلك عبر وضع السياسات والخطط الاستراتيجية وغيرها. ومرة أخرى، طبيعة النظام التي نشأت فيه الحكومة هو الذي يحدد من هي هذه السلطة. 
لماذا كان من الضروري إعادة التأكيد على هذه النقطة الأخيرة؟ لأن الفرق المهم بين الحوكمة والحكومة يكمن في أن الحكومة ما هي إلا ذراع واحدة فقط من أذرعة حوكمة المجتمع المعاصر، أما الذراعان الأخريان فهما: القطاع الخاص، والمجتمع المدني. التمييز بين هذه القطاعات هنا هو بطبيعة الحال على سبيل التحليل، حيث إن الوضع الطبيعي هو تداخل هذه القطاعات. لكن، وعلى الرغم من تداخلها الطبيعي، إلا أن لكل منها دوره المميز في إدارة المجتمعات المعقدة، ومن الضروري فهم هذا الدور بوضوح، إن أردنا تفعيله. 
سبق وأن بينت أعلاه دور الحكومة. أما القطاع الخاص، الذي يتميز بروح المبادرة وتحمل الأخطار والتوجه نحو الإبداع والابتكار بما يضمن له القدرة على التنافس والتأثير إيجابا على عملية النمو الاقتصادي والحد من الفقر، فيتجلى دوره في الدفع بالنمو الاقتصادي المولد للدخل وتوفير فرص عمل دائمة ومستوا أفضل للدخل. أما دور المجتمع المدني فيتجلى في تعبئة الموارد والطاقات المعطلة سواء كانت اقتصادية أم بشرية، وإشراك مختلف فئات المجتمع في هذه العملية وعدم ترك أحد خارجها عرضة للعوز والحرمان، وذلك بما يسهم به من دور فاعل في مختلف ميادين تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والعمل الخيري والثقافي والبيئي والاجتماعي والتعليمي ومحو الأمية.
لكل من هذه القطاعات لغته الخاصة وممارساته الخاصة وأيضا ثقافته الخاصة. وكل منها غالبا ما يدرب أعضاءه على عدم الثقة بالقطاعات الأخرى، حتى يتمكن هذا القطاع من الحد من القطاعات الأخرى وتهديدها. التحدي المهم هنا، هو أنه من دون توافر إمكانية التفاعل الصحي بين هذه القطاعات، يصبح من الصعب مكاملة أدوارها، ومن ثم يصبح من الصعب تحقيق أهداف التنمية الشاملة المستدامة للدولة.
وهنا بالذات يكمن الفرق بين الحوكمة والحوكمة الديمقراطية. فالحوكمة الديمقراطية، التي تتضمن كل الأدوار السابقة، هي مفهوم أوسع وأشمل من حيث اهتمامها بتوجيه وإدارة العلاقة بين هذه القطاعات، عبر إعادة بناء الثقة بينها ومكاملة أدوارها بشكل فعال، لتيسير إمكانية تحقيق التنمية الشاملة. ومن الضروري هنا الانتباه إلى الفرق بين مكاملة هذه الأدوار وبين دمجها. فالدمج يؤدي إلى تشويه وتحريف هذه الأدوار، بينما التكامل يعني أن يمارس كل قطاع منها دوره وما يتحمله من مسؤوليات في سبيل تحقيق هدف عام مشترك بشكل متسق ومتناغم مع القطاعات الأخرى. 
كيف تعمل الحوكمة الديمقراطية
 
يصبح تكامل أدوار هذه القطاعات ممكنا فقط في حالة توافر فضاء عام صحي يتيح الحوار المفتوح البناء بينها. وهذا يعتمد في أساسه على توافر حد معقول من الاتساق والسلم الاجتماعيين، اللذين من دونهما تصبح الجهود التنموية هباء منثورا. 
والاتساق والسلم الاجتماعيان بدورهما لا يتحققان إلا بتلبية الحاجات الأساسية لكل أفراد المجتمع من دون استثناء، وهي: الشعور بالأمن، بمعناه الشامل بما يتضمنه من أمن غذائي وصحي وبيئي واقتصادي، ... إلخ، بالإضافة إلى العدل والقدرة على التحكم في المصير.
وأي تهديد يطرأ على واحدة من هذه الحاجات الأساسية سيكون عاملا مهما في توجه الأفراد والجماعات إلى الانكفاء على الذات والانغلاق في وجه الآخر، وتضاؤل فرص الحوار العام الصحي، وبالتالي تشظي الفضاء العام.
في هذا السياق، تعد الحوكمة الديمقراطية أداة فعالة في إعادة بناء الفضاء العام الصحي، إذ تقوم فلسفتها على مبدأ أساسي، هو ضرورة إشباع الحاجات الأساسية لأفراد وجماعات المجتمع، وهي: الأمن، بمعناه الواسع، والعدل والقدرة على التحكم بالمصير. وبناء عليه، يستند عمل الحوكمة الديمقراطية إلى ثلاثة أعمدة أساسية، هي:
-تطوير الأداء المؤسسي: لضمان سلاسة عمل كل القطاعات للاستجابة الفعالة لاحتياجات الأفراد في ظل إدارة من أجل النتائج ترسم فيها حدود المسؤوليات وخطوط الاتصال بوضوح، وتعمل بشفافية ولا مركزية، وتكافح الفساد، في بيئة عمل تشجع على الابتكار والابداع.
 
-تعزيز سلطة القانون: من أجل ضمان حل النزاعات سلمياً عبر تأكيد مبادئ حقوق الإنسان وتمكين الفئات المهمشة، ولتعزيز الشعور بالأمن لدى الأفراد عبر تيسير حق الجميع في الوصول إلى العدالة، وحفظ حقوقهم عبر تطوير شفافية وسرعة إجراءات التقاضي وإنفاذ الأحكام القضائية.
-ضمان المشاركة الشاملة بالرأي والمساءلة: لرفع مستوى المشاركة الديمقراطية عبر رفع &o5240;&o5194;رة الأفراد &o5227;&o5248;&o5264; ا&o5247;&o5176;&o5228;&o5170;&o5268;&o5198; &o5227;&o5254; و&o5183;&o5260;&o5166;ت ا&o5247;&o5256;&o5224;&o5198; وا&o5271;و&o5247;&o5262;&o5267;&o5166;ت و&o5227;&o5248;&o5264; ا&o5247;&o5252;&o5220;&o5166;&o5247;&o5170;&o5172; &o5169;&o5166;&o5247;&o5188;&o5240;&o5262;ق وا&o5275;&o5203;&o5176;&o5188;&o5240;&o5166;&o5239;&o5166;ت، ومشاركتهم &o5235;&o5266; &o5227;&o5252;&o5248;&o5268;&o5166;ت ا&o5175;&o5192;&o5166;ذ ا&o5247;&o5240;&o5198;ار أو &o5175;&o5240;&o5194;&o5267;&o5250; ا&o5247;&o5192;&o5194;&o5251;&o5166;ت أو &o5227;&o5252;&o5248;&o5268;&o5166;ت &o5175;&o5256;&o5236;&o5268;&o5196; ا&o5247;&o5204;&o5268;&o5166;&o5203;&o5166;ت، ورفع قدرتهم على مسائلة ا&o5247;&o5252;&o5244;&o5248;&o5236;&o5262;ن &o5169;&o5166;&o5247;&o5262;ا&o5183;&o5170;&o5166;ت (من مدراء و&o5239;&o5166;دة وإدارات &o5187;&o5244;&o5262;&o5251;&o5268;&o5172; ومقدمي الخدمات) عبر التعبير عن الرأي. وفي المقابل، ضمان التزام هؤلاء المكلفين &o5169;&o5176;&o5188;&o5252;&o5246; &o5251;&o5204;&o5158;و&o5247;&o5268;&o5172; و&o5175;&o5170;&o5228;&o5166;ت أ&o5235;&o5228;&o5166;&o5247;&o5260;&o5250;. ويدخل في هذا الإطار تطوير كافة المناحي المتعلقة بالعمل البرلماني والإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية بما يكفل التمثيل الأفضل لهؤلاء الأفراد والتعبير عن آرائهم وأولوياتهم.
وتقود هذا العمل قيم الشفافية والنزاهة ومبادئ حقوق الإنسان، بالإضافة إلى حق الوصول إلى المعلومات وتداولها.
الثقافة المجتمعية، العامل الحاسم المهمل
 
تزداد فرص نجاح أي مجتمع في تحقيق أهدافه التنموية مع مدى نجاحه في استثمار أداة الحوكمة الديموقراطية في توجيه العملية التنموية. والنجاح في استثمار هذه الأداة الفعالة مرهون بدوره بعامل حاسم، وللأسف مهمل دائما في برامجنا التنموية، وهو عامل الثقافة المجتمعية. 
الثقافة المجتمعية المنغلقة والتي تقوم على الإقصاء ولا تتبنى الحوار الصحي كوسيلة لحل النزاعات ولا تحتفي بالاختلاف والتنوع ولا تتيح للجميع الحق في التعبير عن الرأي والمساءلة أو حتى التساؤل، ولا تعد العمل المنتج قيمة في حد ذاته، هي ثقافة معطلة للتنمية.
فكيف يمكن تحويل الثقافة المجتمعية من ثقافة منغلقة إلى ثقافة منفتحة على المستوى الوطني والإنساني والكوني؟ تبدأ الخطوة الأولى من تشخيص الواقع الثقافي للمجتمع المستهدف، لتحديد مدى انفتاحه والعناصر المتضمنة في ثقافته، التي قد يؤدي استثمارها وتفعيلها إلى معالجة ما يواجهه من أزمات وبالتالي رفع قابليته للانفتاح. 
هناك كثير من الوسائل والأدوات المنهجية التي تستخدم في تقييم واقع الثقافة المجتمعية، وربما كان من المفيد النظر في واحدة من المنهجيات المستخدمة في مجال التحول الاجتماعي، وهي نموذج "متكاملة الديناميكيات اللولبية" . spiral dynamics integral لقد طبق هذا النموذج بنجاح ملحوظ في عدد من البيئات الاجتماعية المعقدة، من أهمها تطبيقه الناجح على مجتمع جنوب إفريقيا لمواجهة ثقافة التمييز العنصري. 
يستخدم هذا النموذج لفهم طبيعة النمو والتطور الإنساني والثقافي عبر تفسير أسباب وجود الصراع في العالم تمهيدا لبحث وسائل تجاوزه. 
وتكمن قوته في تركيزه على الموروثات القيمية الثقافية العميقة (vmemeics)، أي مجموعة القيم والإشارات والمفردات والمواقف الثقافية والأدوات المعرفية التي يتوارثها أفراد مجتمع ما عبر الزمن.
 
ويكمن المصدر الثاني لقوة النموذج في قدرته على اقتراح طرق وأساليب للتحرك السريع بالمجتمع نحو الحوار العميق للتوصل إلى حلول شاملة متكاملة لحالات الصراع التي يعانيها. وهو يفعل ذلك من خلال فحص القدرات المعرفية والقيم العميقة التي تمثل الخلفية التي نستند إليها فيما نؤمن به وما نفعله، وذلك للإجابة عن أسئلة مهمة مثل: "كيف" يفكر الناس في أمورهم (في مقابل "بماذا" يفكر الناس)؟ لماذا يتخذ الناس قراراتهم بطرق مختلفة؟ لماذا يستجيب الناس لمحفزات مختلفة؟ لماذا وكيف تنشأ القيم وتنتشر؟ ما طبيعة التغيير؟
وينظر هذا النموذج إلى التنمية البشرية، الفردية والجماعية، على أنها عملية تهدف إلى تغيير رؤيتنا للعالم وتغيير منظومة القيم التابعة لها، إذ أن كل شخص (أو ثقافة) ينظر إلى العالم من خلال نافذة-فلتر يتطابق مع درجة تطوره. 
وخلال أغلب مراحل تطورهم، يؤمن الأفراد بأن العالم هو على نحو مطابق لنظرتهم الخاصة، وبالتالي فإنهم ينظرون لكل من يرى العالم من نافذة أخرى مغايرة على أنهم جهلة أو مخطئون أو أغبياء أو حتى أشرار.
وأياً كان اعتقاد هؤلاء بأنهم مستنيرون ومنفتحون عقلياً، إلا أنهم عادة ما يتجاهلون أو ينكرون أي معطيات لا تتفق مع رؤيتهم الخاصة. 
ومع نمو وتطور الناس يتراجع تمحورهم حول ذواتهم، ويتقدمون نحو التمحور حول العرق ومن ثم التمحور حول العالم ككل، عبر تسعة مراحل من التطور مصنفة إلى ألوان وتنقسم في خطوتين تطوريتين رئيسيتين كما يبين الشكلين التاليين. تبدأ الخطوة التطورية الأولى من المرحلة الحيوانية (البيج)، ثم الروحانية (البنفسجي)، ثم الأنانية (الأحمر)، ثم القطعية (الأزرق)، ثم المادية (البرتقالي)، ثم الإنسانية (الأخضر).
وتبدأ الخطوة التطورية الثانية بالمرحلة المنهجية (الأصفر)، ثم الكونية (الفيروزي) وصولا إلى المرحلة المفتوحة (المرجاني)، وهي مرحلة لم تُعرف سماتها بشكل واضح حتى الآن لعدم وصول أي من المجتمعات المعاصرة إليها. 
إلا أن التقدم على مسار اللولب لا يعني زوال وجود المستويات الأولية منه، بل أنها تبقى مستمرة مع الأفراد والجماعات على امتداد المراحل التسعة، وأن المجتمع قد يراوح في حركته بين هذه المستويات في مرحلة تاريخية ما، نتيجة تغير الموقف النفسي والثقافي لغالبية أفراد المجتمع وفقا لطبيعة التحديات التي تواجههم فيها.
ولا يكف الإنسان عن النظر إلى الرؤى الأخرى المختلفة للعالم على أنها خاطئة أو شريرة بسبب اختلافها عن رؤيته، إلا حين يصل إلى الخطوة الانتقالية الثانية من اللولب التطوري حيث يبدأ النظر إليها من منظور شمولي أعمق يجعلها بالنسبة له فقط مختلفة من دون إطلاق أي أحكام تفضيلية عليها، ويقبلها كجزء طبيعي من مسيرة حياة الأفراد والمجتمعات.
ويرى النموذج أن كل هذه المراحل متساوية في الأهمية، وأن كل منها يحتوي على مجموعة من السلوكيات الصحية وغير الصحية التي تسود المجتمع وفقا لطبيعة التحديات التي يواجهها في كل مرحلة من تاريخه.
ومن أجل تحقيق أي تطور في تنمية المجتمع لدفع مسيرته عبر مراحل اللولب، لابد من العمل على معالجة الأسباب المؤدية إلى بروز السلوكيات غير الصحية في كل المراحل السابقة من اللولب لضمان صحته، ثم العمل على تغيير رؤية المجتمع للعالم، وبالتالي تغيير منظومة القيم المرتبطة بها، تمهيدا لمساعدته على التقدم في مسيرته إلى المستويات الأعلى. 
وهذا أمر لا يتحقق بمهاجمة والحط من قدر المستويات الأولية، بل باحترامها والقبول التام بوجودها ودعم إشباع احتياجاتها المرحلية إيجابيا، لتجنيبها الحاجة للدفاع عن نفسها وعن رؤيتها للعالم بشكل صدامي، وإتاحة الفرصة لها للتقدم وفق إيقاعها الخاص.
التحديات التشريعية 
 
وحول التحديات التشريعية لحوكمة عمليات التخطيط التنموي في الدولة أكد الأمين العام السابق للأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية هاشم الرفاعي ان الخطة الإنمائية متوسطة الأجل الأولى (2010/2011 - 2013/2014) علامة فارقة في مسيرة التخطيط والتنمية بدولة الكويت، حيث إنها كانت المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يكتمل فيها تنفيذ خطة متوسطة الأجل للتنمية وخططها السنوية ضمن مراحل تخطيطية مترابطة ومتعاقبة تمثل رسالة تنموية في اتجاه تحقيق رؤية الدولة المستقبلية 2035 وأهدافها الاستراتيجية.
وأضاف أن هذه النقلة التخطيطية النوعية جاءت ثمرة جهد تخطيطي علمي ومنهجي للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية وأمانته العامة، لافتا إلى أن تنفذها واجه العديد من التحديات، لكنها رغم ذلك وفرت الكثير من الخبرات والدروس المستفادة، والتي مثلت فيما بعد روافد ومنطلقات أساسية للمرحلة التخطيطية الجديدة التي تم فيها بناء الخطة الإنمائية متوسطة الأجل الثانية (2015//2016 - 2019/2020)، وهو ما انعكس ايجابا على خططها السنوية اللاحقة.
وأضاف أن الحاجة ظهرت إلى الحوكمة أولا في مطلع الثمانينات من القرن الماضي إثر فشل العديد من برامج المساعدات الاقتصادية للدول النامية في تحقيق أهدافها، لا سيما بعدما تبين بأن ذلك يعود للضعف الواضح في مجال الإدارة الحكومية ومكافحة الفساد في تلك الدول، ما نتج عنه تسرب مليارات الدولارات الى جيوب الحكام أو المحسوبين عليهم.
وأظهرت الحاجة الى الحوكمة في العديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة خلال العقود القليلة الماضية، خاصة في أعقاب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدها عدد من دول شرقي آسيا وأميركا اللاتينية وروسيا في عقد التسعينات من القرن العشرين، وكذلك ما شهده الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة من أزمات مالية كانت أشدها في عام 2008.
وأكد أن أهمية الحوكمة تزايدت نتيجة لتوجه العديد من دول العالم نحو التحول إلى النظم الاقتصادية الرأسمالية التي اعتمدت فيها بدرجة كبيرة على الشركات الخاصة لتحقيق معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي، ما أدى إلى اتساع حجم تلك المشاريع وانفصال الملكية عن الإدارة، وأدى ذلك الى ضعف آليات الرقابة على تصرفات المديرين، وإلى وقوع أزمات وكوارث مالية.
وأشار إلى أنه لكي يمنع تفاقم الأزمات والحفاظ على سلامة العمليات، كان من الأساسي جدا تعزيز الحوكمة نفسها، من خلال ما يُعرف بالحوكمة الرشيدة التي تركز على مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف الاقتصادي بين المواطنين ومحاربة الفساد وفرض القانون، والتي من أبرز أسسها وجود حكومة نزيهة ومنصفة تجعل المواطن محور اهتمامها وتعمل على توسيع المشاركة الشعبية وتحسين نوعية الحياة للجميع من دون استثناء وبقدر الإمكان.
 
التحديات البنيوية 
 
وتحدث مدير عام المعهد العربي للتخطيط د. بدر مال الله حول حوكمة التخطيط التنموي والتحديات البنيوية ، وقال إن الحوكمة تتمثل في النظم والترتيبات والتشريعات التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات والسياسات العامة وتنفيذ الإجراءات، بحيث تضمن الشفافية والمساءلة وسيادة القانون وتعمل على تحسين مستوى الأداء العام لمؤسسات الدولة وتقديم خدمات ذات كفاءة، علاوة على تحقيق الكفاءة والفعالية في إدارة الموارد المتاحة.
وأضاف أنه في هذا الإطار يسعى القانون المقترح من مجلس الأمة إلى اعتماد قواعد واضحة للحوكمة في المؤسسات الحكومية لاستكمال المنظومة القائمة اليوم والتي أسندت مهام رقابية لمؤسسات مختلفة على غرار ديوان المحاسبة وجهاز متابعة الأداء الحكومي وغيرها، وهو ما يتوافق مع الركيزة الأولى الهادفة إلى خلق إدارة حكومية فاعلة ضمن الأهداف الاستراتيجية في مشروع دولة الكويت «كويت جديدة 2035».
وأكد أن هذا التوجه يكتسب نحو تعزيز مبادئ الحكوكمة في الإدارة الحكومية أهمية قصوى بالنظر إلى العلاقة القوية بين حكومة الإدارة العامة والاستثمار والتنمية عموما، حيث تؤثر مبادئ الحوكمة على جودة الخدمات والإجراءات الحكومية، فضلا على نوعية السياسات العامة وتنفيذها، بحيث تتحدد العلاقات التبادلية فيما بين القطاعات الحكومية المختلفة وما بين الإدارة والقطاع الخاص على النحو الذي تتعزز فيه مبادئ الشفافية والمساءلة وقوة القانون، وتتحدد فيه التكلفة والعائد على الأنشطة الاقتصادية الاستثمارية والتجارية في إطار مستقر وشفاف قابل للتنبؤ، وهو ما يعد من أهم الحوافز التي تدفع القطاع الخاص إلى بذل مجهود أكبر من أجل الاستفادة من رؤوس الأموال المستثمرة وبالتالي السعي إلى توسيع وتنويع الاستثمارات ما يؤدي إلى زيادة متواصلة في انتاجية عوامل الانتاج والنمو الاقتصادي.
وأضاف أنه بين من أزمة المالية العالمية لعام 2008 أن الدول والشركات التي أظهرت قدرا أعلى من المنعة الاقتصادية والمالية هي التي تتمتع بممارسات متسقة ومتماسكة للحوكمة، وهو ما دفع العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء إلى العمل على تعزيز قواعد الحوكمة لديها لتحصين مكاسبها التنموية وتجنب حصول تعثر في مسيرتها التنموية بسبب تراجع حجم الاستثمار والتجارة وانكماش النشاط الاقتصادي عموما. وهو ما دفع كذلك العديد من الهيئات الدولية إلى إعادة النظر في قواعد الحوكمة القائمة بهدف تحصين اقتصادات الدول والقطاعات الاقتصادية المؤثرة على الاقتصاد العالمي على غرار القطاع المالي.
ولفت مال الله إلى أن الاقتصاد الكويتي أظهر الكثير من التقلبات خلال السنوات الأخيرة على غرار العديد من الدول. وبصرف النظر عن تذبذب أسعار النفط، فإن نوعية الأداء الإداري والتنموي، كما يتبين من خلال التقرير العالمي للتنافسية ومؤشر ممارسة أنشطة الأعمال، تدل على ضرورة وضع خطة إصلاحية هيكلية لحوكمة الإدارة العامة في دولة الكويت وذلك على قاعدة من الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية والمالية التي من شأنها أن تضع الحوكمة على قاعدة راسخة، إذ لا تتسق جهود وإجراءات الحوكمة ولا تؤتي ثمارها المطلوبة دون تلك الإصلاحات.
وأكد أن المعهد العربي للتخطيط يسعى جاهدا من خلال أنشطته المختلفة إلى إثرار النقاش وزيادة الاهتمام بتعزيز قواعد الحوكمة لما لها من آثار تنموية موثقة، حيث يرى المعهد أن الحوكمة ليست مرادفا لإزالة القيود بقدر ما تتعلق بإرساء قواعد متسقة ومتماسكة للمؤسسات بما يؤدي إلى تحسين كفاءة القطاع الحكومي واستجابته وفعاليته. ويرى من جهة أخرى أنه لا يوجد نموذج موحد لحوكمة القطاع الحكومي وذلك لتداخل العوامل السياسية والقانونية والاقتصادية والتاريخية، ولكن يتوجب على أي نموذج تتم صياغته لإرساء الحوكمة للقطاع الحكومي أن يتضمن ثلاثة عناصر أساسية هي السياسات والمؤسسات والأدوات، وذلك ضمن إطار شامل للإصلاح الاقتصادي والمالي.
 
 تجربة إمارة دبي للأداء الحكومي المتميز
 
من جهته استعرض المنسق العام لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميز د. أحمد النصيرات التجربة الخليجية (تجربة إمارة دبي للأداء الحكومي المتميز) الذي أكد أنها تتم من خلال برامج تدريبية تخصصية، لتأهيل موظفي الجهات الحكومية، تتضمن 3 دورات في مجال التميز الحكومي.
الدورة الأولى هي دورة مفاهيم ومعايير التميز وتهدف إلى تعزيز الوعي لدى المشاركين ونشر الوعي لمفاهيم ومبادئ وأسس ونموذج ومعايير التميز المؤسسي وفق متطلبات برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز.
والدورة الثانية هي دورة مقيم داخلي للتميز الحكومي وتهدف إلى تمكين المشاركين من تنفيذ سلسلة من عمليات المراجعة المنتظمة والمخططة للممارسات والعمليات والنتائج مقارنة بمتطلبات معايير برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز ويشمل ذلك إعداد وتطبيق خطة متكاملة للتطوير والتحسين بناءً على نتائج المراجعة ومخرجات التقييم.
والدورة الثالثة هي دورة قادة التميز وتهدف إلى شرح للمفاهيم والمعايير وآلية التقييم مع توضيح لدور القادة في كل مرحلة من مراحل التقييم وتطبيق معايير التميز في الجهات الحكومية.