تُزيّن المسجد النبوي الشريف مآذن يشاهدها قاصدوه من جميع جهات المدينة المنورة، مع إضاءات ليلية بارزة تعكس حجم الاهتمام والعناية بالمسجد وعمارته. فمآذن المسجد النبوي العشر تُعد معلماً معمارياً إسلامياً حضارياً طرأ على تصميمها على مر العصور كثير من التحسينات والزيادات في أعداد المآذن حتى أصبحت بهذا الشكل الجمالي البديع، حيث تُعد المآذن شكلاً من أشكال الفن المعماري الإسلامي وجزءاً يتناغم مع مكونات المسجد النبوي وتقسيماته المعمارية.
وقد عُرفت بداية المآذن في المسجد النبوي في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما كان بلال بن رباح -رضي الله عنه- يؤذن للصلاة من على سطح أقرب بيت للمسجد، وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي أمر واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز 88 - 91 هـ بعمل زيادة كبرى للمسجد النبوي، وفي هذه الزيادة أنشأ أربع مآذن على كل ركن من أركان المسجد مئذنة، وكانت هذه المآذن هي أول مآذن المسجد النبوي.
ومرّ المسجد النبوي بعدة تحسينات على مر التاريخ، لكنه في عهد الدولة السعودية شهد توسعات ضخمة على مختلف الصُعد، ليستقطب أعداد المصلين الذين باتت تتزايد أعدادهم عامًا بعد عام، إذ أجرى الملك عبد العزيز (يرحمه الله) ما بين أعوام 1370 - 1375هـ تحسينات أولى، أبقى خلالها على مئذنتي الجهة الجنوبية للمسجد النبوي، وأزيلت الثلاث الأخريات، حيث شيّد الملك عبدالعزيز عوضاً عنها مئذنتين جديدتين في ركني الجهة الشمالية، يبلغ ارتفاع الواحدة منهما سبعين متراً، وتتكون كل مئذنة من أربعة طوابق، الأول مربع الشكل يستمر أعلى سطح المسجد وينتهي بمقرنصات تحمل شرفة مربعة، والثاني مثمن الشكل زين بعقود وتنتهي بشكل مثلثات، وفي أعلاه مقرنصات تعلوها شرفة، والثالث مستدير حُلي بدالات ملونة وينتهي بمقرنصات تحمل في أعلاها شرفة دائرية، والرابع مستدير أيضاً له أعمدة تحمل عقوداً تنتهي بمثلثات في أعلاها مقرنصات وفوقها شرفة.
واستمرت توسعات المسجد النبوي خلال الأعوام من 1406هـ إلى 1414هـ، وأضيفت ست مآذن أخرى على ارتفاع 104 أمتار لتصبح عشر مآذن، وصممت بحيث تتناسق مع مآذن التوسعة السعودية الأولى، وتصطف أربع منها في الجهة الشمالية والخامسة عند الزاوية الجنوبية الشرقية من مبنى التوسعة والسادسة في الزاوية الجنوبية الغربية منها أيضًا. وتتكون كل مئذنة من خمسة طوابق، الأول مربع الشكل، والثاني مثمن الشكل قطره 5.50م، مغطى بالحجر الصناعي الملون وعلى كل ضلع ثلاثة أعمدة من المرمر الأبيض فوقها عقود تنتهي بشكل مثلثات وبين الأعمدة نوافذ خشبية تنتهي بمقرنصات تحمل شرفة مثمنة، والثالث مستدير قطره 5 أمتار وارتفاعه 18متراً، صُبغ بلون رصاصي داكن، وحلي بدالات بارزة مموجة شكلت اثنتي عشرة حزاماً ينتهي بمقرنصات تحمل شرفة مستديرة، والرابع دائري الشكل قطره 4.50 م، وارتفاعه 15 متراً عليه ثمانية أقواس تستند إلى أعمدة رخامية بيضاء، تعلوه مقرنصات تحمل شرفة دائرية، والخامس يبدأ بشكل أسطواني مضلع، وينتهي بتاج مشرشف يحمل الجزء العلوي المخروطي الشكل، يتلوه قبة بصلية تحمل هلالاً برونزياً ارتفاعه 6.70 أمتار، ووزنه 4.5 أطنان مطلي بذهب عياره 14 قيراطاً.
وتواصلت التوسعات السعودية، إذ شهدت المدينة المنورة أواخر عام 1434هـ، أكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف، إذ ارتفعت طاقته الاستيعابية لتصل إلى مليوني مصلٍ مع نهاية أعمال المشروع، ويعد هذا المشروع الأكبر في تاريخ المسجد النبوي الشريف، والحدث الإسلامي الأبرز في مختلف أنحاء المعمورة. وتواصلت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مسيرة العطاء في خدمة الحرمين الشريفين، إذ أكد أهمية الحرص على متابعة العمل في مشروع التوسعة الكبرى للمسجد النبوي والمشروعات المرتبطة بها، التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزوارها بمتابعة من سمو ولي العهد، وإشراف مباشر من سمو أمير منطقة المدينة المنورة.