يُعتبر الشيخ محمد متولي الشعراوي من أبرز مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، حيث امتاز بأسلوبه البسيط والعميق في إيصال المعاني القرآنية إلى عامة الناس.
الشيخ محمد متولي الشعراوي (1911- 1998) كان أحد أبرز علماء الدين والدعاة الإسلاميين في القرن العشرين، واشتهر بأسلوبه البسيط والعميق في تفسير القرآن الكريم، مما جعله محبوبًا بين عامة الناس.
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي :خواطري حول القرآن لا تعني تفسيراً للقرآن .. وإنما هي هبات صفائية .. تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات .. ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر .. لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره .. لأن عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه علم وعمل .. وله ظهرت معجزاته .
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اكتفى أن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم وهى افعل ولا تفعل .. تلك الأحكام التي يثاب عليها الإنسان إن فعلها ويعاقب إن تركها .. هذه هي أسس العبادة لله سبحانه وتعالى التي أنزلها في القرآن الكريم كمنهج لحياة البشر على الأرض ..
ويواصل بقوله: أما الأسرار المكتنزة في القرآن حول الوجود، فقد اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما علم منها .. لأنها بمقياس العقل في هذا الوقت لم تكن العقول تستطيع أن تتقبلها ، وكان طرح هذه الموضوعات سيثير جدلا يفسد قضية الدين، ويجعل الناس ينصرفون عن فهم منهج الله في العبادة إلى جدل حول قضايا لن يصلوا فيها إلى شيء والقرآن لم يأت ليعلمنا أسرار الكون، ولكنه جاء بأحكام التكليف واضحة وأسرار الوجود مكتنزة .. حتى تتقدم الحضارات ويتسع فهم العقل البشري .
فيكشف الله سبحانه وتعالى من أسرار الكون ما يجعلنا أكثر فهماً لعطاءات القرآن لأسرار الوجود، فكلما تقدم الزمن وكشف الله للإنسان عن سر جديد في الكون ظهر إعجاز في القرآن .. لأن الله سبحانه وتعالى قد أشار الى هذه الآيات الكونية في كتابه العزيز .. وقد تكون الإشارة إلى آية واحدة أو بضع آيات .. ولكن هذه الآية أو الآيات تعطينا إعجازاً لا يستطيع العلم أن يصل إلى دقته.
تحدث عن آية الكرسي وفضلها العظيم موضحًا معانيها الروحية وأثرها في العقيدة الإسلامية
تناول قضية الربا مبيّنًا مخاطرها على الأفراد والمجتمعات ومقارنًا بينها وبين الصدقة
الجزء الثالث
تناول الشيخ محمد متولي الشعراوي، في خواطره التفسيرية حول الجزء الثالث من القرآن الكريم، العديد من القضايا الإيمانية والتشريعية بأسلوبه البسيط والعميق، الذي يمزج بين اللغة السهلة والتفسير الروحي العميق. ومن أبرز ما ركّز عليه في تفسيره لهذا الجزء
حيث تحدث عن آية الكرسي وفضلها العظيم، موضحًا معانيها الروحية وأثرها في العقيدة الإسلامية.
شرح آيات الإنفاق، وأهمية الصدقة، وربط ذلك بحقيقة الإيمان والتوكل على الله.
كما تناول قضية الربا، مبيّنًا مخاطره على الأفراد والمجتمعات، ومقارنًا بينه وبين الصدقة.
و تطرق إلى آيات الدين والكتابة والتوثيق، موضحًا الحكمة التشريعية منها.
آل عمران:
ركز على قضية التوحيد، وبيان منزلة القرآن الكريم ككتاب سماوي مصدّق لما قبله.
كما تحدث عن الفتنة في الدين وأهل الكتاب، موضحًا أساليب الجدل في القرآن مع النصارى واليهود.
و تناول مفهوم الابتلاء والثبات على الحق، ووضح كيف يختبر الله عباده بالإيمان والعمل الصالح.
في مجمل خواطره، كان الشعراوي دائمًا يربط بين الآيات وحياتنا اليومية، مشددًا على أن القرآن ليس مجرد كتاب نظري، بل منهج عملي يُصلح حياة الإنسان في كل زمان ومكان.
كونيات الحياة
ونظرة واحدة فيما قال الله سبحانه وتعالى في كونيات الحياة التي أتيحت للعقل البشرى في القرن العشرين .. نجد أن القرآن الكريم يشير إليها لأن العمر في الرسالة القرآنية إلى قيام الساعة .. ومادام إلى أن تقوم الساعة .. يظل القرآن معجزة حتى قيام الساعة ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)
أي أن القرآن له عطاءان في الإعجاز .. العطاء الأول آيات في الآفاق ، وهذه هي الآيات الكونية. والعطاء الثاني “آيات في انفسهم” وهذه هي الآيات التي تتعلق بأسرار الجسد البشري..وقول الحق “ حتى يتبين لهم انه الحق” أي أن القرآن هو الحق ولذلك يمكن أن تقول ان آيات الكون ستأتي موافقة لآيات القرآن الكريم ..أي أن الله سبحانه وتعالى وضع في القرآن الكريم من آيات الكون واسراره وعن الجسد البشرى وتكوينه آيات يمكن أن يعطيها المؤمنين وغير المؤمنين..
ولقد أعطى الله تبارك وتعالى من آيات الكون المؤمنين .. فبرع المسلمون الأوائل فى العلوم .. مثل جابر بن حيان الذى وضع أساس علم الكيمياء ..وابن سيناء الذى وضع أساس علم الطب والفلك والرياضيات..وابن النفيس الذى اكتشف الدورة الدموية ووصفها وصفاً علمياً دقيقاً ..وابن الهيثم الذى برع في الرياضيات والطبيعيات والطب وكان أول من شرح تركيب العين وكيف تعمل وأبو القاسم الذى نبغ في العمليات الجراحية وغيرها.
ثم أعطى الله سبحانه وتعالى من آيات الكون غير المؤمنين بما تشهده الآن من نهضة علمية في دول الغرب ..وذلك يفسر قوله تبارك وتعالى : “ حتى يتبن لهم أنه الحق” أي أن آيات الكون .. ستجعل المنكرين للقرآن الكريم يعترفون أنه الحق .. ذلك أن المؤمن يعرف أن القرآن هو الحق .. ولكن المنكر للإسلام يكشف الله له آية في أمر معجز .. يبين له أن هذا الدين حق . ولقد حدث أخيراً في مؤتمرات الإعجاز العلمى للقرآن الكريم أن أعلن عدد من العلماء اعتناقهم للدين الإسلامي.
وإذا أردنا أن نعرف شيئاً عن معجزة القرآن فانظر ماذا قال عن الكون وكروية الأرض ودورانها حول نفسها .. وما يحدث في أعماق البحار وغير ذلك مما لا يكتشف إلا في القرن العشرين ..وإذا أردنا أن نعرف الإعجاز فى القرآن فى قوله “وفى انفسهم” فلننظر إلى مراحل تكوين الجنين ومراكز الأعصاب فى الجسد البشرى وتكوين الأذن والعين وغير ذلك من إعجاز لا يمكن أن يتحدث عنه بهذه الدقة الا خالقه .. وهذا ما شهدوا به علماء نبغوا فى علومهم بينما هم منكرون للإسلام وللقرآن! وهذه الحقائق العلمية التي أشار اليها القرآن لا يستطيع أحد أن ينكرها الآن لأنها أصبحت ثابتة الوجود.
والقرآن حين يتحدى فإنه لا يمكن أن يأتي بمعجزة لا يعرف عنها الخلق شيئا فأنت لا تتحدى كسيحاً في سرعة المشي .. ولا شيخاً كبيراً ضعيفاً في حمل الأثقال .. ولكنك إذا تحديت فلا بد أن تتحدى مجموعة من الناس فيما نبغوا فيه ولذلك إذا قلنا أن القرآن جاء يتحدى العرب في إعجاز الأسلوب واللغة ..فهذه شهادة للعرب أنهم نبغوا في دنيا الكلمة. وهنا عندما يغلبهم القرآن ويعجزهم يكون هذا هو التحدي ..تحد فيما نبغوا فيه وتفوقوا فيه ..ولذلك كان لا بد أن يكون العرب عندهم نبوغ فطري في الكلمة .. ويكون الأداء الجيد المميز للكلمة مألوفاً لديهم شعراً ونثراً وخطابة .
وحين جاء القرآن الكريم يتحدى غير العرب .. تحداهم فى آيات الكون والخلق ولذلك نجد مثلا قول الحق سبحانه وتعالى عن أصحاب النار
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً(56) سورة النساء
هذه الآية الكريمة عندما نزلت فهمت بأنه كلما احترقت الجلود تجددت ، وعندما توصل العلم الحديث إلى أن مراكز الأعصاب موجودة تحت الجلد بحيث أنه إذا احترق الجلد ضاع الإحساس بالألم ، كانت هذه معجزة جديدة للدنيا في عصرنا .. يريد بعض الناس أن يتخذ العلم إلهاً من دون الله . وهكذا كان الإعجاز المتجدد الذى يجعل القرآن معجزة خالدة .. وهذا دليل جديد على أن القرآن من عند الله وأنه كلام الله .
نأتي بعد ذلك إلى معجزة أخرى في اختيار رسول الله عليه الصلاة والسلام وإعداده للرسالة .. أننا إذا تتبعنا حياة رسول الله صلى الله عليه نجد أن الله تبارك وتعالى اختاره أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ومع ذلك أجرى عليه معجزات كلها تنطق بصدق رسالته صلى الله عليه وسلم .. أولها أنه لم يشتهر عليه الصلاة والسلام أنه نبغ فى شعر أو نثر مثل قس بن ساعدة واكثم بن صيفي. ومن هنا كان حظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاغة حظاً عادياً دون نبوغ
ومع ذلك فقد جاءت رسالته عليه الصلاة والسلام تتحدى قومه فى البلاغة وفى اللغة . ولو أنه صلى الله عليه وسلم كان مشهوراً بالشعر أو النثر أو الخطابة لقالوا أن القرآن عبقرية ادائية لمواهب كانت موجودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الصغر .. ومواهب الناس عادة كانت تظهر قبل سن العشرين أو الثلاثين إذا كانت المواهب متأخرة، ولكنها لا تظهر فجأة على الإنسان في سن الأربعين، ولا توجد عبقرية تتأخر أبداً حتى الأربعين .. ولكن الناس فوجئوا بأن محمداً عليه الصلاة والسلام الذى ما خطب ولا كتب وما قال شعراً يأتي بقرآن يعجز عنه أشهر البلغاء ..وأكثرهم موهبة في فن الكلام .. من أين أتى بهذا الكلام المعجز الذى تحدى به الإنس والجن وهو في هذه السن ؟!