الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد كتب الله القبول للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ولكتبه وفتاويه، وانتفع الناس بها، فرأينا أن نلقي مزيد من الضوء على بعض من هذه الفتاوى لينتفع بها القراء ويستزيدون من علم الشيخ العثيمين ، خاصة فيما يتعلق بالشهر الكريم .
 
 
 
كفارة الصيام 
 
 
قال جمع من العلماء أنه لا يلزم الصيام للمريض الذي يمرض مرضًا يرجى برؤه، وذلك بعد تحديد الطبيب ذلك، وينبغي عليه أن يفطر ثم يقضي فقط، ولكن إذا أخر القضاء حتى إذا دخل رمضان ثانٍ بدون عذر؛ فإنه في هذه الحالة يقضي، ثم يكفر كفارة تأخير القضاء، وتكون: مد عن كل يوم لمسكين، بينما إذا اتفق الطبيب على أن المريض لا يرجى برؤه؛ فإنه حينها يفطر، ويُكفر هذا المريض عن كل يوم أفطره مداً لمسكين، أي: ما يساوي 750 غرامًا من الأرز، أو غيره من الأطعمة التي يقتات بها، وذلك على حسب اختلاف الأعراف والعادات.
 
 
مقدار كفارة الصيام  
 
 
إذا كان المريض مريضًا مرضًا يرجى برؤه، وذلك على رأي الأطباء؛ فإنه يجب عليه القضاء، ولا يكون له كفارة، بينما إذا كان المرض يقول الأطباء عنه أنه لا يرجى برؤه؛ فإنه يجزيه عن كل يوم إطعام مسكين نصف صاع من: الأرز، أو التمر، أو الحنطة… إلخ من قوت البلد؛ بمقدار كيلو ونصف تقريبًا، ولا يجوز إخراج النقود حينها، والواجب إخراج الطعام قبل أو بعد الصيام، ويكفي أن يدفع المريض ذلك إلى مسكين واحد أو أكثر.
 
 
 المريض بمرض مزمن
 
 
ينبغي على المريض بمرض مزمن القضاء إذا شفاه الله؛ فلقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185]، ولكن هذا إذا كان المرض يرجى برؤه، بينما إذا قرر الأطباء أن هذا المرض لا يرجى برؤه، ويشق الصيام عليه؛ فحينها يجب إطعام عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من الأرز، أو التمر، أو الحنطة، ثم يجمعهم ويعطيهم لبعض الفقراء، في مطلع الشهر، أو في وسطه، أو في آخره، والله تعالى أعلى وأعلم.
 
 
 < هل يجوز دفع كفارة الصيام نقدًا؟
 
 
- لا يجوز دفع النقود كفارة الإفطار في نهار شهر رمضان المبارك؛ لأن الله -عز وجل- نص بذلك، قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [سورة البقرة: 184]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “صاع من بر، صاع من شعير، صاع من تمر…إلخ الحديث” رواه البخاري، وإذا نص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإطعام؛ فإنه ينبغي علينا التقيد به، والجدير بالذكر أن النقود والدراهم كانت موجودة حينئذ وقت التشريع، ولقد نص الشارع على الطعام؛ فإذا كان يجوز دفع النقود؛ لبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلم للناس، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وكذلك يجوز نقل الصدقة من بلد إلى بلد قريب أشد حاجة.
 
 
< كيفية إخراج كفارة الإطعام عن الصيام؟
 
 
- نص العلماء أنه يجوز للمريض دفع كفارة الصيام عن الأيام من رمضان أو عن كلها مقدمًا في مطلع الشهر، أو في وسطه، أو في آخره، كما أنه يجوز أن يدفعها متفرقة، أو أن يدفعها دفعة واحدة، بالإضافة إلى أنه يجوز أن يدفعها لأقل من ثلاثين، أو أقل، حيث إنه لم يشترط عليه أن يدفعها لعدد محدد، بل لعدد من الفقراء والمساكين، والأمر في جمع المساكين على الطعام أن يصنع المريض طعامًا يكفي عن ثلاثين يومًا، أو عن عدد الأيام التي أفطرها، ولا يجوز أن يجمع المساكين للطعام، بل ينبغي تمليك المسكين لذلك الطعام إذا شاء أكله، أو إذا شاء باعه، أو يفعل بهما كما يحلو له؛ لذلك ينبغي إعطاء الطعام غير مطبوخ؛ لأن ذلك أنفع للمسكين من المطبوخ، ويفعل به ما يشاء عكس المطبوخ الذي لا ينتفع به إلا بالأكل.
 
 
< ما حكم الحقن الشرجية التي يحقن بها المريض وهو صائم؟
 
 
-   الحقن الشرجية التي يحقن بها المرضى في الدبر ضد الإمساك اختلف فيها أهل العلم.  فذهب بعضهم إلى أنها مفطرة، بناء على أن كل ما يصل إلى الجوف فهو مفطر.
وقال بعضهم: إنها ليست مفطرة وممن قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعلل ذلك بأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والذي أرى أن ينظر إلى رأي الأطباء في ذلك فإذا قالوا: إن هذا كالأكل والشرب وجب إلحاقه به وصار مفطراً، وإذا قالوا: إنه لا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل والشرب فإنه لا يكون مفطراً.  
 
 
< ما حكم استعمال التحاميل في نهار رمضان إذا كان الصائم مريضاً؟
 
 
 -  لا بأس أن يستعمل الصائم التحاميل التي تجعل في الدبر إذا كان مريضاً، لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرم علينا الأكل أو الشرب، فما كان قائماً مقام الأكل والشرب أعطي حكم الأكل والشرب، وما ليس كذلك فإنه لا يدخل في الأكل والشرب لفظاً ولا معنى، فلا يثبت له حكم الأكل والشرب، والله أعلم.  
 
 
< قطرة العين والأنف والاكتحال والقطرة في الأذن هل تفطر الصائم؟
 
 
  - قطرة الأنف إذا وصلت إلى المعدة فإنها تفطر، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حديث لقيط بن صبرة: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» فلا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، وأما ما لا يصل إلى ذلك من قطرة الأنف فإنها لا تفطر.
وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم، لأنها ليست منصوصاً عليها، ولا بمعنى المنصوص عليه، والعين ليست منفذاً للأكل والشرب، وكذلك الأذن فهي كغيرها من مسام الجسد، وقال أهل العلم: لو لطخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره ذلك، لأن ذلك ليس منفذاً، وعليه فإذا اكتحل، أو قطر في عينه، أو قطر في أذنه لا يفطر بذلك ولو وجد طعمه في حلقه، ومثل هذا لو تدهن بدهن للعلاج، أو لغير العلاج فإنه لا يضره، وكذلك لو كان عنده ضيق تنفس فاستعمل هذا الغاز الذي يبخ في الفم لأجل تسهيل التنفس عليه فإنه لا يفطر، لأن ذلك لا يصل إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً، والله أعلم.  
 
 
< بعض الناس مصاب بالربو ويحتاج إلى استعمال البخاخة أثناء صيامه فما حكم ذلك؟
 
 
 -  اختناق النفس المعروف بالربو يصيب بعض الناس، نسأل الله لنا ولهم العافية، فيستعمل دوائين، دواء يسمى (كبسولات) يستعملها فهذه تفطر، لأنه دواء ذو جرم يدخل إلى المعدة، ولا يستعمله الصائم في رمضان إلا في حالة الضرورة، وإذا استعمله في حال الضرورة فإنه يكون مفطراً يأكل ويشرب بقية يومه، ويقضي يوماً بدله، وإذا قدر أن هذا المرض مستمر دائماً معه فإنه يكون كالشيخ الكبير، عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا يجب عليه الصوم.
والنوع الثاني: من دواء الربو غاز ليس فيه إلا هواء يفتح مسام الشرايين حتى يتنفس بسهولة، فهذا لا يفطر ولا يفسد الصوم، وللصائم أن يستعمله وصومه صحيح.  
 
 
< الحقنة في العضل، أو الوريد أو الإبر المغذية هل تفسد الصوم المغذية؟
 
 
  - الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، جوابنا على هذا أن نقول: الصائم إذا احتقن بالإبر في وريده، أو في عضلاته فإن صومه لا يفسد بذلك، لأن هذا ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، والله تبارك وتعالى يقول للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} فكل شيء يحتاج الناس إليه لاسيما في عباداتهم العظيمة كالصوم فإن الشرع لابد أن يبينه، ولم يأت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفظ عام يدل على أن الصائم يفطر بكل ما يدخل إلى جوفه من أي طريق، وإنما جاء بالفطر بالأكل والشرب، وعلى هذا فالإبر في العضلات، أو في العرق لا تفطر حتى لو أحس بطعمها في حلقه، وإنما قال كثير من أهل العلم بأن الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الطعام والشراب تفطر الصائم، لأنها بمعنى الأكل والشرب، وهي التي إذا استعملها المرء لم يحتج معها إلى الطعام والشراب، والشرع حكيم لا يفرق بين شيئين متماثلين بالمعنى، وعلى هذا إذا ركب للإنسان حقن مغذية تغنيه عن الطعام والشراب فإنه يكون بذلك كالأكل والشرب، ولا يصح له الصوم، والغالب أن مثل هذه الحقن لا يحتاج إليها إلا إنسان مريض يباح له الفطر، ولكننا نقول ذلك من أجل تبيين الحكم، على أنه لقائل أن يقول: إن هذه الحقن أيضاً لا تفطر، لأنه لا يحصل بها ما يحصل بالأكل والشرب من التلذذ والشهوة، والتغذية الكاملة وملء المعدة، ولهذا تجد الذي يتغذى بها يكون معه شوق كبير إلى الأكل والشرب، ويرى أنه لم يستغن بها عن الأكل والشرب، ولا ندري فلعل الشرع عندما منع الأكل والشرب للصائم لا لأنه يتغذى به فقط، بل لأنه يتغذى به وينال به شهوته، لكن يرد على هذا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الوضوء: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» ولهذا نرى أنه لا يستعمل مثل هذه الحقن وهو صائم إلا في حال مرض يبيح له الفطر، وحينئذ يفطر ويستعملها ويقضي الصوم الواجب، والله الموفق. 
 
 
< ما حكم استعمال الصائم لإبر البنسلين التي ضد الحمى؟
 
 
 -  استعمال إبر البنسلين التي ضد الحمى جائز للصائم، لأنها لا تفطر، إذ هي ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما.  
< سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله تعالى -: عن حكم استعمال الصائم مرهماً لإزالة الجفاف عن الشفتين؟
 
 
 -  لا بأس أن يستعمل الإنسان ما يندي الشفتين والأنف من مرهم، أو يبله بالماء، أو بخرقة أو شبه ذلك، ولكن يحترز من أن يصل شيء إلى جوفه من هذا الذي أزال فيه الخشونة، وإذا وصل شيء من غير قصد فلا شيء عليه، كما لو تمضمض فوصل الماء إلى جوفه بلا قصد فإنه لا يفطر بهذا.  
 
 
< هل يبطل الصوم باستعمال دواء الغرغرة؟
 
 
-   لا يبطل الصوم إذا لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة ولا تفطر به إذا لم يدخل جوفك شيء منه.