ناقش أ.د خالد بن عثمان السبت وقفات مع شهر رمضان المبارك، حيث ركز في حديثه عن الفرص التي أعدها الله للمغفرة لعبادة، مشيراً إلى أن الله سبحانه وتعالى جعل لنا في مواسم الخير فرصًا لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات،: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي كان أحرص الناس على طاعة الله، وأرشد أمته إلى كل خير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
يقول: إننا في هذا الشهر الكريم نقف على أبواب رحمة الله الواسعة، شهر المغفرة والتوبة، شهر يتجدد فيه الإيمان، وتسمو فيه النفوس إلى معالي الأمور. لقد جعله الله فرصةً عظيمة لمن أراد أن يتزود من الطاعات، ويتقرب إلى الله بالصيام والقيام، فقد قال النبي &o5018;: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” [متفق عليه].
لنغتنم هذه الأيام المباركة، ولنحرص على تحقيق الغاية من الصيام، التي ليست مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هي تقوى الله، كما قال - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا &<757; يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70 - 71].
فنحمد الله - تبارك، وتعالى - الذي بلغنا، وإياكم شهر الصيام، كما نشكره، ونكبره - جل جلاله، وتقدست أسماؤه - على ما هدانا، وحبانا، وأولانا، ووفقنا في هذا الشهر الكريم وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة: 185] هدى هداية الإرشاد، والتعليم في هذا الشهر الكريم لأحكام الصيام، وما يتصل بذلك، وهدى هداية التوفيق لمن شاء من عباده فوفقهم للاستجابة، وللصيام، وللقيام، ولتحقيق ما أمر به، وشرعه في هذا الشهر الكريم.
فهذه خمس وقفات ينبغي أن تكون ذكرى لنا جميعاً في بداية شهرنا هذا، وهي تذكرة لي، ولإخواني، أسأل الله - تبارك، وتعالى - أن ينفع بها، وأن يعيننا، وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.
 

- يحرر نفوسنا من أسر العادات التي تأسرنا فلا يستطيع الإنسان الفكاك والخلاص منها
- كيف تحول إلى موسم للتسوق وتكديس الأطعمة وكأن البيوت خاوية من الطعام والشراب!
- الموفق من عرف حقيقة الصوم وأقبل على القرآن وما ينفعه ويرفعه عند الله 

 
 
شهر رمضان مستشفى يجد فيه كل مريض دواءه، فهذا يستشفي به من مرض البخل، والشح، وهذا يستشفي به من مرض البِطنة، وهذا يستشفي به من مرض الغفلة، وهذا يستشفي به من مرض قسوة القلب، وصلابته، وصدئه؛ ولهذا كان هذا الشهر متنقلاً تارة في الشتاء، وتارة في الصيف، وتارة في وقت الاعتدال؛ ليحصل الترويض لهذه النفوس بجميع هذه المواسم، والفصول، فإن من النفوس ما لا يحصل لها الترويض إلا بهذا، ومنها ما لا يحصل لها الترويض إلا بذاك، فكان دائراً لا يتفق مع أهواء الناس، وشهواتهم، ومطلوبات نفوسهم، فتارة في الشتاء، وتارة في الصيف، وتارة في غيرهما، وهكذا.
فهذا الصوم إذا كان على الطريق التي شرعها الله وأرادها فإنه يحرر نفوسنا من أسر العادات التي تأسرنا أسراً، فلا يستطيع الإنسان الفكاك، والخلاص منها، فهذا يعتقنا من ذلك فيكون العبد حرًّا لربه، ومولاه، لا تؤسر نفسه، ولا تنقاد، ولا يكون له نوع عبودية لغير ربه، وفاطره، وخالقه، هذه العبودية قد تكون للبطن، وقد تكون للفرج، وقد تكون للسان، وقد تكون للمال، وقد تكون لغير ذلك.
ولهذا قال الله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم: 59] ما قال: وعافسوا الشهوات، إنما قال: “اتبعوا” فهذه الشهوات تكون معبودة لصاحبها أحياناً يتبعها، وينقاد لها، ويقدمها على محابِّ الله - جل جلاله، وتقدست أسماؤه - فبهذا الصوم نتحرر من رق الشهوات، وأسر العادات فتحصل بذلك الحرية الحقيقية التي ينبغي أن يطلبها الجميع، وهي الحرية من أسر الشيطان، وأسر الشهوات بجميع صورها، وأشكالها؛ لتكون العبودية لله وحده دون ما سواه.
وهكذا أمور كثيرة تجمعها التقوى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]، ولهذا ينبغي علينا أن نراعي هذا من أول شهرنا هل هذا الصوم، وهذه الحال في مثل هذه الأيام تربي التقوى في نفوسنا، أو لا؟ فإن كان ذلك لا يحصل، ولا يتحقق في حالنا التي نحن عليها الآن فينبغي أن نراجع، وأن نعيد النظر من أجل أن نصوم صوماً على الوجه الذي يرضيه عنا - تبارك، وتعالى -.
هذا معنى كبير يحتاج الإنسان أن يراجعه، وأن يتأمله، وأن ينظر فيه مع نفسه في خاصته.
والله - تبارك، وتعالى - يقول: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة: 14] الإنسان أعلم بنفسه، وواقعه، وخلجات نفسه، وأعماله، ومزاولاته.
 أخرجه أحمد في المسند، برقم (9225)، وقال محققوه: “حديث صحيح، وهذا إسناد حسن”، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (3881).
 أخرجه النسائي، كتاب الصيام، ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، برقم (2230)، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في فضل الصيام، برقم (1639)، وأحمد في المسند، برقم (16278)، وقال محققوه: “إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن صحابيه لم يخرج له سوى مسلم”، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3879).
 أخرجه النسائي، كتاب الصيام، ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، برقم (2233)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (6438).
- قالها الدارمي -رحمه الله- مفسراً لرواية: الصوم جنة مالم يخرقها فقال: قال أبو محمد: “يعني بالغيبة” انظر سنن الدارمي، برقم (1773)، وعزاها الحافظ ابن حجر للدارمي -رحمهما الله- فقال: “زاد الدارمي بالغيبة”، فتح الباري لابن حجر (4/ 104)، وليس كما قال، وإنما قالها مفسراً كما تقدم.
 أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم، برقم (1904)، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، برقم (1151).
 أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، برقم (1894)، ومسلم، كتاب الصيام، باب حفظ اللسان للصائم، برقم (1151).
 عزاها الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/ 104)، لسعيد بن منصور.
 انظر: ربيع الأبرار (2/225)، والدر الفريد وبيت القصيد (9/58)، وتفسير ابن رجب الحنبلي (2/235).
 أخرجه الطبراني في الأوسط، برقم (3622)، وقال عقبه: “لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلا عبد المجيد، تفرد به عبد الله بن عمر الخطابي، ولا يُروى عن أنس إلا بهذا الإسناد” والصغير، برقم (472)، وعبد الرزاق في المصنف، برقم (7455).
 أخرجه ابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، برقم (1690)، والنسائي في الكبرى، برقم (3236)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3488).
الوقفة الرابعة: ما هي حالنا، وواقعنا في رمضان؟
للأسف رمضان موسم كبير، ولكن موسم لماذا؟ إذا نظرنا بنظرة عابرة لو جاء أحد من مجتمع آخر، ونظر إلى واقع المسلمين في رمضان شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: 185] هذا شهر الصيام، والقيام، والقرآن فقط، والإحسان، والبذل، والجود، وأنواع المعروف، والبر، والتقوى، هذا شهر التقوى، ما هو واقعنا في رمضان؟ هو موسم تزدهر فيه، وتزدان الأسواق بجميع أنواعها حتى قطع غيار السيارات، موسم في كل شيء، تكثر الأطعمة، والدعايات للأطعمة، والعروض، والتخفيضات المزعومة في الطعام، والشراب، والأثاث، واللباس، والآنية، وغير ذلك.
فهل هذا هو المقصود؟ وما علاقة هذا بالصوم؟ إني لأعجب حينما أرى في لوحة كبيرة دعائية في أرجاء البلاد من طولها إلى عرضها صورة مائدة، وتربط هذه المائدة برمضان! ما علاقة رمضان بالدعاية للموائد، والأطعمة؟!.
هذا شهر الصوم مقتضى ما شُرع له الصوم أن تكون الأسواق بحال من الضمور، والكساد، فيقل مرتادوها؛ لأنهم يتقللون من الطعام، والشراب، ويشتغلون بالصيام، والقيام، وقراءة القرآن، فليس لديهم أوقات يذهبون بها إلى الأسواق، فلا يصح أن تنعكس القضية، ويتحول رمضان إلى موسم للتسوق، وتكديس الأطعمة، وكأن البيوت خاوية من الطعام، والشراب، عكس مقصود الشارع تماماً، تجويع البطون؛ من أجل أن تشبع الجوارح فلا تمتد إلى الحرام تعكس القضية، ويتحول إلى شهر الموائد إلى شهر التخمة، هذا لا يمكن أن يتحقق معه مقصود الشارع، وأما البرامج الرمضانية، والقنوات - وما أدراك ما البرامج، والقنوات - فحدث، ولا حرج، والذي يظهر - والله تعالى أعلم - مع طول التأمل، والتعجب من حال هؤلاء، وشأن هؤلاء في رمضان أن الشياطين المردة لما صُفدت، وكلت المهمة إلى هؤلاء المردة من الإنس، فقاموا بالمهمة على أتم الوجوه، وأكملها، فصاروا يعدون البرامج الرمضانية الهابطة التي تصادر معاني التقوى، والفضيلة، والإيمان في نفوس المجتمع، في نفوس الناس، في نفوس المسلمين، فيستعدون قبل رمضان بمدة طويلة، وينفقون الأموال الطائلة من أجل إشغال الناس، وصرف الناس عما قصده الشارع، وأراده لهم، برامج رمضانية، وللأسف صار كثير من الخيرين، ولست أنتقد ذلك، ولكن اضطروا لهذا اضطرارًا لنقل الناس من شر الشرين إلى أدناه، فيرتكبون أخف، وأدنى الضررين؛ ليصرفوا الكثيرين عن هؤلاء الشياطين، أو عن أن يتحولوا إلى بعض الممارسات، والأفعال التي يزاولها الشياطين، ولربما أقاموا لهم الملاعب في رمضان، وأناروها، واستعدوا لذلك؛ ليشغلوا هؤلاء عما هو شر من هذا؛ لأن هؤلاء لا ينتقل كثير منهم إلى البر، والمعروف، والطاعة، والاشتغال بكلام الله u وما ينفع، فيشغلونهم بهذا اللهو المباح في ليالي هذا الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن.
وعمد آخرون إلى أشياء أخرى من المسابقات، والفوازير، ووضعوا على ذلك ألوان الجوائز؛ من أجل أن يشغلوا هؤلاء الناس عن أولئك الشياطين المردة الذين يتخطفونهم.
ولكن الموفق من عرف حقيقة الصوم، وأقبل على القرآن، وما ينفعه، ويرفعه عند الله - تبارك، وتعالى - لو نظرنا إلى حالنا في هذا الشهر الكريم فإن بعضنا قد لا يزداد في هذا الشهر من العبادة، والطاعة فلا ترى من بعضنا مزيداً من الإقبال على المساجد، والتبكير إلى الصلوات مثلاً، أو قراءة القرآن، ولربما ازداد النوم في هذا الشهر الكريم، وازداد السهر في لياليه على أمور لا طائل تحتها، وازدادت الغفلة، واللهو بجميع صنوفها، وأشكالها، هذه حال الكثيرين منا في رمضان، وقارن هذا مع حال السلف y.
كان عثمان بن عفان t يختم القرآن كل يوم مرة[1] وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث في الصلاة، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر في الصلاة، فكانوا يقرءون في خارج الصلاة أكثر من ذلك.
فهذا الشافعي - رحمه الله - كان له في رمضان ستون ختمة[2] يقرؤها في غير الصلاة.
وكان الأسود النخعي يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان[3].
وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة[4].
النبي &o5018; أخبر أنه لا يفقه القرآن من قرأ في أقل من ثلاث[5] ليس الكلام هنا أن الدعوة موجهة إلى قراءة القرآن في كل ليلة، إنما كان هؤلاء السلف y يرون أن قول النبي &o5018; ليس على سبيل المنع الأكيد، والتحريم، فكانوا يشمرون في رمضان ليكثروا، فيرون أنها حالة استثنائية، موسم للتكثر من القراءة، وطلب الأجور، والحسنات. 
كان الإمام محمد بن شهاب الزهري إذا دخل رمضان قال: “فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام”[6] وابن شهاب الزهري أول من جمع الحديث[7] توفى سنة مائة، وأربع، وعشرين للهجرة, كان يفر من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
ونحن نقبل على ماذا؟ ربما يتردد الإنسان حينما يقول: اقرأ، اجعل لك ورداً من القرآن، واقرأ في التفسير من أجل أن تتعقل المعاني، فيقع في نفس الإنسان أحياناً بعض الحرج، يقول: هذا التفسير يكون شاغلاً لهم عن قراءة القرآن، فهلا كان قبل رمضان، لكن إذا نظرنا إلى واقعنا كم نقرأ من القرآن؟ اليوم، والليلة يبلغ أربعًا، وعشرين ساعة، فكم يقرأ الإنسان؟ هؤلاء الذين يسألون دائماً هل أراجع الحفظ، أو أحفظ، أو أقرأ، أو أتدبر، أو أسرع؟   
نقول لهم: وردك من القرآن كم يبلغ؟ ثلاث ساعات، أربع ساعات، ساعة، خمس ساعات، فأين يذهب الباقي؟ أين العشرون ساعة؟
الحديث الآن الإشكال، والمفاضلة هل أتدبر، أو أسرع في القراءة؟ هل أراجع الحفظ، أو أحفظ الجديد، أو أتلو؟ فالباقي أين يذهب؟ هذا السؤال يمكن أن يرد من إنسان قد استغرق ساعات اليوم، والليلة في التلاوة، فيرد منه مثل هذا السؤال، أما إذا كانت القسمة ثلاثية، أو رباعية، أو خماسية، أو سداسية، وهناك أشياء أخرى نوم طويل، وأكل كثير، وزيارات، وما أشبه ذلك، فنقول هنا: فالتفسير، والحفظ، والمراجعة مع التلاوة مع ورد من التدبر، يمكن أن تقرأ قراءة مترسلة ختمة في الشهر للتدبر، ويمكن أن تقرأ في كل ثلاثة أيام ختمة تلاوة بأوقات، وساعات طويلة في اليوم، والليلة. 
وبعض أهل العلم كانت له ختمة بكل جمعة، وختمة في كل شهر، وختمة في كل سنة، يقول: ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد[8] فهذه ألوان من التدبر، فيمكن أن نقرأ ختمة بعد ختمة، وتكون لنا ختمة واحدة في التدبر في سائر الشهر.
سفيان الثوري - رحمه الله - كان إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن[9] ترك جميع العبادات، وهنا تأتي المفاضلات بعض الناس يقول: أنا أشتغل بالعلم، والفقه، هذا جيد لكن من وفق لقراءة القرآن فهذا أجود، فالناس في هذه الدنيا مراتب، وهم في درجات، وكذلك هم درجات عند الله، فمن استغرق أوقاته في القرآن، ومع القرآن، وفي تدبره فهذا أكمل، وأفضل، ويأتي بعد ذلك من اشتغل بالعلوم المقاصدية من الحديث، والتوحيد، والفقه، والتفسير، ويأتي بعد ذلك، ودونه من اشتغل بعلوم الآلة كالأصول، وعلوم الحديث، والنحو، وما شابه ذلك.
ويأتي بعد ذلك من اشتغل بعلوم نافعةٍ أخرى، وقل مثل ذلك فيمن يكتب، أو يتصفح في الإنترنت، ويقرأ في الواردات، والشاردات، والمنتديات، وما إلى ذلك.
هذا دون أولئك، ولكنه خير ممن يتصفح المواقع الإباحية، أو مواقع الإلحاد، والزندقة، والتشكيك.
والذي يشتغل بالأمور المباحة خير من ذلك الذي ذهب يتجول في الأسواق، ويتتبع عورات المسلمين، فكما أن الجنة على مراتب، والنار على دركات فكذلك أعمال الناس في هذه الحياة الدنيا، فينبغي على العبد أن ينظر في درجته، ومرتبته فإن الجزاء من جنس العمل.
في هذا الشهر وقت طويل، وفسحة للعبادة، والتشمير، فيه سبعمائة، وعشرون ساعة، والساعة يمكن أن يقرأ بها ثلاثة أجزاء من القرآن قراءة معتدلة، فذلك يكافئ ألفين، ومائة، وستين جزءاً من القرآن، والقرآن كما هو معلوم ثلاثون جزءًا.
فذلك اثنتان، وسبعون ختمة، يعني ما تسعه ساعات، وأيام هذا الشهر بكاملها.
فلو قرأ الإنسان في نصف ساعات اليوم، فيكون له بذلك ست، وثلاثون ختمة.
لو قرأ فقط في ثلث ساعات اليوم - في ثماني ساعات - يكون له أربع، وعشرون ختمة.
ولو قرأ في ربع ساعات اليوم فإنه يكون له بذلك ثماني عشرة ختمة.
فحدد من البداية ماذا تريد أن تكون آخر الشهر، ولا تترك الأمور هكذا مبهمة، فتكون النتائج غير مرضية في النهاية، حدد ماذا تريد.
هذه أرقام حسابية، اجعل لك حدًّا لا تنقص عنه.
وهكذا في هذا الشهر في العشر الأواخر منه ليلة القدر، وبعض أهل العلم يقول: إن ليلة القدر دائرة في هذا الشهر، وفي لياليه من أول الشهر إلى آخره[10] وهذا القول، وإن كان مرجوحاً فقد قال به بعض الأئمة.
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3] والشهر ثلاثون يوماً فذلك يبلغ ثلاثين ألف يوم، فإذا قسمناها على أيام السنة ثلاثمائة، وأربعة، وخمسين يوماً في السنة فإن ذلك يعني أن ليلة القدر تكافئ، وتعادل أربعاً، وثمانين سنة، وزيادة.
وهي ليلة واحدة!.
فلو صام الإنسان خمسين رمضان في العمر فهذا يعني إذا أدرك ليلة القدر يعني أربعة آلاف، ومائتين، وسبع، وثلاثين سنة، وكسوراً، هذا من أدرك خمسين رمضان.وقد قال بعض أهل العلم: لمّا كانت أعمار هذه الأمة قصيرة عوضها الله u بليلة القدر.
 انظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/ 485)، والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (24/ 167).
 حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/ 134)، وتاريخ دمشق، لابن عساكر (51/ 393).
 حلية الأولياء (2/ 103).
 المصدر السابق (2/ 339).
 أخرجه أبو داود، أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله، باب تحزيب القرآن، برقم (1394)، والدارمي في سننه، برقم (1534)، وقال الألباني: “إسناده صحيح على شرط الشيخين” في صحيح أبي داود، برقم (1260).
 لطائف المعارف لابن رجب (ص: 171).
 انظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي (1/ 94)، وشرح علل الترمذي (1/ 342).
 انظر: إحياء علوم الدين (1/ 282).
 لطائف المعارف لابن رجب (ص: 171).
 انظر: التمهيد لابن عبد البر (23/ 64)، وشرح النووي على مسلم (8/ 57)، وفتح الباري لابن حجر (4/ 263)، ونخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (11/ 216)، وفتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/ 542).
الوقفة الخامسة: هل أعددت خطة لاستقبال الشهر؟
ينبغي علينا أن نعزم، أن يكون رمضان هذا العام متميزاً في عباداتنا، في صومنا، طبيعة الصوم كما سبق، حقيقة الصوم في استغلال الأوقات، أن نجعل لنا ورداً لا ينقص، قراءة القرآن، هذه الصلاة التي نصليها هي صلاة قصيرة كما ترون يمكن للإنسان أن يشفع بركعة، ثم يصلي من الليل ما شاء.
وهكذا الصدقات، يحرص الإنسان عليها، ولا يسوِّف، يكثر من الصدقة، من البر، من المعروف، يتقلل من الطعام، والشراب، يتقلل، ويتخفف من الأشغال، والصوارف.
ولهذا ينبغي للإنسان أن يستعد قبل رمضان، فيشتري كل ما يحتاج إليه من أجل أن لا يحتاج إلى السوق، والاشتغال بمطالبه، وحاجاته، وهكذا.
فأسأل الله - تبارك، وتعالى - أن يتقبل منا، ومنكم الصيام، والقيام، وأن ينصر دينه، ويعز كلمته.
اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في سوريا، وفي كل أرض، اللهم انصرهم نصراً مؤزراً، اللهم اشفِ مرضاهم، وداوِ جرحاهم، وفك أسراهم، وارحم موتاهم.
اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم مجري السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اللهم اهزمهم، وانصرنا عليهم، اللهم اهزمهم، وانصرنا عليهم، اللهم اهزمهم، وانصرنا عليهم، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه أجمعين.