قال مؤسس وشريك مجموعة توازن للمحاماه والاستشارات القانونيةالمحامي خالد أبو رميه أن قانون الأسرة في بلادنا يشهد مراجعة شاملة لمواده من خلال مسودة جديدة تهدف إلى تحديث التشريع وتحقيق التوازن بين حقوق الزوجين ومصلحة الأسرة وضمان استقرار الأطفال في كنف الأب والأم ؛ إلا أن هذه المسودة رغم أهميتها شابها كثير من القصور الذي يتناقض مع أهدافها المعلنة ، فقد حملت بعض النصوص صياغات فضفاضة وأحكام غير منضبطة قد تفتح باب النزاع بدلاً من أن تغلقه ، وهو ما دفع عدداً من الباحثين والقانونيين والاستشاريين إلى دراسة هذه التعديلات بعمق وتقديم مقترحات عملية لإصلاحها بما يضمن حماية الأسرة وصيانة مصلحة الطفل.
وقدم أبو رميه سلسلة من التعديلات المقترحة على هذه المسودة قبل إقرارها بهدف تعزيز العدالة وحماية الأسرة من التفكك غير المبرر.
ففيما يخص الطلاق تضمنت المسودة نصوصاً تسمح لأي من الزوجين بطلب الفسخ في حالات الإضرار أو استحكام الشقاق ؛ ولكن الخبراء يقترحون تعديل هذا المقترح بحيث لا يُقضى بالطلاق إلا بعد إثبات الضرر الجسيم من خلال تحقيقات جدية لضمان حماية الأسرة من التفكك غير المبرر وصيانةً لحق المتضرر في إنهاء العلاقة الزوجية عند تحقق الضرر فعلياً.
كما قام باقتراح تعديل الشروط الواردة في المسودة بشأن الحكمين لتشمل معرفتهم التامة بظروف الزوجين لضمان نزاهة التحكيم ودقة تقييم الضرر وتعزيز فرص الإصلاح قبل التفريق.
وفي مجال النفقة والأجور؛ اقترح تعديل المواد الخاصة بالنفقة الواردة بالمسودة لحصر النفقة في أساسياتها من الطعام والكسوة والسكن ، ووضع سقف أقصى لإجمالي النفقات بحيث لا تتجاوز ربع الراتب الرسمي للزوج ، مع مراعاة دخل الزوجة العاملة ، إضافة إلى سقوط النفقة إذا تركت الزوجة منزل الزوجية ؛
وتهدف هذه التعديلات إلى تحقيق العدالة بين الزوجين ومنع استغلال النفقة لتحقيق مكاسب غير مشروعة أو كوسيلة للضغط للحصول على الطلاق.
أما في مجال الحضانة والرؤية فقد رأى أبو رميه أن النص الوارد في المسودة الذي حدد سن الحضانة بثماني عشرة سنة غير مناسب ويتعارض مع الرأي الراجح في المذاهب الفقهية لذلك اقترح تخفيضه إلى اثنتي عشرة سنة ،
كما أوصى بضرورة تنظيم حق المبيت مع الأب بشكل دوري لضمان استمرار العلاقة الأسرية بشكل متوازن مؤكدا ، على أهمية وضع رادع مالي يوقع على الحاضن في حال منعه تنفيذ حق الرؤية لأي سبب بما في ذلك الحالات التي يُظهر فيها المحضون رفضاً قد يكون تحت تأثير الحاضن الذي قد يمارس ضغطاً معنوياً أو نفسياً عى المحضون بحكم طول فترة بقائه تحت ولايته.
وفي سياق متصل أكد المحامي أبو رميه أن المسودة لم تقدم حلولاً عملية لمشكلة تنفيذ أحكام الرؤية بمراكز الرؤية التي هي أساس المشاكل لذلك اقترح إضافة بند يتيح استلام المحضون مباشرة من المدرسة باعتباره وسيلة أكثر سلاسة وأماناً لتنفيذ الحكم ويحول دون التعقيدات التي تظهر في بعض مراكز الرؤية والتي قد تستغلها الحاضنات في التأثير على المحضون لإجباره على رفض مرافقة صاحب الحق في الرؤية مما يفرغ النصوص من مضمونها ويضر بمصلحة الطفل.
وفيما يتعلق بنقل الحضانة إلى الأب أشار إلى أن النص الوارد في المسودة ترك الأمر لتقدير المحكمة عند بلوغ المحضون الثانية عشرة وهو ما قد يفتح باباً لاجتهادات متباينة لذلك اقترح تعديله بحيث يصبح النقل إلى الأب تلقائياً متى طلب ذلك من المحكمة عند بلوغ الغلام سبع سنوات أو البنت تسع سنوات أو توحيد السن عند الثانية عشرة للذكر والأنثى معاً وذلك لتوحيد المعايير أمام القضاء وضمان حماية حقوق الطفل والأب بشكل واضح وعملي بعيداً عن الجدل القضائي.
وفيما يخص الولاية على النفس رأى أن النصوص الواردة في المسودة لم تمنح الأب الدور الكافي في متابعة شؤون أبنائه لذلك اقترح تعديل المواد المتعلقة بالولاية بحيث يُشرك الأب في القرارات التعليمية للطفل ، ويُمنح ولي النفس الحق الكامل في الاحتفاظ بالوثائق الرسمية ، كما أوصى بإنهاء الولاية عند بلوغ الطفل الثانية عشرة بما ينسجم مع سن الحضانة المقترح والمتوافق مع الآراء الشرعية وبما يضمن حماية شاملة للمصلحة الفضلى للطفل.
وأكد أن هذه التعديلات تراعي التوازن بين الحقوق والواجبات ، وتحمي الأسرة من التفكك غير المبرر ، بينما يشير إلى أن بعض الإجراءات العملية مثل خصم جزء من النفقة عند منع الرؤية أو استلام الطفل من المدرسة ، ستضمن فعالية التطبيق وتخفف النزاعات الأسرية وتحد من تحريض الحاضن للمحضون على عدم الذهاب مع صاحب الرؤية.
ومن المهم التأكيد على أن هذه المقترحات جاءت استجابة لما كشفته مسودة القانون من عوار بيّن وخلل جوهري في عدد من نصوصها؛ حيث احتوت على صياغات مطاطة وأحكام غير منضبطة قد تفتح أبواباً جديدة للنزاع بدلاً من إغلاقها وقد تبعد القانون عن تحقيق غايته في حماية الأسرة ، لذلك فإن هذه التعديلات ليست مجرد تحسين شكلي بل معالجة ضرورية لإصلاح مسودة يشوبها القصور وضمان صياغة قانون أكثر عدلاً وواقعية يحفظ حقوق الزوجين ويصون مصلحة الأطفال ويعزز الاستقرار الأسري وفق القيم الشرعية والاجتماعية الراسخة وحتى لا يتحول القانون من أداة حماية للأسرة إلى سبب جديد لتفككها.