رغم دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ منذ أسابيع، تتواصل الخروقات اليومية، وتتزايد المخاوف من تقسيم فعلي للقطاع وسط أزمة إنسانية خانقة وتعثّر الجهود السياسية لإعادة الإعمار.
لم يمر وقت طويل على إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية حتى بدأت مؤشرات الهشاشة تظهر بوضوح، فقد سجّلت الساعات الأخيرة سلسلة خروقات جديدة تمثّلت في ضربات بطائرات مسيّرة استهدفت مناطق مأهولة شرق خان يونس ومدينة غزة، وأسفرت عن مقتل طفل ورجل آخر.
وبحسب تقارير حقوقية، بلغت حصيلة الضحايا الفلسطينيين منذ إعلان الهدنة أكثر من 240 قتيلاً و600 جريح، في وقت تتبادل فيه الأطراف الاتهامات بالمسؤولية عن استمرار التصعيد.
تُظهر التقارير الميدانية أن أكثر من 80% من شبكة الكهرباء في القطاع مدمّرة، فيما يعيش عشرات الآلاف من الأسر دون كهرباء أو مياه نظيفة.
المساعدات الإنسانية التي تدخل عبر المعابر لا تغطي سوى جزء محدود من الاحتياجات، وتظلّ مناطق واسعة من شمال غزة خارج نطاق الإغاثة المباشرة.
وتواصل فرق الإنقاذ العثور على جثث مجهولة الهوية تحت أنقاض المنازل المهدمة، في مشهد يختزل عمق الكارثة الإنسانية التي لم تنتهِ بانتهاء المعارك.
الجهود السياسية الرامية إلى تثبيت الاستقرار في غزة ما زالت تراوح مكانها، فالخطة الأميركية المدعومة من إدارة ترامب تواجه رفضاً عربياً مشتركاً، حيث تشترط دول عدة – من بينها الإمارات ومصر – وضع إطار قانوني واضح يضمن المشاركة الفلسطينية ويحمي السيادة المحلية.
في المقابل، تتحدث مصادر إسرائيلية عن مساعٍ لإعادة ترتيب الوضع الأمني ونزع سلاح الفصائل، وهو ما يزيد تعقيد المشهد ويجعل أي تسوية دائمة أقرب إلى التجميد منها إلى التنفيذ. تتزايد التحذيرات من خطر تقسيم فعلي للقطاع إلى مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية وأخرى لإدارة فلسطينية محدودة، في ظل غياب اتفاق واضح لإدارة الشؤون المدنية والأمنية.
ويرى مراقبون أن استمرار الغموض في المشهد سيقود إلى واقع جديد يرسّخ الانقسام، ويعيد رسم ملامح القضية الفلسطينية في سياق إقليمي مختلف تماماً.
الأزمة في غزة لم تعد مجرّد جولة عسكرية انتهت بهدنة، بل تحوّلت إلى اختبار لقدرة المجتمع الدولي والعربي على تثبيت السلام في بيئة محطّمة.
القطاع يقف على مفترق طرق: إمّا انطلاقة جديدة نحو إعادة البناء والاستقرار، أو انزلاق تدريجي نحو انقسام جغرافي وسياسي يُعيد إنتاج المأساة بأشكال مختلفة.