سلطنة عمان، تاريخ وحضارة ضاربة في عمق الزمن، وأمجاد الوطن ورسوخ مكانته شراع ممتد عبر السنين، وإنجازاته العظيمة ليست شيئًا عاديًا، أو ضوءًا لمع فجأة في كبد السماء سرعان ما انطفأ، بل عُمان سراج وضاء أبهر المؤرخين في كتاباتهم ، سطّروا في مؤلفاتهم الحقائق التاريخية التي تعاقبت الأجيال على قراءتها.
من ينظر إلى التراث العُماني يجد نفسه أمام بوابة عظيمة، الداخل إليها يجد وهجًا من البطولات والتضحيات التي لا تُنسى، وما الشواهد الباقية من” القلاع والحصون” إلا نماذج حيّة تحكي براعة الفكر العُماني في “فن العمارة العُمانية” واللمسات الجمالية التي تزخر بها.
وبدعوة كريمة من وزارة التراث والسياحة في سلطنة عُمان انطلقت رحلة الوفد الإعلامي الكويتي ، لاكتشاف أبرز الوجهات السياحية في السلطنة والبداية كانت من محافظات الداخلية والشرقية وجنوب الشرقية، حيث كانت البداية من الجبل الأخضر الذي يرتفع نحو 3000 متر عن سطح البحر، وعلى بعد 200 كيلومتر من العاصمة مسقط، عشنا تجربة فريدة بين الضباب الكثيف والتضاريس الجبلية المكسوة بالخضرة على مدار العام، ويُعرف الجبل الأخضر بمناخه الفريد، حيث يعتدل الطقس صيفاً، بينما تكسوه السحب الكثيفة شتاءً، مما يجعل منه وجهة مثالية لما يمكن وصفه بـ «السياحة فوق السحاب»، مما يضفي على الزائرين إحساساً ممتعا بالانتعاش والصفاء الذهني، ، فضلاً عن كونه موطناً لزراعة الأشجار المتساقطة الأوراق، التي يُطلق عليها محلياً «أشجار الحلويات»، وأشهرها رمّان الجبل الأخضر، الذي يحظى بشهرة واسعة في المنطقة.
وأخيراً يُوجد «مسار القرى الثلاث»، الذي يمثّل تجربة مثيرة لعشاق المغامرة، لكونه ممشى سهلا بين المدرجات الزراعية، يمنح الزائرين فرصة للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الساحرة التي تجمع بين عبق التاريخ وروعة الطبيعة.
متحف عُمان عبر الزمان
وكانت المحطة الثانية للوفد الإعلامي، فخلال اليوم الثاني من الرحلة كنا على موعد مع ثنائية التاريخ والجغرافيا، حيث زيارة متحف عمان عبر الزمان بولاية منح في محافظة الداخلية والذي افتتحه رسميا السلطان هيثم بن طارق في مارس 2023 يرصد تاريخ أرض عمان منذ حوالي 800 مليون سنة، ويسعى إلى التعريف
ومتحف عُمان عبر الزمان، تحفة معمارية تتناغم مع طبيعة جبال الحجر المحيطة به، وداخل المتحف تتجلى قصة السلطنة منذ عصور ما قبل التاريخ، مروراً بمراحل تطورها، وصولاً إلى عصر النهضة الحديثة
بالحقب التاريخية المختلفة التي شهدتها سلطنة عُمان مثل جيولوجيا الأرض والسكان الأوائل، وصولا إلى عصر النهضة المباركة.
العصر البرونزي
وفي هذا السياق، قال هارون بن عيسى من فريق العلاقات العامة للمتحف الذي سلط الضوء على حضارة عُمان عبر الزمان، وتاريخ السلطنة في العصر البرونزي، بوصفهمرحلة مفصلية في تشكّل الهوية الحضارية العُمانية، حيث تميزت عُمان عبرالزمان بعلاقاتها التجارية الواسعة مع حضارات كبرى مثل بلاد الرافدين ودلمون ووادي السند، وهو ما يعكس الدور المحوري الذي لعبته عُمان في حركةالتجارة والتواصل الحضاري في العالم القديم.
وثائق ونقوش تاريخية
وأوضح بن عيسى أن المتحف يستعرض مجموعة من الأدلة التاريخية، من بينها وثائق ونقوش من بلاد الرافدين ورد فيها ذكر عُمان، إضافة إلى الإشارات إلى الملوك والمعتقدات الدينية في تلك الفترة، مما يؤكد عمق الحضور السياسي والديني لعُمان في التاريخ القديم، مشيرا إلى أن المتحف يسلط الضوء أيضًا على القوارب العُمانية القديمة، من خلال عرض مراحل بنائها المختلفة، والبضائع التي كانت تُنقل عبرها، في دلالة واضحة على تطور مهارات الملاحة وبناء السفن لدى العُمانيين، ودورهم الريادي في التجارة البحرية خلال العصر البرونزي.
جناح القنوات المائية
بين الأفلاج تُعدّ جزء لا يتجزأ من تاريخ عُمان وحضارتها، إذ شكلت عبر العصور ركيزة أساسية في حياة الإنسان العُماني”، كما تضم السلطنة أكثر من 3000 الف فلج ما زالت تؤدي دورها الحيوي، حيث توفّر ما يقارب 40 في المئة من المياه المستخدمة في ري المزارع، مؤكدا أن الأهمية الكبيرة للأفلاج دفعت إلى تخصيص جناح كامل في المتحف للحديث عنها، يتناول عمارة الأفلاج وهندستها، إضافة إلى التراث غير المادي المرتبط بها، مثل القصص والأساطير والحكايات الشعبية، وكذلك الأشعار التي ارتبطت بالأفلاج عبر الأجيال، وهذه القيمة التاريخية والثقافية العالمية للأفلاج العُمانية تُوِّجت بإدراج خمسة أفلاج ضمن قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي.
صحراء بدية
ثم وصلنا إلى صحراء بدية الشهيرة بـ «الرمال الشرقية»، حيث الكثبان الذهبية العالية التي تحتضن ثقافة البدو الأصيلة، إضافة إلى واحات خضراء تمنح المكان سحراً خاصاً، ومن هناك.
كانت المحطة الثالثة هي الأكثر اثارة في الرحلة، حيث زار الوفد الإعلامي صحراء بدية “رمال الشرقية” وهي وجهة سياحية صحراوية شهيرة تقع في ولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية، وتتميز بكثبانها الرملية الذهبية الساحرة، والواحات الخضراء وتوفر تجارب مثل رحلات الدفع الرباعي، والتزلج على الرمال، وركوب الجمال، والتخييم مع أجواء تراثية، وهي نقطة انطلاق ممثلة لاستكشاف جمال الصحراء العمانية. وتتنوع طبيعة ولاية بدية بين الرمال والجبال والسهول والواحات الخضراء التي يبلغ عددها 15 واحة تنتشر فيها النباتات البرية،
وتضم عيوناَ مائية كثيرة ويعتمد سكانها على الأفلاج في استخراج المياه الجوفية واستعمالاتها؛ إذ يوجد بها 17 فلجا ، وتنتشر في الولاية الأشجار البرية مثل الغاف والصنوبر، وبها أنواع من الحيوانات البرية مثل الغزلان إضافة إلى الزواحف والطيور.
وتحظى “بدية” بعوامل جذب سياحي وتراثي وشهرة محلية وخارجية
واهمها منظر غروب الشمس، حيث تنسدل أشعتها برفق فوق رمالها الذهبية لتشكل منظرا رائعا وذكرى تظل راسخة في ذاكرة السائح.
التراث البحري
من الصحراء الى البحر، حيث التنوع والثراء في الطبيعة السياحية بسلطنة عمان، كان الوفد على موعد مع زيارة مصنع القوارب الخشبية في ولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية، وذلك في رابع محطات الرحلة، ويعتبر المصنع معلمًا تاريخيًا وسياحيًا مهمًا، ويقوم بصناعة العديد من السفن والقوارب مثل البغلة والغنجة، رغم التحديات التي تواجهها الصناعة من قلة الطلب وتأثير المواد الحديثة.
وخلال الزيارة، أشار المرشد السياحي ياسر المعمري إلى ان ولاية صور تشتهر بصناعة السفن الخشبية والأبواب الخشبية، إضافةً إلى كونها منطقة ساحلية معروفة بصيد الأسماك، ويعد المصنع هو الاقدم في منطقة الخليج، ولا يزال قائمًا حتى اليوم، محافظًا على أساليب العمل التقليدية في صناعة السفن الخشبية، مبينا ان أوزان السفن تتراوح بين طن واحد إلى ثلاثة أطنان حسب رغبة المالك أو العميل والذي يقوم بتحديد المواصفات والتفاصيل الخاصة بالسفن المطلوبة ليباشر بعدها العاملون في المصنع عملهم.
ولفت المعمري إلى أن مدة صناعة السفينة تتراوح بين سبعة أشهر إلى سنة كاملة، بحسب التصميم الداخلي، والذي يُعد من أكثر المراحل التي تتطلب جهدًا ووقتًا، وهذه السفن لا تزال تُستخدم في البحر حتى الوقت الحالي
منارة العيجة
كما زار الوفد الإعلامي منارة العيجة أو منارة صور حيث تعتبر بــرجاً دفـاعــيّاً تم تحويله إلــى مــنارة تســتخدم لـتوجــيه قــوارب الــداو الخشــبية إلــى بــحيرة صـور، وتــعد المـنارة واحـدة مـن أفـضل وأجـمل مـناطـق الجـذب الـتي يـمكن زيـارتـها فـي الولاية فهـي تــقع بـمواجــهة خليـج عمـان، كما تقع في أعلـى نقطـة علـى الجانـب الشـرقي مـن مينـاء صـور.
وتتميز المنارة بموقعها الفريد والمنقطع النظير في الجمال، كما تمنح مـناظــر بانورامية سـاحــرة لـلمديــنة والخـليج والـمناطـق الـمحيطة بها، وتقدّم لزوارها تـجارب ثـقافـية وتاريخيـة وطبيعيـة مثيـرة للاهتمام.
رأس الحد
ووفي اليوم الرابع من الرحلة المليئة بالعجائب وهذه المرة كان التوجه إلى منطقة رأس الحد التابعة لولاية صور في محافظة جنوب الشرقية أو ما يسمى “بلد الشروق” والتي تعتبر أول بقعة تشهد أول شروق وأول غروب للشمس في الشرق الأوسط.
وتتميز بموقعها الجغرافي الفريد، حيث تقع في الحد الفاصل بين بحر العرب وبحر عمان، كما تعتبر الأجواء فيها معتدلة على مدار السنة؛ ففي الصيف يكون الجو باردا بفعل الرياح الموسمية فيما يكون دافئا في الشتاء عندما تهب عليها رياح الشمال، وتتميز بشواطئها الجميلة ورمالها الذهبية التي تعتبر مقصدا للكثير من السياح من داخل سلطنة عمان وخارجها للاستجمام والابتعاد عن صخب المدن، كما تجذب شواطئها السلاحف البحرية الخضراء للتكاثر حيث تقع محمية السلاحف التي تُعدّ من أبرز الوجهات السياحية البيئية في السلطنة..
وتتميز بوجود حصن رأس الحد نسبة إلى “رأس الحد” وتزخر بالعديد من المقومات السياحية منها التضاريس الجبلية المتنوعة، والشواطئ النقية ورمالها الناعمة، وبها أول محمية السلاحف
وادي شاب
أما ذروة المغامرة فكانت في وادي شاب بين قمم الجبال الشاهقة والبرك المائية الزرقاء التي نحتت ببراعة بين المنحدرات الصخرية، تحفّها الأشجار والنخيل من الجانبين، ولم تنتهِ الإثارة بعد، بل وصلت إلى ذروتها في «هوية نجم»، تلك الحفرة الطبيعية العميقة التي تتميز بمياهها الصافية وسط واحدة من أجمل المنتزهات الطبيعية في عُمان
سوق مطرح
واختُتمت المغامرة في سوق مطرح بالعاصمة مسقط، أحد أقدم الأسواق التقليدية، وأشهر الوجهات السياحية، حيث يلتقي عبق التاريخ بروح الحاضر في مشهد يختصر سحر السلطنة.