يعد أبو حنيفة من أبرز علماء الفقه الإسلامي، ومؤسس المدرسة الحنفية إحدى أكثر المذاهب الإسلامية انتشارا.
أبو حنيفة النعمان أبو حنيفة النعمان الإمام الفقيه، أحد أبرز الفقهاء والعلماء المسلمين، وهو صاحب المذهب الحنفيّ، وقد كان الإمام أبو حنيفة النعمان كثير العبادة، حتّى نُقِل من خبره أنّه لا ينام من الليل إلا القليل. أمّا أبوه ثابت فقد كان تاجراً من أغنياء التُّجار، وقد أسلم وحسُن إسلامه، وقيل إنّه كان قد التقى بالإمام عليّ كرَّم الله وجهه، فدعا له ولذريّته بالبركة والخير. 
 

- رفض تولي القضاء في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور فأمر بحبسه
- ولد في زمن جماعة من الصحابة والتقى ببعضهم واجتهد وأفتى في زمن التابعين وروى عنه الأئمة الكبار
- كان ثري النفس عظيم الأمانة سمحا وقاه الله شر نفسه
- مذهبه تميز بواقعيته وسهولة تطبيقه يصلح في أمور القضاء وشؤون الدولة 
 

 
وكان يشتغل في تجارة الحرير، وأخذ الفقه عن شيوخها وعن شيوخ مكة المكرمة، ويعد من التابعين لأنه أدرك جماعة من أصحاب رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) بحسب الكاتب والمؤرخ خالد عوسي الأعظمي.
ويضيف الأعظمي أن أبا حنيفة لازم الشيخ حماد بن أبي سليمان كبير علماء العراق، وتخرج عليه وواصل دراسته لمدة 18 عاما، ولم يفارق شيخه حتى توفي، وقد سمى ولده «حماد» اعتزازا بشيخه.
ويتابع: كان أبو حنيفة حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، حسن المجلس، واسع الكرم، جميل المواساة لإخوانه، شديد التواضع، حليما وقورا، وكان كثير الحج وتلاوة القرآن الكريم، هاجر من الكوفة إلى مكة المكرمة وأقام هناك عدة سنوات، وأكمل دراسته الفقهية فيها على عطاء بن أبي رباح وأصحابه أتباع مدرسة عبد الله بن عباس في الفقه.
التاجر الورع
ورث أبو حنيفة غناه وتجارته في الحرير عن والده الذي ورثها عن جده، وكان موفقا في تجارته لصدقه واستقامته وقوة إقناعه، وكانت تجارته تدر عليه الربح الوفير، كما يقول الباحث رعد العاني.
ويضيف أن أبا حنيفة كان ينفق المال على المشايخ وطلبة العلم، ويقول لهم «أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عليَّ».
ويشير إلى أن أبا حنيفة اتصف بالصدق والأمانة والاستقامة في تجارته، فشبهه كثيرون بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد كان شديد الحرج في كل ما تخالطه شبهة الإثم ولو كانت بعيدة، فإن ظن إثما أو توهمه في مال خرج منه، وتصدق به على الفقراء والمحتاجين.
ويتابع العاني: أبو حنيفة رغم اشتغال بالتجارة لكنه معروف بالورع والزهد وركونه للآخرة، وتجلى ذلك عندما رفض تولي القضاء في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، فأمر بحبسه.
مكانته العلمية
بعد وفاة شيخه حماد، آلت رئاسة حلقة الفقه إلى أبي حنيفة وأقبل الناس إليه، فوجدوا عنده علما غزيرا، مع حسن المواساة والصبر على ما يطلبون مما لم يجدوه عند غيره، فلزموه وأخذوا منه، كما يقول أستاذ التاريخ الدكتور محمد علي.
ويبيّن للجزيرة نت أن الإمام أبا حنيفة قد اتصف بصفات عديدة جعلته مثلا يحتذى به في التجارة والمعاملة، كما هو الذروة بين العلماء، فقد كان ثري النفس، عظيم الأمانة، سمحا، وقاه الله شر نفسه، شديد العبادة، ولعل هذه الصفات مجتمعة كان لها الأثر الكبير في معاملاته التجارية.
ويشير إلى أن مكانة الإمام أبي حنيفة تزايدت حتى بلغت آفاق المعمورة، لكونه اختص بجملة من الخصائص التي ميزته عن غيره من الأئمة، وكانت علامة على تميزه بين علماء عصره، منها أنه ولد في زمن جماعة من الصحابة والتقى ببعضهم، واجتهد وأفتى في زمن التابعين، وروى عنه الأئمة الكبار، وأخذ عن 4 آلاف شيخ من التابعين وغيرهم.
كما اتفق له من الأصحاب مالم يتفق لغيره من الأئمة، وهو أول من دوّن علم الفقه ورتب أبوابه، وانتشر فقهه في أقاليم ليس فيها غيره كالهند والسند والروم وسواها، وغير ذلك من الأسباب التي اجتمعت ليكون الإمام أبو حنيفة بهذه المنزلة الرفيعة، والمكانة الشريفة.
وينقل علي بعض ما قيل في حقه، والثناء عليه، بيانا لمنزلته عند العلماء، منها قول الإمام الشافعي: سئل مالك بن أنس «هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟» فقال «نعم، رأيت رجلا لو نظر إلى هذه السارية وهي من حجارة، فقال إنها من ذهب لقام بحجته.
كما وصفه الإمام أحمد بن حنبل بقوله «إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد» وقال عنه عبد الله بن المبارك «وأما أفقه الناس فأبو حنيفة».
انتشار مذهبه
يبدأ نشوء المذاهب بشكل عام عندما يكون هناك فقيه مجتهد له تلاميذ دونوا أقواله وحققوها وناقشوها ودرسوها على أصولها، عند ذلك تصل إلى الأجيال اللاحقة فيسمى مذهبا، أي آراء فقهية اجتهادية يقلدها من لا يحسن الاجتهاد، كما يرى الدكتور محمود عبد العزيز أستاذ أصول الفقه المساعد بكلية الإمام الأعظم.
ويبيّن الدكتور عبد العزيز للجزيرة نت أن تلاميذ «النعمان» كانوا يحبونه ويعرفون مكانته وعلمه ويناقشونه، وكان هو يسمح بالمناقشة ويناظرهم، وقد يخالفونه ويستدلون عليه، وقد يرجع إلى قولهم، لذلك مذهبه يشبه المجامع الفقهية من ناحية الاجتهاد الجماعي.
ويلفت إلى أن من أبرز تلاميذ أبي حنيفة الذين كانوا يناقشونه ويتعلمون منه ودونوا مذهبه ونشروه لمن بعدهم: محمد ابن الحسن الشيباني، أبو يوسف القاضي، زفر بن الهذيل، هؤلاء الثلاثة هم الأشهر، ثم يأتي الحسن بن زياد الذي لم يشتهر كثيرا في كتب الفقه ولكنه أيضا كان من ناشري مذهب أبي حنيفة ومن تلاميذه.
وتميز مذهب أبي حنيفة -بحسب الدكتور عبد العزيز- بأنه مذهب واقعي سهل التطبيق، يصلح في أمور القضاء وفي شؤون الدولة، وكان أبو يوسف القاضي هو النموذج العملي لفقه أبي حنيفة، ويقال إن ذاك أحد أهم أسباب انتشار مذهب أبي حنيفة وكثرة أتباعه.
د. محمود يرى أن مذهب أبي حنيفة تميز بواقعيته وسهولة تطبيقه يصلح في أمور القضاء وشؤون الدولة - الجزيرة نت
عبد الوهاب يعزو أسباب انتشار المذهب الحنفي إلى التيسير الذي يغلب عليه.
بدوره يقول الدكتور عبد الوهاب أحمد حسن الطه إمام وخطيب جامع الإمام أبي حنيفة ببغداد إن فقه أبي حنيفة يمتاز بأنه غير تقليدي ولا تلقيني، وإنما هو فقه محاورة ومشاورة، ويعتمد على الدليل النقلي ثم القياس، وكان مع تلاميذه يفترضون أحداثا لم تقع، ولذلك يوصف بأنه فقه يستشرف المستقبل.
ويوضح ذلك للجزيرة نت بالقول: مثلا افترضوا لو أن طائرا كبيرا حمل رجلا فألقاه في مكان بعيد بمسافة قصر الصلاة بلمحة بصر، فهل له أن يقصر الصلاة أو أن يأخذ بالرخصة؟ فنجد أن أبا حنيفة وطلابه يفترضون ويستشرفون المستقبل وما يمكن أن تؤول إليه أمور الحياة.
ويعزو د. الطه أسباب انتشار المذهب الحنفي إلى اليسر والتيسير الذي يغلب عليه، وكذلك لأنه فقه مطبق مخدوم أرسى قواعده الإمام أبو يوسف، ودوّن فروعه الإمام محمد بن الحسن، وحينما تولى أبو يوسف القضاء وصار قاضيا للقضاة، رسخ مذهب أبي حنيفة في أرجاء الارض طيلة فترة الدولة العباسية.
ويتابع بالقول: لما ضعفت دولة بني العباس جاء السلاجقة ومن بعدهم العثمانيون وتبنوا مذهب أبي حنيفة ونشروه في مختلف البقاع والأرجاء، في الهند وباكستان وبلاد الترك والبلقان والقوقاز وغيرها من البلدان التي فتحت وانتشر فيها الإسلام حتى بلغ الصين.
وفاته
وبعد حياة حافلة بالعطاء العلمي لأبي حنيفة النعمان شهد له فيها الداني والقاصي بالإمامة في الفقه، وقد أصبح الناس بعده عيالا عليه، توفي في السجن وهو ساجد، في رجب 150هـ/767م وهو ابن 70 سنة، ودفن في مقابر الخيزران ببغداد، بحسب ‏الدكتور محمد طه حمدون رئيس دار الفقه والأثر في العراق.
ويروي كيف ازدحم الناس في جنازة أبي حنيفة، حيث صلَّى عليه نحو 50 ألفا، وهو عدد كبير في وقته، وجاء المنصور فصلى على قبره، ومكث الناس يصلون على قبره أكثر من 20 يوما.
منطقة الأعظمية 
وينوه الدكتور حمدون إلى أن خبر الوفاة كان فاجعة كبرى أن يُدفن الفقه وسيده في يوم عصيب، وأن يغيب إمام المدرسة العراقية في العلم، بعد أن قضى عمره ينصر الدين، ويقمع البدعة ويرفع راية الإسلام، ويهيئ للأمة جيلا من العلماء والمصلحين.
وينقل عن الذهبي في وصف قبر أبي حنيفة بقوله «وعليه قبة عظيمة، ومشهد فاخر ببغداد، ولا يزال قبر إمام المذهب الحنفي وعليه بناء تعلوه قبة، وإلى جنبه جامع تقام فيه الجمعة والجماعة، وله صحن يجتمع فيه الناس في الأعياد والمواسم الدينية».
 
تلاميذه 
تتلمذ على يدَي الإمام أبي حنيفة النعمان عددٌ من العلماء الذين برزوا في العلم لاحقاً، بل إنّ تلاميذه هم من أرسى القواعد الأوليّة للمذهب الحنفيّ تحت إشراف معلّمهم أبي حنيفة؛ الذي كان يُمليعلمه على تلاميذه أثناء الحلقات العلميّة، ثمّ يراجع ما يكتبونه لاحقاً ليُقرَّهم عليه، أو يحذف ما يُخالف مذهبه أو كان فيه لغطٌ أو خطأ.
ممّا جعل مذهبه يستقرُّ ويستمرّ ويزدهر على أيدي تلاميذه الذين برعوا في تدوين الفقه الحنفيّ ونشره للناس. ومن بين أشهر تلاميذ الإمام أبي حنيفة: الشيخ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ومن كُتبه الشهيرة كتاب الآثار، ومنها كذلك كتابه اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى محمد بن الحسن الشيباني برع من تلاميذ أبي حنيفة محمد بن الحسن الشيباني، وهو صاحب الفضل الأكبر في ترسيخ دعائم المذهب الحنفيّ وتدوينه، مع أنّه لم يتتلمذ على يدي أبي حنيفة إلا فترةً قصيرةً، ثمّ تتلمذ بعدها على أبي يوسف، والأوزاعي، ومالك، وغيرهم من أساطين الفقه.
دوره في بناء بغداد
خبرته الطويلة في المعاملات المالية والتجارية أكسبته بصراً وبصيرة في كثير من أقسام القانون وشعابه مما لا يتيسر للعارفين بالقانون من الناحية العلمية النظرية فحسب.
فلقد أعانته خبرته هذه عوناً كبيراً على تدوين الفقه الإسلامي إلى جانب فراسته ومهارته في المعاملات والأمور الدنيوية مما حدث حينما بدأ المنصور بناء بغداد عام 145هـ (762م) إذ خص أبا حنيفة بالإشراف عليها فكان المشرف العام على بنائها أربعة أعوام، وعندما انتهى البناء نقل مجالس علمه إليها، حتى توفي في عام 150 هـ.
مؤلفاته وأسباب قِلَّتها
لم يكن عصر الإمام أبي حنيفة عصر تأليف وتدوين بالمعنى المعروف فيما بعد، بمعنى أن يخلو العالم إلى نفسه فيكتب أو يملي الأشياء الكثيرة، فلم يكن أبو حنيفة قد فرغ نفسه للتأليف والإملاء، فقد كان يقوم الليل حتى يصبح، فإذا أصبح صلى الصبح ثم جلس يُعلِّم الناس حتى يضحي، ثم ذهب إلى بيته لحاجاته، ثم يخرج إلى السوق لينظرَ في شؤون تجارته ودنياه، ويعودَ مريضاً، أو يشيعَ ميتاً، أو يزورَ صديقاً، وينام بين الظهر والعصر، ثم يجلس بعد العصر لتعليم الناس والإجابة على أسئلتهم إلى الليل، وهكذا. والتدريس شغله عن التأليف، وهو فوق ذلك مرجع طلاب العلم وشُداته، يقصدونه من الكوفة والبصرة وداني البلاد وقاصيها، لذا لم تكن لأبي حنيفة تآليف كثيرة تتناسب مع مكانته العلمية العظيمة.