يتميز شهر رمضان المبارك بجملة من العادات والتقاليد التي يمارسها المسلمون في كل أنحاء العالم، إلا أن ثمة عادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية تختلف بين بلد وآخر. وهذا حال لبنان الذي تلتقي مناطقه على بعض العادات الرمضانية المشتركة، والتي من أبرزها الأضواء التي تكتسي بها الشوارع اللبنانية مع قدوم الشهر الفضيل وتأخذ أشكالاً مثل الهلال.
وقال حسان قطب مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”: إن شهر رمضان هو شهر الانغماس في العبادات، والتضامن الاجتماعي، والتكافل بين العائلات وأبناء المدينة والقرية الواحدة، كما هو مناسبة تؤكد فيها الجمعيات الخيرية، حضورها ودورها في احتضان العائلات الفقيرة والمحتاجة، بحيث يبرز التعاون والاهتمام والالتفات إلى حاجات بعضنا البعض بأبهى صوره.
وأضاف أنه عادة ما يؤدي المواطنون الصلاة جماعة في المساجد المنتشرة في مختلف المدن والقرى، ولكن تبقى هناك مساجد لها وقع خاص في نفوس المؤمنين والمصلين، سواء لما لها من تاريخ ودور في نشر الحضارة الإسلامية، أو لوجود أحد العلماء المعتبرين لدى المصلين، جميع المساجد تكون عامرة بالمصلين، بشكل مميز وغير عادي في الأجواء الرمضانية، ولكن لبعض المساجد خصوصيات في نفوس المصلين.
وأشار قطب إلى أن نشاط المساجد في لبنان يتضاعف ويتألق مع بداية الشهر الفضيل، حيث يتم الاستعداد لصيام الشهر والحث على صلاة الجماعة في المساجد، التي تتزين بالإضاءة.. كما تتزين الشوارع بمزيد من الإنارة واليافطات التي ترحب بقدوم الشهر الفضيل والتي تحث على مضاعفة عمل الخير وزيادة التقديمات الاجتماعية والخدماتية والمساعدات الإنسانية.
ولفت مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، إلى أن عادة ما يتم دفع زكاة الأموال والصدقات خلال شهر رمضان مباشرة للمحتاجين أو من خلال الجمعيات التي تقوم باستلام هذه الأموال وتقديمها للعائلات المحتاجة.
ورأى أن المشهد الأجمل هو حالة الفراغ شبه التامة للطرقات والأزقة من المارة والمتجولين في وقت الإفطار، كما أن الاستعداد للسحور له نكهة خاصة، حيث يتم شراء أنواع متنوعة من الخبز والحلويات (كرابيج، حلاوة الجبن، حدف، والقطايف المتنوعة) والمشروبات (جلاب، تمر هندي، سوس) وغيرها من العصائر الطازجة بحسب الموسم.
وأفاد قطب بأن “المسحراتي”، هو نموذج مميز يطل علينا خلال هذا الشهر، إذ رغم تطور وسائل الاستيقاظ اليوم إلا أن دور المسحراتي لا زال فاعلا لما له من طابع تراثي وديني ثقافي وليس إلزامي، وهو الذي يتجول بين الأحياء لإيقاظ المواطنين لتناول السحور.
وأهم ما يقوم به المسلمون خلال هذا الشهر هو إقامة صلاة التراويح يومياً من بعد صلاة العشاء طوال شهر رمضان، وهي سنة نبوية يتم الالتزام بإقامتها في شهر رمضان فقط، وتتوقف مع الإعلان عن مشاهدة هلال شوال، وإثبات عيد الفطر السعيد.
العمل الخيري والإنساني
وأكد قطب أن العمل الخيري والإنساني سمة أساسية من سمات هذا الشهر الفضيل في لبنان، فهي مظهر من مظاهر الالتزام بثوابت هذا الدين، الذي يقوم على التسامح والتعاضد والتكافل والتعاون والمساعدة، وسد الحاجة، والوقوف إلى جانب الفقراء والمحتاجين، لذلك من المستحيل مشاهدة عائلة محتاجة لم يصلها مساعدة غذائية أو ملبس أو مساعدة مادية عينية من مال أو كساء، إضافة إلى إقامة مآدب الإفطار الجماعية سواء من باب المساعدة وتأمين الغذاء للعائلات المحتاجة (مآدب الرحمن) التي تقام في مختلف المناطق اللبنانية، أو مآدب للممولين والقادرين على التبرع ودفع ما يمكنهم من مال أو مساعدات عينية لتقديمها للمحتاجين من أبناء المدينة أو القرية.. وممكن أن نرى بوضوح في مختلف المناطق هذه المساعدات يتم توزيعها بهدوء ودون ضجة حتى لا يتم الإساءة إلى من هم بحاجة نفسيا وأدبياً وإنسانياً واجتماعياً.
عادات وتقاليد
ويبتهج اللبنانيون لقدوم شهر رمضان ويجددون خلاله عاداتهم وتقاليدهم التي تعبر عن فرحتهم وأبرزها ما يعرف بـ”سيبانة رمضان” وهي من التقاليد الرمضانية الشائعة، ويذهب خلالها اللبنانيون إلى شاطئ المدينة في اليوم الأخير من شهر شعبان وقبل يوم واحد فقط من بداية شهر رمضان المبارك، احتفالاً بحلول هذا الشهر الفضيل.. وتتضمن” سيبانة رمضان” تناول العديد من الأطعمة والحلويات المحلية الشهية، استعداداً للانقطاع عن تناول الطعام في أيام الصيام.
وفي الأيام القليلة التي تسبق بداية شهر رمضان تقوم بعض المؤسسات التجارية بتوزيع إمساكية شهر رمضان المبارك، والتي تتضمن مواعيد الصلوات أيام الشهر الفضيل، في عادة بمثابة تهنئة الشركات لعملائها.
ومن العادات التي تتميز بها بعض المدن اللبنانية في الشهر الفضيل، القيام بجولات سيارة في الشوارع قبيل حلول هلال رمضان، حيث يرددون الأناشيد والقصائد الشعرية والمدائح النبوية، في إطار تحضير الأجواء لدخول الشهر الكريم.
كذلك هناك ظاهرة المسحراتي، الذي يجوب الشوارع في أوقات السحور وهو يقرع على طبلة صغيرة بقضيب من الخيزران لإيقاظ الناس وقت السحور، حيث ينشد بعض الأشعار والأناشيد، إلا أن ظاهرة “المسحراتي” هي عادة تراجعت إلى حد كبير اليوم وباتت تقتصر على عدد قليل من المدن والقرى اللبنانية.
مدفع رمضان
ومن تراث لبنان الرمضاني فكرة “مدفع رمضان” لا سيما في المدن الرئيسية مثل العاصمة بيروت ومدينة طرابلس، وهو التقليد الذي بدأ في بيروت مع الوالي العثماني إبراهيم باشا عندما أمر في العام 1859 بتثبيت مدفع كبير يتجه نحو الشرق في رابية تطل على بيروت، وعين له مدفعيا يتولى ضبط مواقيت الإفطار والإمساك، إضافة إلى قيامه بإطلاق 21 طلقة مدفعية إعلانا عن حلول شهر رمضان عند ثبات رؤية الهلال، أما حشوة المدفع، فكانت عبارة عن قطعة قماش مغمسة بالزيت ومزودة بكمية من البارود.
وتتزين شوارع العاصمة اللبنانية بيروت وكل المناطق بحلة رمضان، فتضاء فيها المصابيح وتكتظ أسواقها بالناس لشراء حاجيات هذا الشهر الفضيل، وتقام في جوامعها الاحتفالات الدينية، وذلك على الرغم من اقتصار مظاهر الزينة في شوارع لبنان هذا العام تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ أواخر العام 2019، ويحيي المسلمون في لبنان ليالي شهر رمضان في المساجد بالصلاة والدعاء وتلاوة آيات من القرآن الكريم والحرص على صلوات “التراويح” بعد الإفطار.
مسابقات القرآن الكريم
للشهر الفضيل في لبنان، معنى ديني حيث تحرص بعض الجمعيات الإسلامية على تنظيم مسابقات في قراءة القرآن، يستقدم خلالها قراء القرآن من مختلف البدان العربية والإسلامية الأخرى لإحياء أمسيات في المساجد يتخللها مسابقات في حفظ القرآن وتلاوته.
وتكثر في الشهر الفضيل الدعوات إلى الإفطار التي يوجهها المسلمون إلى بعضهم البعض، كما إلى معارفهم من سائر الأديان لتعريفهم بطقوس الصيام لديهم، كما تقوم عدد من الجمعيات والهيئات بإعداد “موائد الرحمن” في مختلف المناطق اللبنانية لإفطار وإطعام الصائمين، فيما يعمد البعض الآخر، للغاية عينها، إلى إعداد ما يعرف” بإفطار صائم” من خلال توزيع وجبات غذائية للمارين على الطرقات.
المائدة الرمضانية
وتزدهر في الشهر المبارك تجارة المأكولات والخضار والفواكه والحلويات والعصائر والتمر والمكسرات (اللوز والجوز والفستق)، ولا تخلو المائدة في شهر رمضان من سلطة “الفتوش” اللبنانية الشهيرة والتبولة، وهو ما يبدأ به الصائم إفطاره عادة بعد تناوله حساء “الشوربة”.
وتتربع على المائدة اللبنانية أيضاً بعض الأكلات مثل “الملوخية” والكبة المحشوة باللحم المفروم وورق العنب والمحاشي، إضافة إلى الأكلات الشعبية المعروفة المتوارثة بين العائلات، والمشروبات الرمضانية كالجلاب والتمر هندي والخرنوب وقمر الدين، ويبرز الكلاج والقطايف وزنود الست والكنافة بالجبن وحلاوة الجبن والكرابيج والشعيبيات والأرز باللبن على رأس لائحة أبرز الحلويات الرمضانية اللبنانية.
وهكذا اقترن شهر رمضان المبارك في لبنان بعادات وتقاليد سواء في الاستعداد للشهر الفضيل أو خلال الشهر من خلال المأكولات والأطباق التي لا تخلو منها الموائد على مدى ثلاثين يوماً، إلا أن هذه العادات والتقاليد الغذائية قد تتبدل تحت الظروف المعيشية والحياتية التي يعيشها اللبنانيون في ظل أسوأ أزمة في تاريخ لبنان.