- رومانيا تحت حكمه كانت دولة بوليسية.. وامتلك 39 فيلا فاخرة وعاش ببذخ فاحش
- نشر جواسيسه في كافة أرجاء رومانيا بحثاً عمن تسول  له نفسه أن يتمرد
- أصابه جنون العظمة.. ولقب نفسه بالقائد العظيم والملهم

أتى إلى الحكم مسالما، مخاطبا ود الشعب لاستمالته، وسرعان ما أصبح ديكتاتورا دمويا، لا يرحم، وأطلق على نفسه لقب «القائد العظيم والملهم ودانوب الفكر، بعد أن أصابه جنون العظمة.
وعلى الرغم من أنه قد حكم بلاده بالحديد والنار لمدة 24 سنة، إلا أنه واجه النهاية الحتمية لأي ديكتاتور ظن أنه سيخلد في الحكم وصدر ضده حكم الشعب بالقتل عقابا على سنوات الذل والفقر والقمع.
والوسط تتناول في حلقة اليوم أحد أشهر الديكتاتوريين في العصر الحديث،  اسمه نيكولاي تشاوشيسكو. حكم رومانيا لمدة أربعة وعشرين عاماً (من 1965 حتى 1989) 
أصيب نيكولاي تشاوشيسكو بجنون العظمة في نهاية حياته، ورأي في نفسه أنه المنار المضيء للإنسانية والعبقري الذي يعرف كل شيء، لطالما سبق اسمه لقب الديكتاتور، لطغيانه وبطشه خلال فترة حكمه.
نهاية تشاوشيسكو لم تكن كأي نهاية، فبعد أن كانت رومانيا تحت حكمه دولة بوليسية، بفضل جهاز الشرطة السري الذي تنتشر قواته وجواسيسه في كل شبر على أرض رومانيا، بحثاً عمن تسول  له نفسه أن يتمرد أو يعارض، انتفض الشعب وملأ الشوارع والطرقات بحثا عنه للقصاص من أحد أبرز الطغاة في تاريخ أوروبا الحديث.
وبعد سنوات القهر التي تسبب جعلت رومانيا أكثر الدول فقراً في أوروبا بسبب سياسته في الحكم، اشتدت التظاهرات وخرجت في كافة أنحاء رومانيا، وسرعان ما توجه المتظاهرين نحو القصر الرئاسي في بوخارست في 22 ديسمبر 1989، يرددون هتافات القصاص من تشاوشيسكو ومحاكمته.
وحاولت أجهزة الأمن الرومانية منع المتظاهرون من الوصول إلى القصر الرئاسي، وأقدمت على قتل ما يقارب مائتي متظاهر، وإصابة نحو 1500 متظاهر إلا أن المتظاهرين ظلوا استكملوا طريقهم بكل إصرار نحو القصر حيث كان يقيم تشاوشيسكو وزوجته.
وتحت وطأة الغضب الشعبي العارم، اضطر تشاوشيسكو إلى الخروج من إحدى نوافذ القصر وبدأ يخاطب الشعب بكلمات متوقعة وخطاب مليء بالشعارات والتعهدات بالإصلاح والعسي إلى التغيير، أملاً في تهدئة تلك الحشود الغاضبة، إلا أن أحداً لم يسمع، وهتفت الحشود برحيله، فأضطر إلى قطع خطبته أكثر من مرة، ومع تصاعد وتيرة الغضب الشعبي بادر بعض المتظاهرين إلى قذفه بالحجارة، فأصيب بالذعر، وبلغ به الخوف مبلغه.
 لم يجد تشاوشيسكو سوى الهرب حلاً، وهرب هو وزوجته إيلينا التي يؤكد البعض أنها كان المحرك الأول والأساسي لتشاوشيسكو، فأخبره الحارس الخاص له بأن رجال الأمن يؤكدون أنهم لن يتمكنوا من مواصلة الدفاع عنه والسيطرة على الغضب الشعبي الذي يتصاعد.
فوصلت مروحية إلى مهبط الطائرات أعلى السطح بالقصر الرئاسي، فصعد تشاوشيسكو مع زوجته إيلينا وقائد الأمن الداخلي إلى الطائرة وحلقت الطائرة بهم في الجو وتوجهت إلى جهة غير معلومة.
وكان تشاوشيسكو كلما نظر إلى الشوارع من تحته وجدها مليئة بالجماهير الغاضبة، وكان ذلك مفاجأة كبرى بالنسبة إليه حيث ظن طيلة مدة حكمه بأنه محبوب من الشعب، وأن الشعب الروماني قد تم ترويضه.
وبعد فترة من البحث عنهما بعد هروبهما تمكن بعض المزارعين من التعرف على مكانهما وتسليمها للشرطة، وبعدها تم عقد محاكمة صورية لم تتجاوز الساعتين، وتم توجيه تهم عديدة إليهما، كانت أبرزها الإبادة الجماعية للثوار، وتدمير اقتصاد رومانيا، وعليه تم الحكم عليهما بالإعدام رمياً بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم  أمام عدسات التلفزيون، ليتأكد الشعب بأن الدكتاتور تم إعدامه وأنه انتهى إلى الأبد ثم دفنا بعدها في بوخارست.
حياته
ولد نيكولاي تشاوشيسكو في السادس والعشرين من يناير 1918 بمدينة ترجوفيشت بجنوب رومانيا، نشأ في عائلة فقيرة لذلك لم يستطع إكمال تعليمه وتوقف عند المرحلة الابتدائية، وعندما بلغ الحادية عشر من عمره سافر إلى بوخاريست بحثاً عن عمل، وهناك عمل كصانع أحذية لسنوات.
في عام 1932 خطى تشاوشيسكو أولى خطواته في عالم السياسة، وذلك بانضمامه إلى حزب العمال والحزب الاشتراكي الذي كان محظوراً آنذاك، فتم القبض عليه وقضى عامين ونصف في سجن دوفتانا سيء السمعة، حيث تعرض للعنف وللاعتداء الجسدي، وقد تركت هذه الفترة التي قضاها في السجن علامة في تشاوشيسكو واضحة في تلعثمه الدائم.
وتعد النقطة الأهم في مرحلة السجن هى مقابلته لجيورجيو – ديج أحد أهم الزعماء الثوريين آنذاك، والذي كان بمثابة نهل لتشاوشيسكو حيث تعلم على يده مبادئ وأصول الشيوعية.
لم يكمل تشاوشيسكو فترته في السجن، فقد استطاع الهرب أثناء الغزو السوفيتي لرومانيا عام 1944، وخلال فترة قصيرة لا تتعدى العام كانت رومانيا خاضعه للحكم الشيوعي، وبدأ تشاوشيسكو تسلق سلم السلطة، وبحلول عام 1945 أصبح تشاوشيسكو عميداً في الجيش الروماني، وفي عام 1965 أصبح السكرتير التنفيذي للحزب الشيوعي، ليصبح بعدها بسنوات قليلة حاكماً للبلاد، وذلك في عام 1974.
تعتبر فترة حكم تشاوشيسكو فترة مظلمة ونقطة سوداء في تاريخ رومانيا، حيث تحولت إلى أكثر بلاد أوروبا فقراً، كانت فترة صعبة في مختلف جوانبها، بداية من الجانب الاقتصادي والاجتماعي للشعب، وحتى الجانب السياسي.
فقد تبددت كل الوعود والآمال العراض التي عاشها الشعب في سراب الشيوعية، لم ينته الفقر ولم تختف الطبقية، بل بالعكس ازداد الحال سوءاً، فقد اتبع تشاوشيسكو سياسة التقشف في إدارة البلاد، فأصبح الحصول على الحاجات الأساسية أمراً صعباً يتطلب الكثير من العناء، وربما كان مستحيلاً في أحيان أخرى، وصلت سياسته في التقشف إلى درجة تقنين الخبز، حيث تم تقدير حصة يومية لكل مواطن عليه أن يلتزم بها، وهذه الحصة تقدر بنصف رغيف !
وبالرغم من ان رومانيا غنية بالموارد خاصة الموارد الزراعية، إلا أن الشعب لم يشعر بها ولم يلمسها في يومه، فلم يكن بشعر بشيء سوى الحاجة، وذلك بسبب تصدير كافة الموارد الزراعية، وسط تجاهل تام لمتطلبات الشعب وحاجة الاستهلاك المحلي، كل هذا كان يحدث بحجة تسديد ديون رومانيا.
هذه الديون التي سببتها مشروعات البناء الضخمة التي قام بها تشاوشيسكو الذي غير ملامح بوخارست تماماً، ومن أبرز هذه المشروعات مبنى “بيت الشعب” الذي هدمت من أجله منازل كثيرة، ويعتبر ثاني أكبر مبني في العالم بعد البنتاغون، كما يعتبر أغلى مبنى إداري في العالم.
كان يمتلك تسعة وثلاثين فيلا فاخرة ويعيش ببذخ فاحش، بينما يعيش معظم شعبة تحت مستوى الفقر في ظل حكم شيوعي قمعي لا يرحم.وكان يمتلك تسع طائرات مجهزة كقصور طائرة وثلاثة قطارات خاصة به كبيوت متنقلة عبر أنحاء رومانيا.
كما كان تشاوشيسكو يبني النصب التذكارية الهائلة ويقيم الحفلات الباذخة لدائرته الضيقة، كان كثير من الرومانيين يعانون الجوع بسبب توزيع الطعام بنظام الحصص، ويتحملون صقيع الشتاء دون مواقد تدفئة.
وفي العقد الأخير من حكم نيكولاي تشاوشيسكو تدهورت علاقاته بالاتحاد السوفياتي، وبأوروبا، ثم ببقية دول العالم نتيجة تصرفاته التي كان يغلب عليها التبجّح والفوضى. 
وساهمت العزلة الدولية على رومانيا في تدهور الاقتصاد الروماني ما تسبب في حالة من الغضب الشعبي بشكل غير مسبوق، مما دفعه إلى الخروج إلى الشوارع وإعلان ثورة شعبية عارمة. 
وكانت البداية بخروج عدد من طلبة الجامعات في مظاهرات احتجاجية لم يسترح لمشاهدتها تشاوشيسكو، إذ اعتبرها تحديا شخصيا له، فأمر قوات الأمن الداخلي (سيكيوريتاتا) بالقيام بإطلاق النار على المتظاهرين؛ وكانت النتيجة قتل 20 طالبا.