كتاب المناظر من تأليف العالم ابن الهيثم (أبو علي محمد بن الحسن بن الحسن بن الهيثم البصري) وهو من أهم الكتب في تاريخ علم البصريات وتطوره، حيث وضع فيه أسس البصريات الفيزيائية الحديثة، وغير من طرق فهم الضوء والرؤية، وتبعاً لهذا الكتاب تم وصف ابن الهيثم بأبي الفيزياء الحديثة ومؤسس علم البصريات ورائد المنهج العلمي الحديث، ومؤسس الفيزياء التجريبية. والكتاب قام بتأليفه ما بين عامي 1011 و1021 م أثناء إقامته الجبرية في مصر، ويتناول البصريات والفيزياء والرياضيات وعلم النفس. وفيه استثمر خبرته الطبية، وتجاربه العلمية، فتوصل فيه إلى نتائج وضعته على قمة عالية في المجال العلمي، وصار بها أحد المؤسسين لعلوم غيّرت من نظرة العلماء لأمور كثيرة في هذا المجال حتى لقبه العلماء ( أمير النور ).و الجدير بالذكر أن بن الهيثم هو أوّل من توصّل إلى أن الإبصار ناتج عن انعكاس الضوء على العين.
والكتاب يحتوي على 7 مقالات، و ينقسم إلى قسمين كبيرين يختص أولهما بإشراق الأضواء ورؤية المبصرات على الاستقامة وهذا موضوع المقالات الثلاث الأولى ويختص ثانيهما بانعكاس الأضواء وانعطافها وما يترتب عليها من إدراك المبصرات في المرايا المختلفة الأشكال وفي الأجسام المشفة وهو موضوع المقالات الأربع الأخيرة.
لا يقل تأثير كتاب المناظر لابن الهيثم عن تأثير كتاب البصريات لإسحاق نيوتن الذي ظهر بعده بسبعمائة عام ويعد “الحسن بن الهيثم” المولود فى البصرة بالعراق عام 965م، أعظم فيزيائي عربي، فهو صاحب دور قوي ومؤثر تطوير علم البصريات، بالإضافة إلى إسهاماته فى العلوم الطبيعية والفلك والرياضيات والفلسفة. فقد أنشأ “ابن الهيثم” علم الضوء الحديث، الذي شرحه فى كتاب”المناظر”، وفيه وضع أسلوب التفكير العلمي المنهجي التجريبي، الذي تأثر به معظم العلماء من بعده مثل: ليوناردو دا فينشي، جاليلو جاليلي، ديكارت، روجر بيكون، إسحاق نيوتن.
نبذة عن الكتاب
وقصة تأليف كتاب ( المناظر) تبدأ عندما تلقى “ابن الهيثم” دعوة من الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي ليأتي إلى مصر، بعد أن وصله قول ابن الهيثم”لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملاً يحصل النفع فى كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان”، فلما تفقد “ابن الهيثم” مكان بناء السد أدرك صعوبة بنائه مع ضعف الإمكانيات، فادعى الجنون ليأمر الخليفة باحتجازه فى بيته فيظل فيه ما بين 1011-1021م، وخلال هذه الفترة بدأت فكرة هذا الكتاب تراود مخيلة”بن الهيثم”، مما يدل على حبه الشديد للعلم وشغفه لمعرفة خصائص الاشياء من حوله ودراستها بكل عزم وقوة.
واحتوى الكتاب على سبعة مجلدات هي: كيفية الإبصار بالجملة. وتفصيل المعاني التى يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها. واغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها. وكيفية إدراك البصر بالانعكاس عن الأجسام الثقيلة. ومواضيع الخيالات. وأغلاط البصر فيما يدركه الانعكاس وعللها. وكيفية إدراك البصر بالانعطاف من وراء الأجسام المشفة المخالفة لشفيف الهواء . فكما نرى من عناوين فصول الكتاب، فهو يناقش نظرية الرؤية، ووظائف العين فى الفصول الثلاثة الأولى، وفي باقي الفصول يناقش الفيزياء التقليدية للبصريات.
فقبل كتاب”المناظر” ومنذ القدم، كانت تسود نظريتان عن الإبصار وضعها اليونانيون، ومنها نظرية “إمبيدوكليس” الموضوعة فى القرن الخامس قبل الميلاد، والذي يقول فيها “إن الإبصار يحدث بسبب شعاع خاص ينبعث من العين يصطدم بالجسم مما يجعله واضحاً”، والتى عرفت باسم”نظرية الانبعاث”. وقد أضاف إليها “أفلاطون” إن العين تحتاج أيضاً شعاعاً خارجياً للإبصار، أما “أرسطوا” فقد خالفهما فقال إن الأجسام تحرك الهواء بينها وبين العين مما يسبب الرؤية، أو ما عرف باسم “نظرية الولوج” التي تقول إن الضوء يدخل العين من الخارج، وهذه النظرية كان يراها”إبيقور” التفسير الأنسب لعملية للإبصار.
وقد أيد إقليدس وبطليموس”نظرية الانبعاث”، على عكسهما رجح “ابن الكندى” العالم العربي نظرية تجمع ما بين نظرتي الانبعاث والولوج، لم يحسم هذا الخرف سوى”الحسن بن الهيثم” العالم الفذ، عندما نجح فى إثبات أن العين تبصر بواسطة انعكاس الأشعة من الأجسام على العين فترسم تلك الأشعة على الشبكية فتنتقل من خلال عصب الرؤية من الشبكية إلى الدماغ فتتكون الصورة المرئية للأجسام، وليس بواسطة شعاع ينبثق من العين إلى هذه الأجسام، وبذلك أبطل ابن الهيثم النظرية اليونانية لكل من أقليدس وبطليموس.
بالإضافة إلى شرح وتركيب العين ووضح أجزاءها بالرسوم وأعطاها أسماء أخذها عنه الغربيون وترجموها إلى لغاتهم، وما زالت مصطلحاته العلمية مستخدمة حتى الآن، ومنها الشبكية”Retin”، القرنية”Cornea”، السائل الزجاجي”Viteous Humour”، السائل المائي”Aqueous Humour”، بالإضافة إلى أبحاثة فى استخدام العدسات فى إصلاح عيوب إبصار العين.
وتظل تجربة”ابن الهيثم” فى الغرفة المظلمة التى استخدمها فى تجاربه البصرية، والتى شاهد فيها صورة الأشياء التى تظهر مقلوبة داخل هذه الغرفة فمهد من خلال هذه الغرفة الطريق إلى ابتكار آلة التصوير، من أهم ما ورد فى الكتاب. وبذلك قدّم ابن الهيثم أول وصف واضح وتحليل صحيح للكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب. على الرغم من أن أرسطو وثيون الإسكندري والكندي والفيلسوف الصيني موزي سبق لهم أن وصفوا الآثار المترتبة على مرور ضوء واحد عبر ثقب صغير، إلا أن أيًا منهم لم يذكر أن هذا الضوء سيُظهر على الشاشة صورة كل شيء في الجانب الآخر من تلك البؤرة. كان ابن الهيثم أول من شرح هذه التجربة مع مصباحه، فكان بذلك أول من نجح في مشروع نقل صورة من الخارج إلى شاشة داخلية كما في الكاميرا المظلمة التي اشتقّ الغرب اسمها من الكلمة العربية: “قُمرة”، عن طريق كلمة camera obscura اللاتينية،التي تعني “الغرفة المظلمة”.
نبذة عن الكاتب
أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (354 هـ/965م-430 هـ/1040م) عالم موسوعي مسلم قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك البصري والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي، وله العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث.
صحح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في ذلك الوقت اعتمادًا على نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس، فأثبت ابن الهيثم حقيقة أن الضوء يأتي من الأجسام إلى العين، وليس العكس كما كان يعتقد في تلك الفترة، وإليه ينسب مبادئ اختراع الكاميرا، وهو أول من شرّح العين تشريحًا كاملاً ووضح وظائف أعضائها، وهو أول من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار. كما أورد كتابه المناظر معادلة من الدرجة الرابعة حول انعكاس الضوء على المرايا الكروية، ما زالت تعرف باسم “مسألة ابن الهيثم”.
يعتبر ابن الهيثم المؤسس الأول لعلم المناظر ومن رواد المنهج العلمي، وهو أيضاً من أوائل الفيزيائيين التجريبيين الذين تعاملوا مع نتائج الرصد والتجارب فقط في محاولة تفسيرها رياضياً دون اللجوء لتجارب أخرى.
انتقل ابن الهيثم إلى القاهرة حيث عاش معظم حياته، وهناك ذكر أنه بعلمه بالرياضيات يمكنه تنظيم فيضانات النيل. عندئذ، أمره الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بتنفيذ أفكاره تلك. إلا أن ابن الهيثم صُدم سريعًا باستحالة تنفيذ أفكاره، وعدل عنها، وخوفًا على حياته إدعى الجنون، فأُجبر على الإقامة بمنزله. حينئذ، كرّس ابن الهيثم حياته لعمله العلمي حتى وفاته.
كيف غير ابن الهيثم مسار العلوم؟
1 - أدرك ابن الهيثم أن الضوء الداخل للعين لم يكن سوى الخطوة الأولى في عملية الرؤية، وبنى على عمل الطبيب اليوناني جالينوس الذي قدم وصفًا تفصيليًا للعين ومسار العصب البصري.
2 - من أهم أعمال ابن الهيثم أيضًا كان فهمه للدور الهام للتباين البصري، فعلى سبيل المثال، أدرك أن لون الشيء يعتمد على لون المنطقة المحيطة به، وأن تباين مستويات السطوع يوضح لماذا لا نستطيع أن نرى النجوم في أثناء النهار.
3 - درس ابن الهيثم العدسات، والمرايا المختلفة: المسطحة والكروية والمكافئة والأسطوانية والمقعرة والمحدبة، وكانت النتائج العملية واضحة:
4 - قال ابن الهيثم “تبدو الأشياء أكبر من حجمها الحقيقي إذا ما نظرنا إليها من خلال انكسار الضوء، أي عبر الماء أوا لزجاج”.
5 - بعد وفاته، كانت كتابات ابن الهيثم أكثر تأثيرًا باللاتينية منها بالعربية، العمل الوحيد الذي كتب بالعربية بناءً على أفكار ابن الهيثم، والذي يعتد به، كتبه كمال الدين الفارسي في أوائل القرن الرابع عشر.
6 - قام عالم الفلك البولندي يوهانس هيفليوس بتكريم ابن الهيثم وغاليليو، في عمله الأكثر شهرة عن سطح القمر، سيلينوغرافيا، الذى نشر في عام 1647، كما قام عالم الفلك البولندي يوهانس هيفليوس بتثمين مساهمة ابن الهيثم في علم البصريات، ويضع هيفليوس ابن الهيثم على قدم المساواة مع جاليليو في كتابه الذي رسم فيه سطح القمر كما رآه من خلال التلسكوب.
ظلت بعض المسائل التي أثارها ابن الهيثم بلا حل لألف سنة، إحدى المسائل كانت تسمى “مسألة ابن الهيثم” وقد قدم لها حلًا هندسيًا “إذا كان لدينا مصدر ضوء ومرآة كروية، أوجد النقطة على المرآة حيث سيتم انعكاس الضوء إلى عين الناظر”، حل ابن الهيثم هذه المسألة هندسيًا لكنها بقيت دون حل باستخدام أساليب الجبرية إلى أن تم حلها أخيرًا في عام 1997 من قبل عالم الرياضيات بيتر نيومان.
وحتى الآن، لا تزال هناك بعض الأسرار، فقد أكد ابن الهيثم أن الوهم البصري هو السبب في ظهور القمر كبيرًا جدًا عندما يكون منخفضًا في السماء بالقرب من الأفق بالمقارنة مع حجمه عندما يكون في أعلى السماء، ولا أحد يعرف حتى الآن لماذا يحدث هذا، هذه، وغيرها من المسائل، لم تحل بعد، لقد ترك لنا ابن الهيثم إرثًا من الألغاز لنحاول أن نحلها.
المصادر
1 - موقع المعرفة
2 - موقع ويكيبيديا
3 - موقع موضوع
4 - موقع نون بوست
5 - موقع اراجيك www.arageek.com