- التطورات الفكرية والتقدم العلمي يقتضيان أن نكون على وعي تام بمقتضيات العصر وإدراك كامل للمستويات الثقافية السائدة 
- عرض شبهات المستشرقين والرد عليها تفصيلياً بعيداً عن النزعات الهجومية يجعلان لهذا العمل العلمي أثره الإيجابي لدى المثقفين  
- المستشرقون طرقوا في دراستهم كل فروع العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي وركزوا على بعض القضايا الهامة التي تتصل بأصالة الدين الإسلامي 
- تشكيل مكتبة استشراقية تكون تحت أيدي الخبراء والعلماء الذين يشتركون في إعداد الموسوعة للرد على المستشرقين 

 
في هذا العدد نستكمل نشر كتاب “ “الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري” لوزير الاوقاف المصري الاسبق الدكتور محمود حمدي زقزوق :
  
[1] موسوعة الرد على المستشرقين .. 
إن المواجهة الفكرية الجادة ـ كما سبق أن أشرنا ـ هي الطريق الصحيح لمجابهة أية تيارات مناوئة للإسلام والمسلمين، ومن أجل ذلك ينبغي علينا أن ننظر إلى حركة الاستشراق بكل جدية، ونأخذ في الحسبان أن لها آثاراً كبيرة على قطاعات عريضة من المثقفين في العالم الإسلامي وفي العالم الغربي على السواء . ولهذا لا بد من التوفر على دراسة الاستشراق دراسة عميقة . ولا يكفي أن نقول : إن ما يكتبونه كلام فارغ. فهذا الكلام الفارغ مكتوب بشتي اللغات الحية ومنتشر انتشارا واسعاً على المستوى العالمي. ومواجهته لا بد أن تكون على المستوى العالمي نفسه، وبالكلام ( المليان ) على حد تعبير الدكتور حسين مؤنس. وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نشير هنا إلى أحد المشاريع المتعلقة بهذا الموضوع وما أكثر مشروعاتنا. وما أكثر ما لدينا من نوايا طيبة . ولكن الذي ينقصنا هو ترجمة المشروعات إلى واقع ملموس وتحويل النوايا الطيبة إلى إرادة للعمل المثمر الذي يثبت أركان الشخصية الإسلامية، ويحفظ ما لها من مقدسات ويرد عنها الأعداء ويسير بها نحو البناء الحضاري السليم . 
 
لقد دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في القاهرة في نهاية عام 1979م إلى ندوة لمناقشة موضوع إعداد ( موسوعة للرد على المستشرقين ) . وقد حضر الندوة عدد يزيد على العشرين من العلماء والمفكرين المهتمين بهذا الموضوع. وقد تشرفت بأن كنت مقرراً لهذه الندوة التي عقدت جلساتها على مدى ثلاثة أيام .  وفي ختام الندوة قمت بإعداد تقرير ختامي عن المنهج العلمي الواجب اتباعه في إعداد هذه الموسوعة. وذلك على ضوء المناقشات التي دارت في الندوة. وتم تسليم التقرير في حينه إلى المسؤولين عن الندوة المذكورة. وقضي الأمر ونامت الفكرة. ولعل ذلك يرجع إلى الظروف السياسية التي سادت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة .
 
وفيما يلي أورد هنا نص هذا التقرير تذكرة وعبرة . فقد يوفق الله من يشاء من عبادة ـ ممن تتوفر لديهم الحماسة الكافية والقدرة على التنفيذ ـ إلى العمل على تحريك مثل هذا المشروع وغيره من مشروعات علمية نافعة لترى النور حتى تستطيع هي بدورها أن تنير للمدلجين وتهدي الحائرين. وإليك التقرير المذكور:
تقرير حول المنهج العلمي الواجب اتباعه في إعداد موسوعة الرد على المستشرقين : 
 
 
(أ) أسلوب التناول : 
1 - إن التطورات الفكرية في عالم اليوم والتقدم العلمي العظيم الذي حققه الإنسان في العصر الحاضر في مختلف المجالات يقتضي أن نكون في معالجتنا للقضايا التي أثارها الفكر الاستشراقي على وعي تام بمقتضيات العصر وإدراك كامل للمستويات الثقافية السائدة . 
 
ومن أجل ذلك، ونظراً لأن هذه الموسوعة تخاطب جمهرة المثقفين الذين أتيح لهم الاطلاع على شبهات المستشرقين ـ ينبغي أن يكون تناولنا للموضوعات التي تشتمل عليها الموسوعة الإسلامية المقترحة تناولاً موضوعياً مدعماً بالحقائق والشواهد التاريخية والبراهين العقلية ، وكذلك بالأسانيد الدينية فيما يتعلق بالعلوم النقلية التي يعترف المستشرقون بالمناهج التي استخدمت فيها. 
 
2 - يتطلب الرد على الشبهات والطعون التي أثارها المستشرقون عرض هذه الشبهات والرد عليها تفصيلياً بعيداً عن النزعات الهجومية حتى يكون لهذا العمل العلمي أثره الإيجابي لدى المثقفين من كل الطبقات من المسلمين وغير المسلمين. وحتى يكون دافعاً للمستشرقين إلى إعادة النظر في أقوالهم وعوناً لهم على تصحيح اتجاهاتهم حول الإسلام وتاريخه وحضارته. وفي النهاية يكون هذا العمل العلمي بمثابة تعريف بالإسلام لكل راغب في التعرف عليه. 
 
 
3 -ينبغي أن تقتصر هذه الموسوعة على الموضوعات التي كانت مثار أخذ ورد وجدل لدى المستشرقين ، وبصفة أساسية في القرنين التاسع عشر والعشرين. 
ومن أجل ذلك فليس هناك ما يدعو للحديث عن موضوعات لم يتطرق المستشرقون للخوض فيها بالرفض أو بالقبول إذ ليس الهدف هنا هو التاريخ الكامل للحضارة الإسلامية . 
 
4 - من المعروف أن المستشرقين لا يشكلون اتجاهاً واحداً في كل المسائل الإسلامية التي تعرضوا لها .. فهناك مسائل يختلفون فيها بين مؤيد ومعارض، ولذلك ينبغي إبراز ردود المستشرقين على بعضهم الآخر بصدد بعض الشبهات التي أثاروها حول الإسلام والحضارة الإسلامية . 
 
5 - ينبغي أن تصدر الموسوعة بدراسة عن الاستشراق بوجه عام على أن تبين هذه الدراسة أهداف الاستشراق ومناهجه والأسباب التي دعت إلى الدراسات الاستشراقية وأدت إلى إثارة الطعون والشبهات حول الإسلام وتاريخه وحضارته. 
 
 
(ب‌) فروع العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي : 
لقد طرق المستشرقون في دراستهم كل فروع العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي بصفة عامة وركزوا على بعض القضايا الهامة التي تتصل بأصالة الدين الإسلامي وأصالة الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية، ويمكن تقسيم المجالات العلمية التي ستكون محوراً للتناول في هذه الموسوعة إلى مجالين رئيسين يندرج تحتهما فروع مختلفة على النحو التالي:
أولاً : علوم دينية وتشمل دراسات المستشرقين حول الدين الإسلامي بصفة عامة، وحول القرآن الكريم بصفة خاصة مع العناية بدراسة الترجمات المختلفة التي قاموا بها للقرآن الكريم، وتقويم هذه الترجمات. وتشمل كذلك الدراسات المتعلقة بالتفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه والفقه الإسلامي، وعلم الكلام والتصوف وأصول الفقه. مع الاهتمام بتقويم مناهج المستشرقين في هذه الدراسات ووضعها في ميزان النقد العلمي وبيان ملاءمتها أوعدم ملاءمتها لهذه الدراسات . 
ثانياً: علوم إنسانية وتشمل علوم الفلسفة واللغة وعلومها والأدب وتاريخه والنقد الأدبي والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والجغرافيا والعمارة والفنون الإسلامية، كما تشمل أيضاً الحساب والجبر والهندسة والفلك وعلوم الكيمياء والفنون والطب والصيدلة والنبات والحيوان. مع الاهتمام بإبراز مدى أصالة المسلمين وإبداعهم في كل هذه المجالات ومدى ما أسهموا به وقدموه للحضارة الإنسانية . 
 
 
(ج) خطوات تحضير المادة ومراحلها : 
1 - يجب في البداية القيام بحصر شامل لكتابات المستشرقين عن المجالات سالفة الذكر في القرنين التاسع عشر والعشرين بصفة أساسية باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية والروسية، ويشمل هذا الحصر الكتب والمجلات والدوريات .. الخ . 
 
والقيام بعملية حصر هذه الأعمال الاستشراقية يحتاج على الأقل إلى خبير، وعدد من المساعدين في مجال كل لغة من هذه اللغات الست . على أن يستعان في هذا الحصر أيضاً بالمتخصصين في المجال الاستشراقي ممن اعتنقوا الإسلام في أوروبا وغيرها . 
 
2 - لا بد من توفير كل الأعمال الاستشراقية المشار إليها عن طريق الشراء إذاكانت متوفرة أوعن طريق التصوير إذا لم يمكن شراؤها . وتشكل هذه الأعمال مكتبة استشراقية تكون تحت أيدي الخبراء والعلماء الذين يشتركون في إعداد الموسوعة.
 
3 - يقوم جهاز متعاون من الخبراء في اللغات الست المشار إليها بتحضيرالمادة وتصنيف الموضوعات وضم المادة التي يتكرر الحديث عنها في لغات مختلفة تحت موضوع واحد حتى يتم الرد عليها جملة واحدة .
4 - تقدم المادة للعلماء الذين سيقومون بإعداد الردود العلمية. ويراعى عند تقديمهذه المادة لهم أن تترجم لهم الأفكار الأساسية للقضايا المطلوب الكتابة فيهامن اللغات التي لا يجيدون القراءة بها حتى يكون لديهم تصور شامل لكل ما قيل حول القضية المطروحة وحتى يغطي التناول للموضوع وجهات النظر التي قيلت فيه . 
 
(د‌) الإعداد والتحرير: 
1 - يحتاج هذا العمل الموسوعي الضخم إلى عدد كبير من العلماء المسلمين في التخصصات المختلفة يطلب منهم الكتابة في موضوعات محددة حسب المادة التي تقدم إليهم، كل في مجال تخصصه، على أن يكون الرد فيها وافياً بعيداً عن التطويل الممل أو الإيجاز المخل، وطبيعة الموضوعات هي التي ستحدد حجم الردود المطلوبة، وتوضح خطة زمنية أقصاها ستة اشهر لوصول الرد . 
2 - يتم تحرير الموضوعات باللغة العربية وفي الحالات التي لا يجيد فيها أحدالعلماء المسلمين اللغة العربية يمكن الكتابة بإحدى اللغات الأجنبية على أن يتم ترجمة الموضوع إلى اللغة العربية فور وصوله . 
 
(هـ) المراجعة والتدقيق : 
عند وصول رد من الردود يحال إلى لجنة مختصة بالمراجعة والتدقيق تنحصر مهمتها في فحص الرد من جميع جوانبه الدينية والعلمية والتاريخية.. الخ. ومدى وفائه بالغرض المطلوب وهو استيعابه التام للرد على الشبهة المراد الرد عليها وتفنيد حججها بالأدلة الدامغة 
 
(و‌) التوزيع المحدود : 
عندما تعتمد لجنة المراجعة رداً من الردود يتم تصويره، ويوزع توزيعاً محدوداً على مجموعة من العلماء المتخصصين على مستوى الوطن الإسلامي لإقراره واعتماده اعتماداً نهائياً أو بيان ما قد يكون هناك عليه من ملاحظات لمراعاتها وأخذها بعين الاعتبار . 
 
(ز) الطباعة والنشر والترجمة : 
بعد مرحلة التوزيع المحدود واعتماد الرد اعتماداً نهائياً يتم إعداده للطباعة في إطار مجال من مجالات فروع العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي السابق الإشارة إليها، وفي الوقت نفسه تبدأ مجموعة من الخبراء في ترجمته إلى اللغات الأجنبية الست التي سبقت الإشارة إليها. ويمكن أن يتم النشر في وقت واحد باللغة العربية وهذه اللغات الأجنبية . ولعل في ذلك فائدة أكثر ونفعاً أعم . 
وبذلك تنشر الموسوعة على مراحل حسب العمل الذي يتم إنجازه، مع مراعاة ضم قضايا المجال الواحد معاً لتشكل وحدة متكاملة يمكن أن تأخذ صورة كتاب في موضوع معين. وعندما يتم الانتهاء من الموسوعة يمكن إعادة طبعها مرة أخرى في صورة مكتملة .
ولتمام الفائدة وسرعة العثور على الموضوع المطلوب في الموسوعة لا بد من القيام بعمل كشاف في نهاية الموسوعة يضم فهرساً موضوعياً وفهرساً للأعلام . 
الهيئة العلمية للمشروع .. 
1 - يتطلب هذا المشروع الكبيرـ الذي يقدم للجيل المعاصر والأجيال القادمة أهم خدمة علمية في بداية القرن الخامس عشر الهجري ـ عدداً لا يقل عن مائة من العلماء المتخصصين في شتى مجالات الفكر الإسلامي على مستوى العالم الإسلامي من أصحاب الكفايات العلمية الممتازة يقومون بمهمة الإعداد والتحرير لموضوعات الموسوعة .
2 - تقوم لجنة علمية دائمة بمهمة الإشراف والمراجعة. وتكون ـ بالتعاون مع الأمانة الفنية ـ مختصة بالاتصال بالعلماء الذين سيشاركون في كتابة الموسوعة في شتى أنحاء الوطن الإسلامي، وتقديم المادة العلمية لهم وتلقي ردودهم عليها، وتقوم هذه اللجنة بمراجعة الردود التي تصل إليها مراجعة دقيقة يتم بعدها توزيعها توزيعاً محدوداً على مجموعة من العلماء لمراجعتها مراجعة نهائية واعتمادها حتى تكون معدة للطبع . 
وتقوم اللجنة العلمية الدائمة أيضاً بمهمة تبويب موضوعات الموسوعة وتحديد فصولها لتكن معدة للطبع بصورة نهائية متكاملة. 
ويتطلب العمل في هذه اللجنة تفرغاً كاملاً لعدد لا يقل عن اثني عشر من العلماء المتخصصين في مختلف مجالات الفكر الإسلامي . 
ومن المفيد أن يكون هناك تكامل بين أعضاء هذه اللجنة من حيث الخبرة بمعرفة اللغات الأجنبية الست المشار إليها . ولهذه اللجنة أن تستعين بمن ترى الاستعانة بهم من العلماء المتخصصين . 
3 - يكون هناك مجلس للأمناء يضم اللجنة العلمية الدائمة والأمانة الفنية والأمانة المالية ويقوم هذا المجلس بالتنسيق بين الأجهزة المختلفة المشرفة على المشروع . ويجتمع هذا المجلس مرة واحدة كل ستة أشهر لدراسة تقرير شامل يقدم إليه عن سير العمل في المشروع ومدى التقدم فيه ووضع الحلول لما قد يكون هناك من مشكلات تعوق سير التنفيذ.. والله ولي التوفيق . ( انتهى التقرير) .