يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح. 
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط»  سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة.
وفي هذه الحلقة سنتوقف مع سيرة الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرشيد.

- استحوذ حب العلم على قلبه فشد الرحال إلى «الزبير» طلبا للعلم
- سافر إلى الأحساء 1906م لطلب العلم على يد شيوخ أجلاء ولم يتجاوز عمره 19 عاماً
- وظف علمه وفطنته في الدعوة للعلم وإنشاء المدارس وحب الخير

المولد والنشأة

هو عبد العزيز بن أحمد بن رشيد بن ابداح ولد في الكويت عام 1305هـ وكان والده رجلا متدينا، فقد بدأ في تربيته تربية دينية تقليدية، ولما بلغ عامه السادس سلمه والده إلى الملا زكريا الأنصاري الذي كان يستقبل تلاميذه في مدرسة صغيرة يعلمهم القرآن الكريم، وقد كان الطالب عبد العزيز ذكيا مقبلا على العلم فتخرج في هذه المدرسة وقد حفظ كتاب الله وتعلم مبادئ الكتابة والحساب.
انضم بعد ذلك إلى والده يساعده في التجارة إلا أن العلم كان شغله الشاغل وقد طلب من والده أن يلحقه بمجلس الشيخ الجليل عبد الله بن خلف بن دحيان، فانضم إلى هذا المجلس وعمره أربعة عشر عاما، ثم راودته نفسه أن يرحل إلى الزبير للتزود بالعلم والمعرفة بعد أن سمع من أستاذه عبد الله بن خلف عن علماء الزبير وغزارة علمهم. استحوذ حب العلم على قلبه فشد الرحال إلى «الزبير» طلبا للعلم، وهناك التقى بالشيخ محمد بن عبد الله العوجان مدرس الفقه الحنبلي، ولم يتردد الشيخ العوجان في قبوله ضمن تلاميذه في مدرسة «الزبير» التي كان مقرها مسجد الباطن في الزبير.
أمضى عبد العزيز الرشيد عاما في «الزبير» وتعلم فيها على يد أستاذه العوجان أصول الفقه والنحو والتجويد، ثم رجع إلى الكويت عام 1903م بعد رحلة مفيدة وفرح والده برجوعه، ورغبة منه في استقرار ولده زوجه من «ساره» ابنة يعقوب بو حمره ولكن لم تمض أسابيع على زواجه حتى فاجأ والده برغبته في العودة لطلب العلم.
 

رحلته إلى الأحساء

سافر إلى الأحساء 1906م لطلب العلم على يد شيوخ أجلاء وكان عمره لا يتجاوز تسعة عشر عاما وهناك قرأ على شيوخها ألفية ابن مالك ورسالة التصوف وقد تردد عليها أكثر من مرة.
 

رحلته إلى بغداد

في عام 1911م ذهب إلى بغداد ودرس على يد الشيخ محمود شكري الألوسي وأخيه علاء الدين وهناك ألف أول رسالة بعنوان: «تحذير المسلمين من اتباع غير سبيل المؤمنين» وقام بطبع هذه الرسالة في مطبعة دار السلام «بغداد» عام 1321 هـ - 1911م.
 

رحلته إلى المدينة المنورة

سافر إلى المدينة المنورة بعد أن أدى فريضة الحج عام 1330هـ ولقد رغب أهل المدينة المنورة في أن يجعلوه قاضيا عندهم ولكن وجود منافس من أهل المدينة حال بينهم وبين ما كانوا يشتهون غير أنهم استطاعوا أن يجعلوه مدرسا في الحرم النبوي الشريف.
 

أوجه الإحسان في حياته

في الوقت الذي جاب فيه الشيخ عبد العزيز الرشيد بلادا كثيرة طلبا للعلم والمعرفة كان أكثر الناس يغطون في الجهل في عصر ندر فيه العلم والعلماء، وبما تمتع به من فطنة وبعد نظر وقدرة فائقة على الخطابة وظف علمه وفطنته في الدعوة للعلم وإنشاء المدارس وحب الخبر فكان بحق هبة الله للكويت وأهلها.
 

في مجال التعليم

بعد عودته من رحلاته المتكررة عمل إماما لمسجد النبهان «فريج عليوه» وانضم الشيخ عبد العزيز الرشيد إلى هيئة التدريس في مدرسة المباركية عام 1917م ثم عين مديرا لها، ثم انضم إلى عبد الملك الصالح للتدريس في المدرسة العامرية التي افتتحها عام 1919م التي كانت النواة الأولى للمدرسة الأحمدية.
 

مدرسة الأحمدية

عندما اختلفت الآراء حول إدخال العلوم العصرية كالتاريخ والجغرافيا واللغة الإنجليزية على مناهج الدراسة بالمباركية، استقر الرأي أخيرا على الاقتراح الذي عرضه الشيخ عبد العزيز الرشيد وذلك بافتتاح مدرسة جديدة في ديوان السيد خلف باشا النقيب عندما اجتمع الشيخ يوسف بن عيسى مع أعيان الكويت، وبدأ الاكتتاب لها في الحال وتم جمع التبرعات لإنشائها، وافتتحت المدرسة في عام 1304هـ وأطلق عليها اسم «المدرسة الأحمدية» تيمنا باسم الشيخ أحمد الجابر الذي رأت النور في عهده، وتبرع الشيخ عبد العزيز الرشيد بتدريس الفقه والنحو والصرف في الأحمدية، فلم يكن يتقاضى راتبا شهريا لقاء ذلك.
 

محاربته للجهل والخزعبلات

قاد مع مصلح الكويت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي معركة التجديد في العلم ومحاربة «الخزعبلات» حيث عانيا الكثير في سبيل ذلك ممن لا يريدون التطور في العلم ولا يعترفون بالعلوم الحديثة فلا يؤمنون مثلا: بأن الأرض كروية أو أن المطر أصله بخار الماء.. وغير ذلك من هذه العلوم الحديثة التي كانوا لا يؤمنون بها ويحاربون كي لا يتعلمها أبناؤهم بالمدارس، ولم يتوان الشيخ عبد العزيز الرشيد لحظة في إزاحة هذا الجدار المظلم أمام عقول الناس، إذ اعتبر ذلك رسالة وأمانة يجب أن تؤدي جهادا في سبيل الله، فألف رسالة بهذا الخصوص أسماها: «الهيئة والإسلام».
في المجال الأدبي والاجتماعي
لقد ساهم الشيخ عبد العزيز الرشيد في إنشاء النادي الأدبي في الكويت, وكان يدرس فيه اللغة العربية والأخلاق والفقه، وألقى فيه أول محاضرة وفي مناسبات عديدة في هذا النادي الأدبي ألقى مرتجلا عدة محاضرات كانت شاهدا على مقدرته الخطابية، كما ساهم في تأسيس المكتبة الأهلية التي دعا إليها الشيخ يوسف بن عيسى القناعي وزملاؤه سنة 1340هـ.
كما ساهم في تشجيع وإعداد الطلاب الذين اختارتهم الجمعية الخيرية لإرسالهم إلى الدول العربية في بعثات علمية.
الصحافة لنشر الوعي الإسلامي
كان الشيخ عبد العزيز الرشيد مؤمنا بدور الصحافة في نشر العلم وزيادة الوعي الإسلامي وبث الثقافة وتنوير المجتمع، لذلك أصدر أول مجلة في الكويت تحمل اسم «الكويت» سنة 1928م ثم أصدر مجلة «الكويت والعراقي» في سبتمبر عام 1931م في جاوة «أندونيسيا حاليا» بالاشتراك مع السائح العراقي السيد يونس بحري، كما أصدر مجلة «التوحيد» التي صدر عددها الأول في مارس عام 1933م، ولقد استمرت هذه المجلة حتى 15 ديسبمر 1933 حيث صدر منها أحد عشر عددا.
 

في مجال الشورى

كان الشيخ عبد العزيز الرشيد أحد أعضاء مجلس الشورى الذي تأسس في شهر مايوعام 1921م في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح وكان المجلس يضم اثني عشر عضوا من أعيان الكويت وكانت مهمة المجلس النظر في شؤون الناس ومساعدة الحاكم على إدارة حكم البلاد.
 

مؤلفاته

رسالة «تحذير المسلمين من اتباع غير سبيل المؤمنين».
المحاورة الإصلاحية قام بتمثيلها طلاب المدرسة الأحمدية سنة 1344هـ.
«تاريخ الكويت» في جزئين سنة 1926م.- رسالة «الدلائل البينات في حكم تعليم اللغات».
«الهيئة والإسلام» حشد فيها كثيرا من البراهين على ما تعتقده العامة مخالفا للدين ككروية الأرض وحركتها.
النصائح الكافية فيمن يتولى معاوية «وهو رد على كتاب ابن عقيل الحضرمي».
تحقيق الطلب في رد تحفة العرب.
والمؤلفات الثلاث الأخيرة مخطوطات لم تطبع.
 

قالوا عنه

يقول الشيخ عبد الله النوري في كتابه خالدون في تاريخ الكويت: كان لا يرده عن عزمه شيء، كتوما لسره خفيض الصوت، كان حماسه للعلم يدفعه لأن يفعل المستحيل كان قوي الشخصية شجاعا، وكان خطيبا له قدرة فائقة على ارتجال ما يقوله من خطب:الأديب عبد الله المزروعي كتب في جريدة الفتح تحت عنوان الفقيد الغالي عبد العزيز الرشيد يقول: وفقدنا في شخصه الشهامة والنبل والعلم والفضل وإن الخسارة فيه لا تعوض..
جريدة أم القرى الحجازية الصادرة في 29 صفر 1357 هـ 29 أبريل 1938م كتبت تقول:
المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد.. معروف في هذه البلاد لمواقفه النبيلة في قضايا التعليم ومطاردة الجهل.
 

وفاته

توفي الشيخ عبد العزيز الرشيد في «جاكرتا» عاصمة إندونيسيا في يوم الثالث من شهر ذي الحجة 1356هـ الموافق الثالث من شهر فبراير 1938م ودفن هناك في مقبرة العرب، طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه.