ساهم تأسيس الحكومة الكويتية عام 1939 أول شركة لنقل المياه في سد حاجة الكويتيين من المياه العذبة قديما وأدى إلى تنظيم عملية النقل وتوزيع مياه الشرب على المواطنين بإشراف حكومي لاسيما بعد أن تفاقمت أزمة المياه في تلك الفترة.وتم تعيين المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح رئيسا للشركة وتوظيف نواخذه وبحارة لتسيير سفن الشركة وموظفين لتسلم قيمة المياه المبيعة وكان يطلق على الواحد منهم لقب (كراني).وقال الباحث في التراث الكويتي محمد جمال في كتابه (الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت) إنه تمت صناعة حوالي 20 (بوما) محليا - سفينة خشبية كبيرة - لنقل الماء لحساب الشركة حيث تراوحت سعة البوم الواحد ما بين 2500 إلى 4500 (تنكة) - علبة من معدن الصفيح سعتها 4 غالونات ماء.وأضاف جمال أن الحكومة قامت ببناء ثلاث برك كبيرة في ثلاث مناطق هي (نقعة الشملان) في منطقة الشرق و(نقعة الغنيم) الواقعة قرب (قصر السيف) و (نقعة ثنيان) في منطقة القبلة لتخزين المياه فيها حيث بلغت طاقة التخزين للخزانات الثلاثة 8500 غالون.وأشار إلى أنه تم تمديد أنابيب كبيرة من مناطق رسو (أبوام الماء) في النقع إلى تلك البرك الثلاث ليتم إيصال الماء إليها بواسطة مضخات ماصة وكابسة وضعت في عدد من سفن (الجالبوت) الصغيرة التي كانت تقف قرب الأبوام لسحب الماء منها إلى البرك كما تم تركيب حنفيات للبرك ليستخدمها (الحمارة) و (الكنادرة) لملء قربهم وتنكهم ثم يتوجهوا بعد ذلك إلى موظف الشركة لدفع قيمة الماء.وأكد جمال أن البلدية أدت دورا مهما آنذاك في تنظيم عملية توزيع المياه والإشراف عليها إذ تم تأسيس لجنة من البلدية والشركة لتحديد أجور نقل الماء بواسطة (الحمارة) و(الكندرية).وبين أن البلدية اهتمت أيضا بنظافة مياه الشرب وفرضت على نواخذة أبوام الماء تنظيف التوانكي بعد تفريغها من الماء ومنع الحماره والكنادرة من الغرف مباشرة من التوانكي أو النزول بداخلها لملء قربهم بالماء كما كان يحصل سابقا مما يؤدي إلى تلوث المياه.وأشار إلى أن البلدية حددت لشركة المياه سعر البيع بما لا يزيد عن بيزتين (نصف آنة) للتنكة الواحدة موضحا أن تأسيس شركة الماء وبناء البرك ساعد في تنظيم عملية بيع الماء والتخفيف من حدة الازدحام عليه وتجنب النقص في توافر المياه الذي كان يحدث في كثير من الأحيان.وأضاف أن إنشاء شركة للمياه خلق منافسة شديدة مع أصحاب أبوام الماء لاسيما أن الشركة خفضت سعر بيع الماء مما نتج عنه تضرر أصحاب الأبوام واضطرار معظمهم لبيعها فيما بعد على الشركة إذ إن عدد السفن التي امتلكتها الشركة عام 1946 بلغ 34 سفينة وبلغ معدل المياه العذبة التي تصل الى الكويت من شط العرب يوميا قرابة 80000 غالون.وقال جمال إن ارتفاع عدد السفن المملوكة لشركة الماء جعل الكثير من النواخذة والبحرية ينضمون إلى العمل لدى الشركة في فترات لاحقة إذ كانت الشركة تدفع أجرة النواخذة خمس روبيات والبحار روبيتين ونصف للرحلة الواحدة تمت زيادتها فيما بعد لتصل إلى ضعفي هذه المبالغ في بداية الخمسينيات.وأضاف أن السفينة (بوم الماء) كانت تقوم بما متوسطه 16 رحلة في الشهر أثناء فترة الصيف بينما لا تتعدى رحلتين في الشهر أثناء فصل الشتاء نظرا لقلة الطلب على الماء وتقلبات الأحوال الجوية.وحول عملية تنظيف خزانات المياه التي كانت على ظهر سفن البوم أوضح جمال أن هذا العمل كان يتم في فصل الشتاء إذ يتولى العمال إخراج الخزانات من السفينة بعد عملية (تركيس) أي تغطيس السفينة في البحر وامتلائها بالماء مما ينتج عنه طفو الخزانات الخالية من الماء على سطح البحر فيتم سحبها إلى الساحل لتنظيفها وإصلاح أي أعطاب قد تكون أصابتها أثناء العمل.واضاف ان شركة نقل المياه استمرت في العمل إلى عام 1950 عندما تم بناء أول محطة لتقطير مياه البحر فتمت تصفيتها وإعادة أموال المساهمين إليهم بعد بيع السفن على نواخذة (القطاعة) الذين استخدموها لنقل البضائع لموانئ الخليج.وعلى صعيد متصل اوضح جمال أن مهنة نقل المياه وبيعها في الماضي قبل تأسيس شركة الماء كان لها سوق خاص عرف ب (سوق الماء) ويقع في الناحية الشمالية الشرقية من (ساحة الصرافين) قرب مدخل (سوق ابن دعيج).وأضاف ان الكويتيين كانوا يعتمدون لسد حاجتهم من المياه العذبة على الآبار الموجودة في عدد من مناطق الكويت حيث كان عدد من العاملين في هذا المجال مثل (الحمارة) و(الكندري) يقومون بنقل المياه من مصادرها الى البيوت والأسواق.وأوضح أن (الحمارة) كانوا يقفون بجانب حميرهم في تلك الساحة وعلى ظهورها قرب الماء انتظارا للمشترين الذين كانوا يشترون الماء من هناك لأخذه لبيوتهم في طريق العودة من السوق.وبين أن مياه الأمطار على ندرتها كانت تمثل مصدرا مساعدا للحصول على الماء قديما بجانب الآبار وذلك من خلال (الخباري) وهي -حفر تصنع لجمع مياه الأمطار فيها - والتي كانت تتكون بعد الأمطار الغزيرة حيث كان الحمارة يجلبون الماء من تلك الخباري كما كان الأهالي يستخدمون قماشا من نوع الطربال لجمع مياه الأمطار التي تهطل على منازلهم وتصفيتها ثم تخزينها للاستخدام إضافة إلى استغلالهم الآبار قليلة الملوحة في بيوتهم لأمور التنظيف وغسل الملابس والأواني وغيرها من الاستخدامات.وأشار إلى أن المياه العذبة كانت تجلب قديما إلى الكويت من شط العرب بواسطة السفن الشراعية لتوضع في خزانات كبيرة تعرف باسم (الفناطيس).