كان والده الشيخ طه مرسي الفشني تاجر أقمشة من ميسوري الحال اختار لابنه ان يكمل تعليمه بعد أن دخل الكتاب وحفظ القرآن وعمره10 سنوات وقبل ان يصل عمره للعشرين اكمل تعليمه وحصل علي مدرسة المعلمين وفي دراسته في تلك المدرسة .اكتشف عذوبه صوت الشيخ طه الفشني ناظر المدرسة واسند إليه القراءة اليومية للقرآن في الطابور وحفلات المدرسة ولكن لم يكن حتي ذلك الوقت يعد الشيخ الفشني عذوبه صوته في التلاوة القرآنية خاصة أن طموح والده كان أن يكمل ابنه دراسة القضاء الشرعي وبالفعل ذهب الشيخ طه الفشني إلي القاهرة للالتحاق بمدرسة القضاء الشرعي الا ان ثورة19 كانت مشتعلة, والأحداث حالت دون استقراره في القاهرة فعاد مرة أخري إلي بلده الفشن وان كان اختار طريقه فذهب يحيي السهرات في المأتم كقاريء للقرآن في بلدته والقري المجاورة له.
وبدأ يأخذ سمعه أنه قاريء للقرآن الكريم ولكنه لم يكن مضطرا في الاستمرار في القراءة للقرآن خاصة أنه من أسرة ميسورة الحال وكان شيئا ما يجذبه ناحية القاهرة عندما لم يتمكن في المرة الأولي عندما حضر اليها من ان يلتحق بمدرسة القضاء الشرعي عاد ولكن كان منظر حي الحسين في خاطره.
ولذلك كان شيء يناديه في القاهرة وسافر اليها مرة أخري ليلتحق بالأزهر هذه المرة وغرضه ان يتعلم فنون القراءات خاصة انه وجد نفسه وصوته يتجه به لذلك وحصل بالفعل علي اجادة علم القراءات علي يد الشيخ عبد الحميد السحار واتقن علوم التجويد, وكأن وجوده في القاهرة حوله لشيء آخر فاثناء دراسته في الأزهر اخذه حي الحسين بعد أن اتخذه مسكنا له وكان قريبا منه في السكن الشيخ علي محمود ملك التواشيح الدينية وكان للشيخ علي محمود فرقة تواشيح خاصة فعرض علي الشيخ طه الفشني ان ينضم لبطانته.
وفي هذه الفترة كانت فرصة جيدة ان يتعلم الشيخ طه الفشني الطرب خاصة ان الشيخ علي محمود يعد مدرسة الطرب المصري فعلي يديه تعلم محمد عبدالوهاب الموسيقا وعلي يديه ايضا دخل الشيخ طه الفشني فن التواشيح والمديح وكان زميل الشيخ طه الفشني في فرقةالشيخ علي محمود الملحن زكريا أحمد. ولكن طريق الشيخ الفشني كان مختلف ففي أحد الليالي بحي الحسين عام1937 كان في حفلة ضخمة وكان يحضرها سعيد باشا لطفي رئيس الإذاعة المصرية وكانت علاقة خاصة تجمع بين الشيخ علي محمود والشيخ طه الفشني لانه يعتبره تلميذه وامتدادا له وأعطي الشيخ علي محمود الفرصة للشيخ طه الفشني ان يقرأ أمام رئيس الإذاعة وأعطي الشيخ علي محمود مقعده للشيخ طه وبدأ يقرأ القرآن
وكان يوم تجل للشيخ طه وغرد فيه بشكل غير طبيعي لدرجة ابهرت سعيد باشا لطفي رئيس الإذاعة وبعد أن انهي الشيخ طه القراءة استدعاه رئيس الإذاعة وقال له ياشيخ طه بكره لازم تكون عندنا في الإذاعة المصرية, وصوتك لازم يأخذ فرصته ويستمع له الناس في كل بر مصر وفي اليوم التالي ذهب الشيخ طه الفشني للإذاعة واجري أختبارا والتحق بالإذاعة المصرية سنة37 وقدرت لجنة الاستماع صوته بأنه قاريء من الدرجة الأولي الممتازة وكان مخصصا له قراءة ساعة الا ربع في المساء في الإذاعة المصرية.
وكان دخول الشيخ طه الفشني الإذاعة فرصة مهمة لانه بدأ اسمه ينتشر وتذاع قرءاته في كل مكان في بر مصر نتيجة عمله بالإذاعة خاصة أن بعدها بفترة حانت له فرصة ان يلازم الشيخ مصطفي إسماعيل في السهرة الرمضانية في السرايا الملكية عند الملك فاروق وعن تلك الفترة التي لازم الشيخ مصطفي إسماعيل كانت تجمع بيننا علاقة خاصة تأثرت به كثيرا لان الشيخ مصطفي إسماعيل مدرسة خاصة وكان الشيخ مصطفي إسماعيل يحرص علي ان يصطحب الشيخ طه معه في كل مكان ليقرأ سويا وكان دخول الشيخ طه الفشني في القراءة في القصر الملكي بمثابة اعتراف بأنه احد رموز القراء, لانه لم يحظ بالقراءة امام الملك الا نجوم القراء بداية من الشيخ مصطفي اسماعيل وعبدالفتاح الشعشاعي وأبوالعينين شعيشع ومنصور بدار الدمنهوري.
وعلي الرغم من ان نجم الشيخ طه الفشني لمع في عالم تلاوة القرآن ولكنه استمر كمنشد ديني وحانت له الفرصة عندما مرض الشيخ علي محمود وكانت هناك مناسبة كل شهر هجري تنظم الإذاعة حفل إنشاد ديني وطلبت منه الإذاعة ان يحل محل شيخه علي محمود ولكنه رفض ان يقبل طلب الإذاعة الا بعد موافقة الشيخ علي وذهب إليه فقال له الشيخ اذهب ياطه يا ابني اقرأ انت خليفتي وأذيعت الحفلة وازدادت شهرة طه الفشني في فن الانشاد الديني مما دعاه ان ينشئ فرقة خاصة به للإنشاد الديني عام1942 مع استمرار عمله كمقريء.
ومن الأمور الغريبة والعجيبة في تاريخ الشيخ طه الفشني كما . كان يأخذ حفلات يحييها بشكل تام وكامل ففي الافراح مثلا كان يبدأ بقراءة القرآن كفاتحة لليلة وبعد أن ينتهي من التلاوة يبدأ في الانشاد الديني, مما يدل علي مساحة صوت هذا العملاق الذي تجعله يتنوع في ذات الوقت ما بين التلاوة القرآنية والإنشاد الديني وكان يستمع له الجماهير حتي الصباح وبدأت شهرته تتسع سواء في التلاوة القرآنية أوالانشاد لانه يملك النغم وكان له صوت خاص ولقبه المختصون بملك العذوبة في الصوت لانه كانت لديه ووصل لدرجة يطلق عليها علماء الأصوات الأكتفن اي انه صوته يصل لقمة الدرجات الموسيقية لصوت الرجال وهو مايعرف باسم جواب الجواب
وبالإضافة لذلك كانت لديه ميزة أخري انه يملك الذروة الصغري لقرار القرار وهي الدرجة الهامسة من الصوت المنخفض التي تعطي نغما خاصا لا يملكها الا صاحب الصوت العذب فكانت تنويعات الصوت عند الشيخ طه الفشني مثار استغراب لانه كان ينتقل بين جواب الجواب وقرار القرار في سحر رباني ولكن كانت للشيخ طه الفشني ابداعات لم تكن عند احد غيره لدرجة دفعت الملحنين ان يطلبوا منه أن يغني لانه صاحب صوت فريد
انحبس صوته فى القاهرة لأسابيع طويلة وعلى جبل عرفات انطلق صوته يؤذن لصلاة العصر الشيخ الجليل طه الفشنى طوال سبعين عاما مقرئا للقرآن الكريم ورائدا للإنشاد الدينى ،وصاحب مدرسة فى تجويد القرآن فكان أول من أدخل النغم على التجويد مع المحافظة على الأحكام وقد اشتهر الشيخ طه الفشنى بقراءته لسورة الكهف ،وكان المؤذن الأول للمسجد الحسينى ،ولا تزال تسجيلاته شاهدة على نبوغه وعلمه بأصول التلاوة ويرتبط الإنشاد الدينى فى مصر والعالم الإسلامى بحلول شهر رمضان المعظم ومع توالى السنين عرف المسلمون فى شتى بقاع الأرض عددا من مشاهير القراء ،الذين ذاع صيتهم ولمع نجمهم فى مجال تجويد القرآن والإنشاد الدينى والتواشيح وعلى رأسهم الشيخ طه الفشنى.
مولده ونشأته
ولد الشيخ طه الفشنى بمدينة الفشن إحدى مدن محافظة بنى سويف عام 1900 فى أسرة متدينة ،والتحق بكت اب القرية وبه حفظ القرآن الكريم وتميز بين أقرانه بالصوت الجميل فى التلاوة ، ثم التحق بمدرسة المعلمين بالمنيا ،وحصل فيها على دبلوم المعلمين ،ثم رحل إلى القاهرة قاصدا الالتحاق بمدرسة دار العلوم العليا ،ولكن الأحداث السياسية التى كانت تمر بها مصر واندلاع ثورة 1919 حالتا دون التحاقه بدار العلوم ،فتوجه إلى الأزهر الشريف ،وما لبث أن أصبح مشهورا بقدرته على أداء التواشيح الدينية فى مختلف المناسبات وقد بدأ الشيخ طه الفشنى حياته العملية مطربا وكان فى وسعه أن يستمر فى الغناء لولا النزعة والتربية الدينية التى اكتسبها من دراسته فى الأزهر وكان لسكنه فى حى الحسين أثر كبير فى تردده على حلقات الإنشاد الدينى ،إلى أن نبغ وأصبح المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين كما كان يرتل القرآن الكريم فى مسجد السيدة سكينة ،واشتهر بقراءته لسورة الكهف يوم الجمعة وكذا إجادته تلاوة وتجويد قصار السور.
موعد بالصدفة :
وفى عام 1937 ،كان الشيخ طه الفشنى يحى إحدى الليالى الرمضانية بالإمام الحسين ،واستمع إليه بالصدفة سعيد لطفى مدير الإذاعة المصرية فى ذلك الوقت ،فعرض عليه أن يلتحق بالعمل فى الإذاعة ،واجتاز كافة الاختبارات بنجاح ،وأصبح مقرئا للإذاعة ومنشدا للتواشيح الدينية على مدى ثلث قرن وكان عشاق الشيخ الفشنى يسهرون حتى الفجر وليستمعوا إليه وهو يؤدى الابتهالات والأذان فى المسجد الحسينى ،وكانوا يحرصون أيضا على سماعه وهو ينشد التواشيح فى الليلة اليتيمة بمولد السيدة زينب خلفا للشيخ على محمود واستطاع الشيخ طه الفشنى أن يحفر اسمه بين أعلام فن التواشيح ،الذى ضم الكثيرين ،وكان أبرزهم الشيخ على محمود وطه الفشنى ومحمود صبح والشيخ زكريا أحمد والشيخ إسماعيل سكر والشيخ نصر الدين طوبار والشيخ سيد النقشبندى ويحسب للشيخ الفشنى جهوده الرائدة للحفاظ على فن التواشيح ،وسائر فنون الإنشاد الدينى من خلال تدريب المواهب الصاعدة من بطانة المنشدين.
مقرئ التلفزيون
وكان الشيخ طه الفشنى يرتل القرآن الكريم بقصرى عابدين ورأس التين بصحبة الصوت المعجزة الشيخ مصطفى إسماعيل لمدة تسع سنوات كاملة وعندما بدأ التلفزيون إرساله فى مصر كان الفشنى من أوائل قراء القرآن الكريم الذين افتتحوا إرساله وعملوا به ، وفى التليفزيون لأول مرة يوم 26 أكتوبر 1963 وهو يتلو بعض الآيات من سورة مريم وحتى وفاته وكان الشيخ طه الفشنى تقيا ورعا محبا للخير ،ولا ينسى الذين عاصروه قصة انحباس صوته التى شغلت محبيه عدة أسابيع وتروى خيرية البكرى فى أخبار اليوم تلك القصة فتقول :لقد شاهدت إحدى الكرامات فقد كنت ذاهبة لرحلة الحج وكنا نستقل الباخرة واستلفت نظرنا وجود شيخ جليل بيننا ،تعلو وجهه علامات الأسى والحزن وهو يجلس على الباخرة صامتا ،ويحيط به جمع من أقاربه ،وهو سارح يتعبد فى صمت ولما سألنا عنه قيل لنا أنه الشيخ طه الفشنى أشهر قراء القرآن الكريم ،وأنه فقد صوته فجأة منذ عدة أسابيع ولم يفلح الأطباء فى علاجه وافترقنا إلى أن جمعتنا البقعة المقدسة يوم عرفة وكنا نستعد لصلاة العصر وفجأة شق الفضاء صوت جميل يؤذن للصلاة صوت ليس غريبا علينا وكان هذا الصوت هو صوت الحاج طه الفشنى وقد استرد صوته بفضل الله وبكيت تأثرا وفرحا.