أجمع عدد كبير من رجال الفكر والثقافة والأدب والإعلام على ضرورة الحفاظ على التراث لتعزيز الهوية الوطنية، ودعم التواصل الثقافي والمعرفي بين الأجيال المتعاقبة، وتشجيع السياحة إلى المواقع التراثية من مختلف أنحاء العالم، باعتبارها شواهد تاريخية على حضارات الشعوب في العصور السابقة، بالإضافة إلى توفير فرص العمل للشباب.
وأكدوا أن التراث الثقافي ليس مجرد مآثر تاريخية، بل هو جزء أصيل من هوية المجتمع، وشاهد على تاريخ وحضارة الأجداد، وركيزة حيوية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويربط الأفراد ببعضهم وبأجدادهم، ويعكس قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وأوضحوا، خلال مشاركتهم في الملتقى الثقافي الذي نظمته "ديوانية الذييب" الثقافية بالرياض بعنوان: "أهمية التراث" أن التراث يوفر فرص عمل عديدة للشباب، ويعتبر مصدرًا للمعلومات والمعرفة، ويشجع على البحث والدراسة.
وأكد طلال الشرهان رئيس مجلس إدارة جمعية سفراء التراث السعودية أن الحفاظ على التراث يستهدف دعم الانتماء الوطني، والربط بين الأجيال، ودعم التنمية المستدامة، وتحقيق الإثراء الثقافي باعتباره مصدر إلهام للفنانين والمفكرين والمبدعين.
وأوضح أن التراث غني ومتنوع، ويتضمن عناصر مادية تشمل المباني الأثرية، والمواقع التاريخية، وأخرى غير مادية تشمل العادات والتقاليد، والمعارف المتوارثة عبر الأجيال، ويدعم الاقتصاد، مشيرا إلى أن الدول التي استثمرت في تراثها حققت نجاحات اقتصادية كبيرة.
استثمار في المستقبل
وأشار الشرهان إلى أن التراث يعاني العديد من التحديات التي ينبغي التعاون في مواجهتها، وأبرزها: التوسع العمراني العشوائي في المناطق التراثية، وتأثير العوامل الطبيعية، مثل: الزلازل والسيول على المباني التراثية، والسلوكيات البشرية، خاصة الإهمال، والتخريب، وقلة الوعي بأهمية التراث.
وشدد على أن الحفاظ على التراث ليس مجرد واجب، بل هو استثمار في المستقبل، وهو وسيلة لنقل القيم والتقاليد إلى الأجيال القادمة.
وأبرز جوانب مهمة من جهود الحفاظ على التراث، وفي مقدمتها سنّ قوانين ولوائح لحماية التراث، وتسجيل المواقع التراثية في منظمة "اليونسكو" الأمر الذي يضفي عليها صفة "العالمية". وكذلك دور جمعيات المجتمع المدني، والمبادرات المحلية التوعوية والتسويقية للتراث.
وأضاف أن التراث الثقافي في مفهومه الواسع هو الذاكرة الحية للفرد والمجتمع، وهو الذي يحفظ لهما الهوية والانتماء، وهو الركيزة التي ترتكز عليها كل أمة في بناء نهضتها، والجذور التاريخية التي تشكل استمرار وجودها، وتفرد أصالتها، وكذلك يساعدها على مواجهة ما يصادفها من تحديات وتقلبات الزمن. والتراث الثقافي هو المنبع الحيوي المهم للمفكرين والمثقفين الذين تعزز إبداعاتهم حضورهم في الساحة الثقافية.
دعم الاقتصاد وتشجيع السياحة
وأوضح الشرهان أن التراث الثقافي ينقسم إلى قسمين: الأول: "تراث مادي" كالشواهد التراثية التي مازالت قائمة، أو تحتفظ بها خزائن المتاحف من آثار الماضي المادية، وتمثل جسد الأمة وبقاياها. والثاني "غير مادي" يمثل روحها المتنقلة ووجدانها؛ فهناك خصال كثيرة يتميز بها الشعب، منها فنون تعبيرية، وأدائية، وتشكيلية، مثل: الأشعار، والأساطير، والحكايات، والمعارف التقليدية، والحِرف اليدوية، وغيرها مما توارثته الأجيال عبر العصور، تعبيرًا عن حياتها وروحها وثقافتها.
وشدد على أن التراث يجعلنا نشعر بالانتماء إلى المجتمع، ويربطنا بأجدادنا وآبائنا، ويُوثق قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، ويجعلنا فخورين بماضينا؛ فالذي ليس له ماض ليس له حاضر، ونحن نصنع من ماضينا سبيلا لمستقبلنا. والتراث الثقافي عامل جذب سياحي مهم، ذلك أن الكثيرين من السياح يسافرون إلى مختلف دول العالم لزيارة العديد من المواقع التراثية، والمعالم التاريخية.
إن أسبانيا، مثلا، حققت نجاحات كبيرة، واستثمارات عظيمة من خلال التراث، واستفادت من المواقع والمُدن التراثية، مثل: قُرطبة، وأشبيلية، وقصر الحمراء؛ فهي جزء من حضارة قديمة معروفة.
وأشار إلى اهتمام الجامعات بالتراث والآثار، بإدخالها مادة أساسية ضمن مناهج العديد من الكليات. وبذلك أصبح التراث مادة للبحث العلمي؛ فأمامه البحث العلمي مستودع للخبرات والتراكم المعرفي، وهو سجل معرفي عن التاريخ والثقافة، وتطوير الحضارات والفنون، ومجال للاتعاظ والدراسة، ومادة تعليمية للنشر. 
التراث.. يواجه تحديات
ولفت الشرهان إلى أن التراث واجه تحديات كبيرة، أبرزها: التنمية العمرانية والسكانية؛ حيث أصبح الناس يدخلون على المناطق التراثية بالبناء العمراني الجديد، وجميع أنواع الإسكان المتطفل والهامشي. وكذلك التغيرات المناخية، وعوامل الطبيعة كالزلازل، والسيول، والأمطار الشديدة، والرطوبة التي تؤثر على بعض أنواع التراث، مثل: الطين، والقش، والبيوت القديمة، فضلا عن المهددات البشرية الناتجة عن السلوكيات الخاطئة تجاه موارد التراث الثقافي المادي، مثل: قلة الوعي، والإهمال، أو الجهل، أو التشوه، والدمار، والضياع.
وتساءل: كيف نحافظ على تراث أجدادنا وآبائنا من الضياع؟ وقال: هناك العديد من الطرق للحفاظ على التراث، منها: الترميم، والصيانة، والحفظ، والحماية، والتأهيل، وإعادة التركيب أو الإحياء.
هوية وانتماء وأصالة
أما الإعلامي تركي الناصر فأكد أن الحديث عن "التراث" يخاطب الهوية ويحاكي الأصالة؛ فالذي ليس له أول ليس له ثان، والحديث عن التراث يجعلنا نسترجع الماضي ونعتز به، وننطلق منه لنبني مستقبلًا زاهرًا.
وقال: اعتزازنا بالتراث يجعلنا نعتز بهويتنا الوطنية، وكل بلد في العالم يعتز بتراثه، ويعتز بموروثه الثقافي بلا أدنى شك. والتراث يمثِّل حاجة ليست طينية فقط، أو حاجة جلدية أو حاجة تنظر لها وتمر مرورًا عابرًا كأننا نمر على شيء لا قيمة له، وإنما له قيمة عالية جدًا تبرز في  اعتزاز  دول العالم به إلى درجة أن بعضها ينسب أحيانا لنفسه  تراثا مسروقًا من دول أخرى.
 أما نحن فنعتز بتراثنا الأصيل، حيث نجد مواقع أثرية كثيرة على أرضنا. كما نجد كل بلد وكل قرية تعتز بموروثها الذي يمثل اللون الخاص فيها.
استثمار التراث ثقافيا واقتصاديا
ودعا الكاتب الصحفي  ناصر الحميدي المهتمين بشأن التراث إلى المزيد من التعاون للتعريف بأهمية التراث، ودوره في تعزيز الهوية الوطنية، والانتماء الوطني، ومختلف مجالات العمل الثقافي والإعلامي والتربوي؛ مشيرًا إلى ضرورة ربط الأجيال الجديدة بتاريخ الآباء والأجداد الذي تمتد جذوره إلى آلاف السنين، وترك آثاره المضيئة على مسيرة البشرية في شتى الميادين.
وقال: نظرا لأهمية ما تناولته هذه الندوة المهمة، وما أبرزته من حقائق، فإني أتطلع إلى عقد المزيد من الاتفاقيات التراثية بين مؤسسات المجتمع المدني والجهات المعنية بالتراث والآثار لدفع جهود الحفاظ على التراث، واستثماره اقتصاديا، وسياحيا، وثقافيا، واجتماعيا.