تُعد صناعة الفخار في منطقة جازان من أقدم الحرف التراثية التي تجسد أصالة الهوية الثقافية للمنطقة، فهي ليست مجرد حرفة؛ بل إرث متجذر يعكس إبداع أهالي المنطقة وتفانيها في الحفاظ على تقاليد الأجداد.
 فمنذ عصور مضت، أبدع أهل جازان في تحويل الطين إلى أوانٍ وأدوات تجمع بين المتانة والوظيفة، فتصبح كل قطعة فخارية انعكاساً لجمال البيئة وعمق التراث، ورابطاً حياً يعزز العلاقة بين الإنسان والأرض، لتظل صناعة الفخار شاهدة على روح الأصالة وجمال الماضي.  ويتفنن الحرفيون في منطقة جازان في تشكيل الطين المستخرج من الأودية الجافة، المعروف بـ”طين الوادي”، حيث يُجمَع ويُنقَّى بعناية للتخلص من الشوائب، ثم يعجن ليصبح طرياً قابلاً للتشكيل.
 ويبدأ العمل بتصميم الأواني بأدوات يدوية بسيطة قبل أن تُترك لتجف تحت أشعة الشمس لعدة أيام، ومن ثم تُوضع في أفران تقليدية لتمريرها بدرجات حرارة مرتفعة، مما يمنحها المتانة والقوة اللازمة لمقاومة الاستخدام اليومي وتحمل الحرارة العالية.
 وتشمل الأواني الفخارية الجازانية مجموعة متنوعة من الأدوات مثل أواني الطهي والأكواب وأوعية التقديم، التي لا تزال تحتفظ بمكانتها في طهي وتقديم الأطعمة التقليدية, بفضل خصائصها الفريدة في توزيع الحرارة ببطء وتوازن، تمنح الأواني الفخارية للطعام نكهة خاصة تميزه، مثل أطباق “المظبي” و”المندي” التي تزداد نضجًا وطراوة في أفران الفخار، ليصبح الطهي جزءًا من تجربة تراثية تُعيد إحياء الذكريات والدفء.
 ورغم تطور الأدوات المنزلية، لا تزال الأواني الفخارية تحظى بشعبية كبيرة داخل وخارج منطقة جازان، إذ يسعى الكثيرون للحصول على الأواني المصنوعة من الفخار لاستخدامها في الطهي أو تقديم الطعام، ليعيشوا تجربة مميزة تجمع بين النكهة الأصيلة وأجواء الماضي.
 وتواجه هذه الصناعة تحديات عدة، منها نقص الحرفيين الشباب وعزوفهم عن تعلم هذه الحرفة التقليدية، إضافة إلى تناقص مصادر الطين الطبيعي ، ما جعل الجهات المختصة تكثف جهودها ودعمها لكل ما يسهم في إحياء هذه الحرفة من خلال تنظيم دورات تدريبية تهدف إلى تمكين الشباب من اكتساب المهارات اللازمة، والإسهام في نقل هذا التراث الأصيل إلى الأجيال القادمة، وتُنظم مهرجانات محلية لتعريف الزوار بأهمية الفخار في التراث المنطقة ودوره في الثقافة السعودية.