أن معجزات القرآن لا تعد ولا تحصى، فهذا الكتاب الكريم كله من أول حرف فيه إلى آخر حرف معجز في جميع الأحول، ومن خصائصه الإعجاز، فهو المعجزة الكبرى لمحمد صلى الله عليه وسلم، التي لم يتحدَّ العرب بغيرها، برغم ما ظهر على يديه من معجزات.
ونتناول في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة الوسط عدد من المعجرات التي ورد ذكرها في  القرآن ومن بينها موضوعات علمية تتعلق بالحقائق الكونية التي لم تكن مدركة للبشر في زمن نزول القرآن ثم أثبتها العلم لاحقا؛ حيث يؤمن المسلمون بأن القرآن معجزة وأنه دليل على نبوة محمد بن عبد الله.
لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة مصطلح المعجزة، إنما ظهر هذا المصطلح في وقت متأخر بعض الشيء عندما دوّنت العلوم ومنها علم العقائد، في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية الثالث، لذا نجد أن القرآن الكريم قد استعمل كلمة «الآية» في صدر إعطاء الدلائل للرسل عليهم الصلاة والسلام لمحاجة الأقوام، يقول تعالى:»وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَيُؤْمِنُونَ» (الأنعام، آية: 109)
يقول بعض الباحثين الإسلاميين وعدد من علماء الشريعة المختصين أيضًا بمجالات علمية متنوعة، أن القرآن يشير إلى معلومات علميّة كثيرة في عدد من الآيات،  وأن هذا يُشكل الدليل القاطع على أن مصدره الله العليم والعارف بكل شيء.
الإعجاز مشتق من العجز والضعف أو عدم القدرة والإعجاز مصدره أعجز وهو بمعنى الفوت والسبق، والمعجزة في اصطلاح العلماء أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة وإعجاز القرآن يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب اعتقاد المسلمين بعدم قدرة أي شخص على الإتيان بمثله.
والإعجاز العلمي هو إخبار القرآن أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول محمد مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه، وفق اصطلاح الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. فالإعجاز العلمي للقرآن يُقصد به سبقه بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهرهِ التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصولِ إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من نزول القرآن بحسب تعريف زغلول النجار.
وعلى الرغم من مرور الكثير من الوقت منذ قديم الزمن إلى الوقت الحاضر، إلا أن أهل اللغة إلى الآن ما زالوا يقرون بقوة الأسلوب القرآني، وذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجوه الإعجاز من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وأصغوا فيه إلى حكم الذوق، الإعجاز تقصر الإفهام عن إدراكه وإنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته، فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه.
ويعتقد أنصار الإعجاز العلمي في القرآن أنً القرآن يشير إلى معلومات علميّة كثيرة وذلك في عدد من الآيات والتي اكتشفت في العصور الحديثة. لاحقًا ونتيجة لذلك ظهر ما يُعرف بالأدب الإعجازي، إذ نشرت العديد من الكتب والمواد التي توضح توافق القرآن مع مقتضيات العلم الحديث أو وجود تلميحات أو تصريحات ضمنية تؤكد حقائق علمية عرفت لاحقاً. 
 

- الحديد  نزل من السماء على الأرض ولم يكن جزء منها منذ خلقت
- السورة القرآنية الوحيدة التي تحمل اسم عنصر من العناصر المعروفة
- الله جعل الحديد بين يدي داوود كالعجين أو كالشمع يثبّته كيفما يشاء

 
سورة الحديد سورة مدنية، وهي السورة القرآنية الوحيدة التي تحمل اسم عنصر من العناصر المعروفة لنا، والتي يبلغ عددها خمسة ومائة (105) عنصر. ومما يلفت انتباه قارئ القرآن اختيار هذا العنصر بالذات اسماً لهذه السورة، التي تدور حول قضية إنزال الحديد من السماء ، وبأسه الشديد ، ومنافعه للناس، يقول عز من قائل: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} (الحديد:25).
فالآية الكريمة تؤكد أن (الحديد) قد أُنزل إنزالاً، كما أُنزلت جميع صور الوحي السماوي ، وأنه يمتاز ببأسه الشديد، وبمنافعه العديدة للناس، وهو من الأمور التي لم يصل العلم الإنساني إلى إدراكها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن الميلادي العشرين .
والآية التي نحن بصددها تثير بعض الأسئلة: كيف أُنزل الحديد؟ وما هو وجه المقارنة بين إنزال وحي السماء وإنزال الحديد؟ ذلك أن الله قال في الآية نفسها: {وأنزلنا معهم الكتاب} {وأنزلنا الحديد}. وما هو بأسه الشديد؟ وما هي منافعه للناس؟
والجواب على هذه الأسئلة يستدعي بداية بيان الدلالة اللغوية لمعنى (الإنزال)، فنقول:
( النزول ) في الأصل: هو هبوط من علو ، يقال: نزل ينزل نزولاً ومنزلاً: بمعنى حلَّ يَحُلُّ حلولاً ؛ والمـَنْزَل، بفتح الميم والزاي: النزول بالمكان، والحلول فيه، و نزل عن دابته: هبط من عليها ، ونزل في مكان كذا: حطَّ رحله فيه، والنزيل: الضيف . ويقال : أنزله غيره: أضافه، أو هبط به ؛ واستنزاله: نزله تنزيلاً، والتنزيل: القرآن الكريم، وهو الإنزال المفرق، و التنزل : النزول في مهلة ، و النُّزُل: ما يهيأ للنزيل ، وما يعد للنازل من المكان، والفراش، والزاد، و النَّزَل بفتحتين ، والمنزل: الدار.
ويقال استُنْزِل فلان ، بضم التاء وكسر الزاي: حُطَّ عن مرتبته، والمـُنْزَل ، بضم الميم وفتح الزاي : الإنزال، قال تعالى: {رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين} (المؤمنون:29)، و ( إنزال ) الله تعالى نعمه ونقمه على الخلق: إعطاؤهم إياها ، وقوله سبحانه: {ولقد رآه نزلة أخرى} (النجم:13) قال المفسرون: إن {نزلة } هنا تعني: مرة أخرى .
وقد ورد ذكر الحديد في القرآن الكريم في ست آيات، جاءت وفق التالي : قوله سبحانه: {قل كونوا حجارة أو حديدا} (الإسراء :50) ، قوله عز وجل على لسان ذي القرنين: {آتوني زبر الحديد} (الكهف :96). ، قوله تعالى في وصف عذاب الكافرين: {ولهم مقامع من حديد} (الحج :21)  ، قوله عز من قائل في وصف داود عليه السلام: {وألنا له الحديد} ( سبأ :10).
قوله جلَّ وعلا: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق :22)  ، قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} (الحديد :25) .
وكل هذه الآيات تشير إلى عنصر الحديد، ما عدا آية سورة (ق) التي جاءت لفظة {حديد } فيها في مقام التشبيه للبصر، بمعنى أنه نافذ قوي، يبصر به ما كان خافياً عنه في الدنيا .
هذا، وجمهور المفسرين على أن المراد بـ (الإنزال) في قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد} الخلق والإيجاد، على نحو قوله عز وجل: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق} (الزمر:6). قال أبو حيان في “التفسير المحيط”: “عبر تعالى عن إيجاده بـ (الإنزال) كما قال : {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تلقى من السماء جعل الكل نزولاً منها ، وأراد بالحديد جنسه من المعادن”. وجاء في تفسير “الجلالين”: “{وأنزلنا الحديد} أي: أنشأناه ، وخلقناه “.
وتفيد الدراسات العلمية أن التركيب الكيميائي لأرضنا يصل إلى ( 35,9% ) من مجموع كتلة الأرض، المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن، وعلى ذلك، فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طن، ويتركز الحديد في قلب الأرض، أو ما يُعرف باسم لب الأرض ، وتصل نسبة الحديد فيه إلى ( 90%) ونسبة النيكل -وهو من مجموعة الحديد- إلى (9%) وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى ( 5,6%) في قشرة الأرض .
وإلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين المنصرم، لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور، أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلى الأرض من السماء إنزالاً حقيقيا ! كيف أنزل؟ وكيف تسنى له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلى لبها؟ وكيف شكل كلاً من لب الأرض الصلب ولبها السائل على هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل، يحيط بها وشاح منصهر من التركيب نفسه، ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة؟
إن الحديد من نعم الله تعالى التي سخرها لخدمة الإنسان، وهي نعمة عظيمة وآية بديعة من الآيات الكونية التي حملت كثيراً من المنافع للبشرية عبر تاريخها الطويل، ولأهمية هذا العنصر الذي خلقه الله تعالى نجد أن سورة من سور القرآن سميت باسمه، سورة الحديد، وهي السورة الوحيدة التي تحمل اسم عنصر من جميع العناصر المعروفة للبشر، وهي السورة التي جاء فيها ذكر الحديد في سياق تذكير الله تعالى بفضله ونعمه على الناس، فذكر إنزال الحديد من السماء، وما فيه من المنافع والبأس الشديد، قال تعالى:  &o4831;لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ &<750; وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ &<754; إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ&o4830; [ الحديد: 25].
ولم يمتنّ الله بنعمة الحديد على عموم عباده فقط، بل امتنّ بها على خاصتهم من الأنبياء والمرسلين، وخصّ بذلك الامتنان ما أنعمه على داوود عليه السلام، فقال تعالى: قال تعالى: &o4831;وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ&o4830;:
أي: لقد أعطينا داوود فضلاً عظيماً ونعماً جليلة، لم يعطها لكثير من الأنبياء، وهي فضل النبوة، وفضل الملك، وفضل العناية بإصلاح الأمة؛ وفضل القضاء بالعدل، وفضل الشجاعة في الحرب، وفضل سعة النعمة عليه، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع الدروع الحديد، وفضل إيتائه الزبور، وإيتائه حسن الصوت وطول العمر، والعلم النافع، والعمل الصالح، والنعم الدينية والدنيوية، وغير ذلك.
ومن جملة ما امتنّ الله به على عبده داوود عليه السلام هو قوله تعالى: &o4831;وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ&o4830;، وإلانة الحديد في وقتنا الحاضر تتطلب صناعة معقدة وآلات ضخمة، ويداً عاملة بمهارات غالية، وقوة لتوليد الطاقة، فأمرها ليس هيّناً، أما في وقت داوود (عليه السلام) فكان الأمر أشد صعوبة؛ وكانت إلانة الحديد معجزة عظيمة بين يديه بأمر من الله تعالى، كما يفهم من الآية أنه فضل من الله على داوود، كما جاء فضله عليه من قبل، من تأويب الجبال والطير المسخرات له بأمر من الله.
وقد تحدث المفسرون أن الله جعل الحديد بين يديه كالعجين أو كالشمع يثبّته كيفما يشاء، ثم يصبح الحديد حديداً صلباً كما تعرفونه، ولا يحتاج إلى أن نحمّي الحديد حتى يصبح كالعجين، ثم يطرق بالمطارق. وهذا من قدرة الله العظيمة.
إن الله سبحانه وتعالى منح الحديد لداوود (عليه السلام) وعلّمه كيف يُلينه؛ لأن الفائدة تتحقق بوجود الخام والقدرة على تشكيله، ولا شك أن ذلك ساعد على بناء حضارة عظيمة جمعت بين المنهج الرباني، والتطور العمراني والصناعي ..
إن المسلم الرباني لن تحميه بعد قدرة الله إلا يده المؤمنة التي تعرف كيف تبحث عن الحديد وتشكله، وتستخدمه من أجل حماية العقيدة والتقدم بهذا الدين، وتحقيق النصر للمؤمنين، وإقامة دولة تحكمها شريعة رب العالمين. وإن قول الله تعالى: &o4831;وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ&o4830; فيه إشارة إلى أهمية هذا الخام، وتوظيفه في عمارة الأرض، وخدمة الإنسانية، والدفاع عن المقدسات.
عند أخذ جميع معاني الكلمة “أنـزلنا” بعين الاعتبار، يلاحظُ أنّ الآية تتضمّن الحقائق الفيزيائيّة الّتي سبق ذكرها، ومنها: يُخلق الحديد بعد سلسلة تفاعلات اندماج نوويّ في قلب النّجوم القديمة وذات الكتل الكبيرة. يمتاز نظير الحديد والعناصر القريبة منه بأن طاقة ربطها النّوويّ لكلّ نيوكليون أكبر منها لأي عنصر آخر، وبالتالي يمتاز الحديد باستقرار نواته ذات البأس الشّديد. وبالتالي فإن التّفاعل النووي الذي يستهلك نظير الحديد من أجل توليد عنصر عدده الكتلي هو تفاعل ماصّ للطاقة. وإنّ رقم سورة الحديد (57) هو إشارة معجزة إلى هذا الأمر. وبما أنّ الحديد قد تجمّع في قلب النّجم، فإنّه يلزم بذل طاقة هائلة من أجل إنزال الحديد من قلب النّجم وبعثه إلى خارج النّجم. يزيد العدد الذري للحديد (26) على رقم آية إنزال الحديد (25) بواحد فقط.
 وهذا الفرق فيه إشارة للتفاعل المسمّى معكوس انحلال بيتا: يدخل إلكتروناً واحداً إلى نواة الحديد ليصبح عدد البروتونات فيها مساوياً لرقم الآية. ويتسبّب هذا التّفاعل في أن ينبعث نيوترينو حاملاً معه الطّاقة التي تدعم أنوية ذرّات القلب الحديديّ للنجم. وبالتالي تنسحق إلكترونات ذرّات القلب الحديديّ للنجم داخل أنوية الذّرّات ليصبح القلب نجماً نيوترونيّا ذا كثافة هائلة ونصف قطر صغير. يصحب هذا إنزال (إرسال) موجة صدميّة تدمّر النّجم المنهار محدثة انفجار السّوبرنوفا (supernova explosion). وبالتالي يتم إنزال (إرسال) الحديد مع حطام النّجم من أجل خلق نظام شبيه بالمجموعة الشّمسيّة. الحديد هو العنصر الرّئيسيّ المكوّن لقلب الأرض. أنـزل (أهبط) الحديد من سطح الكرة الأرضية إلى مركزها. 
والتركيب البلّوريّ لقلب الحديد الدّاخلي في كرة الأرض يمتاز بطاقة وضع قليلة، وبالتالي تكون طاقة الربط له عالية (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ). وإنّ فصل السّتار عن القلب الحديديّ في كرة الأرض يتطلب درجات حرارة عالية تكفي لصهر غالبيّة الكرة الأرضيّة حتى ينـزل صهير الحديد إلى قلب الأرض، وهو بعض من إيحاءات الآية (وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ). والآية تشير أيضا إلى طاقة الرّبط الجاذبيّ. أَنزلْنَا (أقل طاقة وضع). (وبَأْسٌ شَدِيدٌ): ثشير إلى أعلى طاقة ربط لبلورة القلب الدّاخلي الحديديّ، وتشير إلى سعة حرارية كبيرة يمتلكها صهير الحديد في القلب الخارجيّ للأرض. 
(وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ): تيّارات حمل الحديد المنصهر في قلب الأرض ينتج عنها المجال المغناطيسي الأرضي الّذي يرشد إلى الاتّجاهات، ويسهم الشكل الهندسي للمجال المغناطيسي الأرضي (magnetic mirror) (شكل 9) في حجز الأشعة الكونيّة الضّارة ومنعها من الوصول إلى سطح الأرض. إنّ جميع العناصر الأثقل من الهيليوم، والتي تتوافر في أجسادنا، كان سبب خلقها انفجار السوبرنوفا الضّروري لتشكل أي نظام شبيه بالمجموعة الشّمسيّة. لقد جعل الله إنزال الحديد سبباً لخلق مجموعتنا الشّمسيّة، وخلق جميع العناصر المكوّنة لأجسادنا: (وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ).
في سورة الحديد معجزتان: علمية ورقمية، فإذا تلفتنا حولنا نرى للحديد أثراً في كل شيء اخترعه الإنسان في القرن العشرين. فجميع الآلات والأجهزة يدخل في تركيبها الحديد، جميع وسائط النقل ووسائل الاتصال وغيرها حتى الطعام الذي نأكله واللباس الذي نلبسه وحتى الماء الذي نشرب اليوم وغير ذلك... كل هذه الأشياء تم إعدادها بواسطة آلات صُنعت أساساً من الحديد، فما هو سرّ هذا المعدن الذي يُعتبر سيد المعادن في القرن العشرين؟
الملفت للانتباه أننا عندما ندرس جميع المعادن نجد أن للحديد خواصاً ينفرد بها وحده. فهو المعدن الوحيد الذي نستطيع أن نتحكَّم بصلابته ومتانته بحدود واسعة من خلال إضافة بعض العناصر مثل الكربون.  ولكن ما الذي يعطي الحديد هذه الخواص الفريدة؟
إنها الطريقة التي تركبت فيها ذرات الحديد، فبين هذه الذرات توجد قوى عظيمة تشدّ هذه الذرات إلى بعضها ضمن مجموعات تسمى جزيئات الحديد. وعندما يضاف عنصر الكربون بنسبة ما فإن ذرات الكربون الأصغر حجماً تتوضع في أماكن محددة بين هذه الذرات لتزيد من قوى الشدّ هذه مما يزيد في مرونة المعدن ومتانته معاً.
ويمكن القول: في ذرات الحديد وجزئياته بأس شديد، لأن كلمة (البأس) تجمع عدة صفات كالمتانة والصلابة والمرونة، وهذه جميعها موجودة داخل الحديد. وهنا تتجلى عظمة القرآن عندما يصف الحديد بأن فيه بأساً شديداً، يقول تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) [الحديد: 25]. ولكن هنالك شيء آخر في هذه الآية وهو كلمة (أنزلنا): فهل نزل الحديد فعلاً إلى الأرض؟
نحن نعلم منذ بداية خلق الكون أن العنصر الأساسي الذي نشأ في بداية الخلق هو الهيدروجين (وهو أخف العناصر في الطبيعة) ثم بدأت العناصر الأثقل بالتشكل نتيجة للاندماجات النووية والحرارة المرتفعة والطاقة الجبارة التي خلَّفها الانفجار الكبير.
وقد كان يُظن سابقاً أن الحديد الذي على الأرض نشأ من تفاعلات تمت على الأرض. ولكن أحد الباحثين قاس كمية الطاقة اللازمة لتشكل الحديد فوجدها كبيرة جداً، مثل هذه الطاقة لا تتوفر إلا في النجوم الضخمة (التي هي أضخم بكثير من الشمس). وقد قاده هذا الأمر إلى التصريح بأن عنصر الحديد لا يمكن أن يتشكل داخل المجموعة الشمسية أو على الأرض، بل تشكل في الفضاء بدرجات حرارة وطاقة عالية جداً ثم قُذِف به إلى الأرض على شكل نيازك، أي نزل إلى الأرض!!
1- ثبت علمياً أن الحديد الموجود في الأرض نزل نزولاً من السماء.
2- ثبت علمياً أن القوى الموجودة في عنصر الحديد هي قوة شديدة جداً تجمع بين المتانة والمرونة والصلابة وهي ما سماه القرآن بالبأس الشديد.
ولكن الإعجاز لم ينته، لأن هذه السورة العظيمة تحوي معجزة عددية أيضاً!!
3- فالوزن الذري للحديد هو على التقريب (57) والعجيب أن رقم سورة الحديد في القرآن هو (57) أيضاً!! أما عدد الإلكترونات في ذرة الحديد فهو (26) إلكتروناً، وهذا ما يسمى بالعدد الذري وهو عدد ثابت لكل عنصر من عناصر الطبيعة. والعجيب أن الآية التي ذكر فيها الحديد في سورة الحديد، رقم هذه الآية مع البسملة هو (26) نفس العدد الذري للحديد!!!
إن هذه الحقائق العلمية والهندسية والرقمية تثبت أننا كيفما نظرنا إلى آيات الكتاب العظيم نجدها مُحكمة ومعجزة، ولا تناقض العلم الحديث بل تتفوق عليه. وهذا إثبات على أن القرآن كتاب متكامل ومحكم.
وفي هذا المقام نذكِّر بأن الإعجاز القرآني لا يقتصر على علوم الفلك والأرض والطب وغيرها، بل في كل آية من آيات القرآن هنالك معجزة رقمية مبهرة وبناء محكم يدلّ على أن هذا القرآن كتاب من عند الله تعالى، رتب حروفه وكلماته بنظام رقمي لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله! وهذا ما برهنا عليه من خلال أبحاث الإعجاز الرقمي والتي تتضمن حقائق رقمية مذهلة تدل على عظمة منَزِّل القرآن سبحانه وتعالى.
فقد اختلف أهل العلم في المراد بإنزال الحديد في الآية الكريمة من سورة الحديد: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد:25]. وقد تنوعت عبارات المفسرين حول الإنزال المذكور في قوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في تفسيره (زاد المسير) 8/174: قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) فيه قولان:
أحدهما: أن الله أنزل مع آدم السندان، والكلبتين، والمطرقة، قاله ابن عباس.
الثاني: أن معنى أنزلنا: أنشأنا وخلقنا، كقوله تعالى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) [الزمر:6]. اهـ.
وذكر القرطبي -رحمه الله- في تفسيره نحوه.
والأثر المذكور عن ابن عباس رواه إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن حبر الأمة ابن عباس قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والمنقعة، والمطرقة. اهـ. ولكن كل ما ذكره هؤلاء لا ينهض دليلاً.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والمنقعة والمطرقة والإبرة فهو كذب لا يثبت مثله، وكذلك الحديث الذي رواه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، فأنزل الحديد والماء والنار والملح” حديث موضوع مكذوب في إسناده سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري رحمه الله وهو من الكذابين المعروفين.
ثم رجح أن المقصود من الإنزال: المعنى الحقيقي لا المجازي فقال: ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف، وهذا هو اللائق بالقرآن، فإنه نزل بلغة العرب، ولا تعرف العرب نزولاً إلا بهذا المعنى، ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطابا بغير لغتها، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان، وهذا لا يجوز. اهـ.
وقال -أيضاً- في قوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر:6]: لا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة، فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها ومن أصلاب آبائها... ومما يبين هذا أنه لم يستعمل النزول فيما خلق من السفليات فلم يقل أنزل النبات، ولا أنزل المرعى، وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال، وأنزله الله من ذلك المحل كالحديد والأنعام. اهـ. وبهذا يعلم السائل أن الصحيح أن الحديد أنزل إلى الأرض، ولم يكن من أجزائها.