تعيش الساحة الفلسطينية لحظة شديدة الحساسية على خلفية تعثر المفاوضات غير المباشرة بين حركة "حماس" وإسرائيل، بوساطة مصرية ودولية، والتي وصلت إلى طريق مسدود بعد تمسك "حماس" بموقفها الرافض للتخلي عن سلاحها. وقد أشعل هذا الموقف موجة انتقادات طالت الوسيط المصري من أطراف محسوبة على الحركة أو متعاطفة معها، ما يعكس حالة احتقان متزايدة داخل معادلة التهدئة والتمثيل الفلسطيني.
ومع تعقد المفاوضات السياسية أصدر مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية ورقة تقدير موقف حملت عنوان : "سلاح حماس ...المشكلة والأسباب" ، وهي الورقة التي ناقشت عدد من النقاط الدقيقة وكان أولها : السلاح في وعي حماس – قيمة تتجاوز الوظيفة العسكرية
حيث قالت الورقة إن حركة "حماس" ترى في سلاحها ليس فقط أداة للمقاومة، بل مكوّنًا جوهريًا في بنيتها الفكرية والمعنوية. فهو من وجهة نظرها، يجسد رمز الصمود، والانتصار للكرامة الفلسطينية، ويمنحها شرعية ميدانية وشعبية في ظل غياب أي مسار تسوية حقيقي. وعليه، فإن مطالبتها بالتخلي عن هذا السلاح تُعدّ – بالنسبة لها – مساسًا بجوهر مشروعها، ونزعًا لهويتها المقاومة التي بنت من خلالها رصيدها الجماهيري.
ثانيًا: السلاح في الوجدان الفلسطيني – بعد اجتماعي لا حزبي
في السياق الفلسطيني الأوسع، يتجاوز السلاح الانتماء الحزبي أو الفصائلي، ليحمل بعدًا اجتماعيًا وثقافيًا، ارتبط تاريخيًا بمفهوم الدفاع عن الأرض والعرض. هذا الإدراك الجمعي يجعل أي طرح متعلق بنزع سلاح "المقاومة" وكأنه استهداف للثوابت الفلسطينية وليس مجرد مطلب سياسي. وهو ما تستند إليه "حماس" في تبرير تمسكها بالسلاح، وتصوير التخلي عنه كخطوة تهدد النسيج الوطني.
ثالثًا: ارتدادات الموقف على الدور المصري
أدى تعثر المفاوضات وتصلب موقف "حماس" إلى تصدّر الخطاب الإعلامي المحسوب على الحركة لهجة هجومية ضد مصر، واتهامها بالانحياز للموقف الإسرائيلي أو ممارستها ضغوطًا لتجريد غزة من أدوات الدفاع. ويبدو أن هذا الخطاب يراد منه امتصاص الغضب الشعبي في الداخل، وتصدير الأزمة إلى خارج حدود القطاع. إلا أن هذا التوجه قد يفضي إلى تصدّع العلاقة بين "حماس" والوسيط المصري، الذي حافظ لعقود على موقعه كجسر تفاوضي ومظلة دعم إنساني وسياسي للفلسطينيين.
وفي الخاتمة تقول الورقة إن تمسك "حماس" بسلاحها قد يكون مفهوما من منطلقات فكرية واجتماعية، لكنه في اللحظة الراهنة يشكل حاجزًا أمام أي تقدم سياسي حقيقي. كما أن مهاجمة الوسيط المصري، بدلًا من الانخراط بمرونة في مسار تفاوضي جاد، لن يؤدي سوى إلى تعقيد الموقف وتوسيع الهوة بين غزة والعواصم العربية المعنية. ويبقى التحدي الأكبر: هل تستطيع "حماس" تحقيق معادلة التهدئة دون تقديم تنازلات تتعلق بسلاحها؟ أم أن هذا السلاح سيظل العقبة الأبرز أمام أي انفراجة سياسية قريبة؟