تبذل السلطات التركية جهودا حثيثة للمحافظة على تراث البلاد الثقافي ومحاربة جميع حوادث السرقة والتهريب التي قد تتعرض لها الاثار التركية اذ تسعى وزارة الثقافة والسياحة بالتعاون مع مجموعة من الهيئات الحكومية كوزارتي الداخلية والمالية وقوات خفر السواحل والجمارك الى التصدي لتلك العمليات.
وبدأت وزارة الثقافة والسياحة التركية بالتعاون مع السلطات في مختلف المحافظات التركية باجراءات التصدي لعمليات سرقة الاثار ونفذت العديد من العمليات علاوة على تعقب أي حوادث سرقة وجعل القضية مسألة قومية تهم كل الأتراك.
وفي هذا السياق قال رئيس دائرة الآثار في وزارة الثقافة والسياحة التركية أمير بوزكورتلار لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) ان هذه الجهود المجتمعة أدت إلى اكتشاف العديد من الأنشطة المخالفة في عدة مناطق مثل الحفريات غير المرخصة وتسجيلها.
وأضاف أنه بناء على ذلك قامت السلطات بمتابعة مرتكبي هذه الأنشطة المخالفة والطلب من مسؤولي تلك المحافظات زيادة وتشديد المراقبة والإجراءات المتخذة حفاظا على الآثار في تلك المناطق.
وأشار إلى ان "رجال الامن يقومون بحماية العديد من المناطق الأثرية مستعينين بأنظمة رقابة تعتمد على أنظمة الأمان من خلال كاميرات المراقبة ووفقا لاحدث الاساليب لاسيما وان أعمال الحفر أو التنقيب في أي منطقة أثرية تحتاج تأمينا لازما للعاملين فيها أثناء تأدية مهامهم".
واعتبر بوزكورتلار ان اتخاذ هذه الإجراءات الأساسية المتبعة ساهمت في سهولة الابلاغ عن أي مخالفات تخص سرقة الآثار والإخبار عنها وقت حدوثها بالسرعة المطلوبة.
وأكد امتلاك تركيا تراث غني ومتنوع يستدعي ضرورة المحافظة عليه لذا "فإننا نأخذ على عاتقنا التوعية اللازمة والعمل على زيادة الوعي الشعبي بأهميته لجعله قضية وطنية تهم الجميع".
واوضح ان الوزارة تقوم على المستوى الوطني وبالتعاون مع باقي الأقاليم والجهات بإعداد خطط أمنية للحفاظ على المناطق التي قد تكون مهددة بعمليات تنقيب عن آلاثار بصفة غير قانونية واستخدمت لهذا الغرض وحدات أمنية خاصة لحمايتها.
وأضاف ان الوزارة قامت بالعديد من حملات التوعية وتقديم العديد من الدورات لتعريف افراد المجتمع بأهمية حماية الأصول الثقافية لدى سكان تلك المناطق علاوة على إقامة العديد من الأنشطة التعليمية المتعلقة بكيفية المحافظة على التراث والتعريف بالمحتوى الثقافي وجعل ذلك بمثابة المنهج التربوي داخل المتاحف.
ولفت الى ان اهتمام تركيا بموروثها الثقافي والمحافظة عليه يعود إلى ايام (الإمبراطورية العثمانية) اذ تم إصدار أول قانون بهذا الصدد في عام 1869 وعرف بقانون (الحفاظ على الآثار) مشيرا الى انه خلال ألاعوام 1874 و1884 و1906 تم إجراء العديد من التعديلات على هذا القانون.
وأفاد انه "في عصرنا الحاضر يتم العمل بالقانون رقم (2863) الصادر في عام 1983 والمعروف بقانون الحفاظ على الثقافة والمكونات الطبيعية.
وأكد ان الوزارة تتعاون باستمرار مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) والمجلس الدولي للمتاحف (آيكوم) وغيرها من المنظمات والهيئات ذات الصلة لافتا الى ان تركيا استعادت 4316 قطعة أثرية في الفترة ما بين 2004 و2018.
وعن كيفية معرفة القطعة الأثرية ذات الأصول التركية الموجودة خارج الدولة أوضح بوزكورتلار أنه يتم التواصل بشكل مباشر مع المتاحف الأجنبية التي قد تحتوي على بعض تلك الآثار والعمل مع المؤسسات العاملة في مجال بيع الآثار عن طريق زيارة مواقعها الالكترونية.
وأضاف ان "فريق العمل يبحث أيضا في المطبوعات والمنشورات المختصة في هذا المجال والوقوف على الآثار في أماكنها والاطلاع على ما كتب من بحوث أو مقالات أكاديمية في هذا السياق وغيرها من وسائل التتبع وهي أمور شكلت دليلا للوزارة تبحث من خلاله عن الآثار الموجودة خارج تركيا".
وقال ان "إعطاء رقم دقيق عن الآثار التركية التي تم تهريبها خارج البلاد يعد أمرا صعبا للغاية موضحا انه رغم الجهود المبذولة الا اننا لم نستطع الوصول لمخازن الكثير من المتاحف في العديد من الدول وللأشخاص الذين يحصلون على القطع الأثرية وتجميعها كمقتنيات شخصية وهو ما يجعلنا غير قادرين على معرفة وتسجيل آلاف القطع الآثرية".
وأكد ان "الجهود من أجل حماية الأصول الثقافية لن تجدي نفعا إذا كنا نعمل بمفردنا ضد الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية والتراثية على مستوى العالم والتي تعتبر تجارة رائجة" مشددا على الأهمية الخاصة التي توليها تركيا للتعاون بين الدول لحماية الموروث الثقافي سواء عبر الاتفاقيات الثنائية أو بروتوكولات التعاون أو بين دولتين أو عدد من الدول.
وقال ان تركيا وقعت العديد من الاتفاقيات مع عدد من الدول نصت مواد كثيرة منها على محاربة سرقة الآثار والتصدي لها من أجل الحفاظ عليها وتعهدت كل دولة بالمساعدة اللازمة.
وأوضح أنه من بين تلك الدول أوزبكستان وتركمنستان والبيرو والصين وبلغاريا واليونان وروسيا وايران لافتا الى ان تركيا تعمل على ابرام العديد من الاتفاقيات الثنائية مع عدد من الدول في المستقبل باعتبارها إحدى الدول الأعضاء في اتفاقية (يونيسكو) لعام 1970 وهي بالتالي ترتبط باتفاقيات مع دول ضمن تلك الاتفاقية.
وبين ان تركيا لم تقم بدفع أية تعويضات مادية من أجل استعادة بعض آثارها المسروقة وما قد يدفع في الإطار يكون مستحقات للمحامين المكلفين بمثل هذه الملفات وتكاليف نقل الآثار للبلاد.
وعن طرق استعادة بعض الآثار الموجودة في بعض الدول أوضح بوزكورتلار ان تركيا ملزمة أحيانا بخوض بعض النزاعات القانونية في سبيل ذلك ومن أشهر الأمثلة ما حدث في عام 2011 بين وزارة الثقافة والسياحة التركية وبعض المحاكم السويسرية بشأن (تابوت هرقل).
وأضاف أنه في نهاية الصراع القانوني استعادت تركيا التابوت بعد انسحاب الطرف الآخر من القضية الذي أصبح موضوع نقاش طويل وهو الآن معروض في متحف الآثار بمدينة (أنطاليا) جنوب تركيا.
وشدد على ان الأصول الثقافية والطبيعية الموجودة على الأراضي التركية هي ملك للدولة وبالتالي يجب حمايتها والمحافظة عليها مشيرا الى ضرورة إعلام السلطات المختصة وتبليغها في حال العثور على أي أثر ثقافي وتراثي خلال ثلاثة أيام.
وأشار الى ان تلك الشروط تنطبق أيضا على مستخدمي الأراضي لأي غرض سواء كانوا ملاكا أو غيرهم حيث ان ما يتم العثور عليه أثناء استخدامهم لتلك الأراضي عائد في ملكيته للدولة كما أن ملاك العقارات حديثي الملكية تنطبق عليهم نفس الشروط.
وعن عقوبات الاتجار بالآثار قال بوزكورتلار ان القانون ينص وبشكل صريح على اصدار أحكام بالسجن تتراوح ما بين ثلاثة شهور و12 عاما وفرض غرامية مالية على كل شخص يقبل بيع أو شراء أو تهريب بعض الآثار والأصول الثقافية والطبيعية أو يقوم بالتنقيب والحفر غير القانوني بحثا عنها كما تنص القوانين أيضا على المحاسبة بنفس العقوبات على من يساعد أو يتعاون مع المخالفين.
وأكد ان الوزارة لا تنظر بنظرية جزئية للتراث والأصول الثقافية والتاريخ الطبيعي التي ترجع أصوله لتركيا سواء كان داخلها أو خارجها وإنما تنظر إليها باعتبارها قيمة ثقافية وأهمية كبرى يجب العمل من أجل الحفاظ عليها.
ولفت بوزكورتلار الى ان "مشتري الآثار أو وسطاء بيعها ليسوا أشخاصا عاديين بل تنظيمات تنشط دوليا وعابرة للحدود" داعيا الى اتباع نهج جديد يقوم على اليقظة الدائمة والتصدي لعمليات الحفر والتنقيب غير القانونية ومحاربة التنظيمات الدولية غير القانونية الناشطة في هذا المجال.
وأشاد بالإرث التاريخي والثقافي للحضارة الاسلامية وانتشاره في جميع أنحاء العالم معربا عن القلق الذي يساور المهتمين بهذا الإرث نظرا لتعرضه للنهب والتهريب والسرقة المنظمة.
وعن جهود تركيا في محاربة سرقة الآثار السورية والعراقية أوضح بوزكورتلار ان عدد من تلك الآثار وصلت الى تركيا وكانت في طريقها للتهريب الى الخارج.
وأضاف ان الوزارة أبلغت جمارك الحدود التركية في المناطق المتاخمة للحدود السورية باتخاذ الاجراءات اللازمة للتصدي لتهريب الآثار السورية عبر الأراضي التركية.
وأشار الى ان الوزارة أصدرت قائمة بالآثار السورية المسروقة وترجمتها للغة التركية وتوزيعها على الجهات المختصة بالمناطق المتاخمة للحدود السورية من أجل منع تهريبها كما تم نشر القائمة على موقع الوزارة الإلكتروني ليسهل الوصول إليها بشكل سريع.
وبين ان الآثار السورية المسروقة والتي يتم العثور عليها في مختلف المدن التركية يتم الحفاظ عليها في المتاحف القريبة من مكان العثور عليها والعناية بها لتحافظ على شكلها على أن يتم إعادتها الى سوريا في المستقبل.
وأما عن الآثار العراقية التي يعتقد أنها قد تتعرض للتهريب قال بوزكورتلار ان منظمة (آيكوم) أعدت قائمة بها بعنوان (الآثار العراقية المهددة بالتهريب) وترجمت هذه الوثيقة للتركية ووزعت على الإدارات المعنية في البلاد ونشرت أيضا على الموقع الإلكتروني للوزارة.
واضاف ان مديرية متحف حضارات الأناضول نظمت في عام 2010 حفل سلمت للمسؤولين العراقيين المعنيين خلاله أربع قطع أثرية عراقية نادرة تم تهريبها خارج العراق لافتا الى التحضيرات التي تجري حاليا لتسليم بعض الآثار العراقية الأخرى في الفترة المقبلة.
واعتبر ان متحف الآثار في مدينة اسطنبول الذي فتحت أبوابه أمام الجمهور عام 1891 يعد من أقدم المتاحف بينما الأحدث هو (متحف قارص) المعروف بمتحف تاريخ جبهات الحروب في مدينة (قارص) شمال تركيا والذي افتتح عام 2017.
وعن المواقع الأثرية الثقافية في تركيا قال بوزكورتلار ان منظمة (يونسكو) صنفت 15 موقعا أثريا ثقافيا على قائمتها الخاصة بالتراث العالمي إضافة لموقعين آخرين كمواقع ثقافية وطبيعية لذا فان تركيا تحتل المرتبة ال 17 عالميا في هذا المجال.