قَبلَ ملايينِ السِّنين خَلَقَ اللهُ العالَم الكواكبَ والنجومَ والسماواتِ وخَلقَ اللهُ الملائكةَ مِن نور وخَلقَ الجِنَّ من نار وخَلقَ اللهُ الأرض لَم تَكُن الأرضُ مِثلَما هي علَيها اليَوم .. كانت مَليئةً بالبِحار ، وكانت الأمواجُ ثائرة ، والرِّياحُ تَعصِفُ بشدّة .. والبَراكينُ مُشتَعلة ، والنَّيازِكُ الضَّخمةُ والشُّهُبُ تُهاجِمُ الأرض ، ولَم تكن هناك من حياةٍ على الأرض لا في البحارِ ولا في البَراري ، وقبلَ مَلايينِ السِّنين ، ظَهَرت في البحرِ أنواعٌ صغيرةٌ من الأسماك ، وظَهَرت في البَرِّ نباتاتٌ بسيطة .
ثُمّ تَطوَّرت الحياةُ شيئاً فشيئاً ، وظَهَرت على سطحِ الأرض حَيواناتٌ كالزَّواحِف ، والبَرْمائيّات ، وظَهَرت الدِّيناصُورات بأشكالِها المُتعدّدةِ وأنواعِها المُختلفة .
وبينَ فترةٍ وأُخرى كانت الثُّلوجُ تُغَطّي الأرضَ ، فتَموتُ النباتاتُ وتَموتُ الحَيواناتُ وتَنقَرِض ، وتَظهَرُ بَدَلها أنواعٌ جديدة .. وبينَ فترةٍ وأُخرى تَذوبُ الثُّلوجُ وتَعودُ الحياةُ في الأرضِ مرّةً أُخرى .
في تلك الأزمنةِ السَّحيقة .. وما تَزالُ الأرضُ لَم تَهدأ بَعدُ مِن البَراكينِ والزَّلازلِ .. والعَواصفِ العاتية والأمواجِ الثائرة .. ولَم تَكُن الثُّلوجُ قد ذابَت بَعدُ .. في تلكَ الأزمنةِ البعيدةِ أخذَ اللهُ من الأرضِ تُراباً .. مِن المُرتَفعاتِ، ومن السُّهولِ، ومن الأرض السَّبْخةِ المالِحة، ومن الأرضِ الخِصبةِ العَذبة .. مُزِجَت التُّربةُ بالماءِ ، وأصبَحت طِيناً مُتماسِكَ الجُزئيّات.
خَلَق اللهُ سبحانه من ذلك الطِّينِ ما يُشبِهُ هَيئةَ الإنسان ، رأسٌ وعَيْنانِ ، ولسانٌ وشَفَتانِ ، وأنفٌ وأُذُنانِ ، وقلبٌ ويَدانِ ، وصَدرٌ وقَدَمان .
تَبَخّر الماءُ وجَمَد التِّمثالُ البَشَري ، أصبَحَ الطينُ حَجَراً صَلْداً يابِساً إذا هَبّت الرِّيحُ يُسمَعُ منه صَوتٌ يَنِمُّ عن تَماسُكِه وعلى هذهِ الحالةِ .. ظَلَّ التِّمثالُ نائماً إلى أمَدٍ طويلٍ لا يَعَلمُ مَداهُ إلاّ اللهُ سبحانه .
الأرض
وفي تلك الفَترةِ من الزمنِ .. هَدَأتِ الأرضُ، هَدَأ الأمواجُ في البحارِ ، وهَدأتِ العَواصِفُ ، وانطَفأ كثيرٌ مِن البَراكين ... ونَمَت الغاباتُ .. أصبحت كثيفةً ، وامتَلأت بالحيواناتِ والطُّيور ، وتَفَجّرت يَنابيعُ المِياهِ العَذبة ، وجَرَت الأنهار . أمّا المَناطقُ التي انعَدَمَ فيها الماءُ فقد كانَتِ الرِّياحُ الطَّيِّبةُ تَحمِلُ لها الغيوم ، وهناك تَهطِلُ الأمطارُ لِتُحيي الصَّحراءَ الخاليةَ من الأنهارِ والنَّبات
وعندما يُسافِرُ المَرءُ في الفضاءِ يُشاهِدُ الأرضَ مِن بَعيدٍ كُرةً تَدورُ في الفضاءِ حولَ الشمسِ فتَنشَأ الفُصول . صَيفٌ يُعقِبهُ خَريف ، وخَريفٌ يُعقِبهُ شِتاء ، وبَعد الشتاءِ يأتي الربيع ، فتَزادادُ الأرضُ خُضرةً ، وتُصبِحُ النَّباتاتُ والغاباتُ أكثَرَ بهجةً . وتَتَدفَّقُ الأنهارُ بالمِياهِ العَذبة ، وتَفورُ الينابيعُ بالمِياهِ الصافيةِ الباردة ، وتَدورُ الأرضُ حولَ نفسِها ، فيَنشأُ الليلُ والنهار . في النهارِ .. تَستَيقِظُ الطُّيورُ فَتَطيرُ باحِثَةً عن رِزقِها ، وتَستَيقظُ الحيواناتُ تَبحَثُ عن طَعامِها .
الغِزْلان تَركُضُ في الغابات ، والوُعُولُ فوقَ سُفوحِ الجِبال ، والفَراشات تَدورُ في الحَدائقِ تَبحَثُ عن الأزهار والرَّحيق ، والحَيوانات المُفتَرِسَةُ تَزأَرُ في الغابات . كلُّ شيءٍ في الأرضِ يَنمو ويَتَكاثَرُ ، فالأرضُ تَمتلئ بالحياةِ والبهجة . الأشجارُ تَحمِلُ الثِّمار ، والخِرافُ والماعِزُ تأوي إلى الكُهوفِ تَبحَثُ عن مأوى يَحميها مِن الحيواناتِ الكاسِرة . كلُّ شيءٍ يَمضي في طَريقهِ كما خَلَقَهُ اللهُ سبحانه وتعالى .
أصبَحَتِ الأرضُ جَميلةً جدّاً ... أصبَحَت مُلَوّنة .. زُرَقةُ البِحار .. وخُضرَةُ الغاباتِ والتِّلالِ التي تَكْسُوها الأعشاب ، وسُمرَةُ الصَّحاري .. وبَياضُ الثُّلوج .. وأشِعّةُ الشمسِ الحَمراءِ في الشُّروق . امتَلأتِ الأرضُ بالحَياة .. طُيورٌ وحَيواناتٌ ، وغاباتٌ ونَباتاتٌ وأزهارٌ وفَراشات ... امّا الإنسانُ فلَم يَكُن له وجودٌ بَعدُ .
آدمُ .. الإنسانُ الأوّل
وفي لَحظةٍ من لَحظاتِ الرَّحمةِ واللُّطفِ الإلهيّ ، نَفَخَ اللهُ في تِمثالِ الصَّلْصالِ مِن رُوحهِ ، عَطَسَ وقال : الحمدُ لله . نَهَضَ آدمُ .. دَبَّتْ فيه الرُّوحُ وأصبح بَشَراً سَوِيّاً ، يَتَنفّسُ ويُجِيلُ نَظَرَهُ .. أصبَحَ يُفكّرُ ويَتأمّل .. يُحرِّكُ يَدَيهِ ويَمشي .. يَعرِفُ الجَميلَ ويُدرِكُ القَبيح .. يَعرِفُ الحَقَّ ويُدرِكُ الباطلَ .. الخيرَ والشَّرَ ، السعادةَ والشَّقاء .
أمَرَ اللهُ المَلائكةَ أن تَسجُدَ لآدم .. أن تَسجُدَ لِما خَلَقَهُ الله . سَجَدَ المَلائكةُ جميعاً .. المَلائكةُ لا تَعرِفُ شيئاً سِوى طاعةِ الله .. إنّها تُسبِّحُ اللهَ دائماً ... خاشعةٌ للهِ في كلِّ وقت ... سَجَدَت للإنسانِ ، لأنّ الله اختارَهُ خَليفةً له في الأرض ، لأنّ اللهَ جَعَلَهُ خليفةً .. إنّه أرفَعُ مَنزلةً مِن الملائكة . ولكنْ هُناكَ مَخلوقٌ آخَرُ لَم يَسجُدْ !! كانَ هناك جِنيٌّ خَلَقَهُ اللهُ قبلَ أن يَخلُقَ أبانا آدمَ بستّةِ آلافِ عام .. لا يَعلَمُ أحدٌ أهذِه الأعوامُ كانت مِن أعوامِ الأرضِ أم مِن أعوامِ كواكبَ أخرى لا نَعرِفُها .
حَوّاء
خَلَق الله آدمَ وَحيداً .. ثُمّ خَلَق مِن أجلهِ حَوّاء ، فَرِحَ آدمُ بزوجهِ ، وهي أيضاً فَرِحَت بِلقائه . أسكَنَ اللهُ سبحانه أبانا آدمَ وأُمَّنا حوّاءَ الجنّة . الجَنّةُ مكانٌ جَميل .. جَميلٌ جدّاً .. أنهارٌ كثيرة .. وأشجارٌ خَضراءُ خالدة . ربيعٌ دائم .. ليس في الجنّةِ حَرٌّ ولا بَرد .. نَفَحاتٌ طيّبة . عندما يَملأُ المرءُ صَدرَهُ منها يَشعُرُ بالسعادة .. قالَ اللهُ ربُّنا لآدم : أُسكُنْ أنتَ وزَوجُكَ الجنّةَ وكُلا منها حَيثُ شِئتُما .. أُسكُنْ فيها حيثُ تُحِبُّ ، وكُلْ فيها ما تُحِبّ ..
ستَكونُ سعيداً فيها ، فليسَ في الجنّةِ تَعَبٌ ولا جُوعٌ ولا عُرْي .. ولكنْ إيّاكَ أن تَقتَرِبَ من هذهِ الشجرة .. إيّاكَ أن تَسمَعَ كلامَ إبليسَ ، فيَخدَعَك ، إنّه عَدوٌّ لك ولزوجِك .. إنّه يَحسُدُكَ يا آدم ، يُضمِرُ لكَ الشَّرّ . إنطَلَقَ آدمُ وزوجُه حوّاءُ في الجنّةِ يَنعُمانِ بظِلالِها ، ويأكُلانِ من ثِمارِها .. كانَ آدمُ سعيداً وكانت حوّاءُ سعيدة .. كانا سَعيدَين جدّاً .. لقد خَلَقَهُما الله بيدِه .. ورَزَقَهُما من كلِّ شيء ، وكانت الملائكةُ تُحبُّهما ، لأنّ الله خَلَقَهُما ويُحبّهما .. آدمُ وحوّاءُ يَنطَلقانِ في الجنّةِ هنا وهناك ، يَقتَطِفانِ من ثِمارها ويَجلِسانِ على شَواطئ أنهارِها .
شَواطئُ ساحِرَةٌ جَميلةٌ مِن الياقوتِ والعَقيقِ ، والمياهُ الصافيةُ العذبةُ تَغسِلُ أقدامَهُما .. وهناك أنهارٌ من عَسَلٍ طيّبٍ ولذيذ ، وأنهارٌ من لَبَن ، وطُيورٌ وزُهور .. لا حُدودَ لسعادةِ آدمَ وحوّاءَ ، كلُّ شيءٍ في الجنّةِ لهما .. أشجارُها وثِمارُها .. كانا يأكُلانِ من كلِّ الثِّمار .. ثِمارٌ مُختلفةُ الشَّكلِ واللَّونِ والرائِحةِ ، ولكنّها جيمعاً شَهيّة .. وفي كلِّ مرّةٍ كانا يُصادِفانِ شَجَرةً في وسطِ الجنّة .. شجرةً جميلةَ المنظرِ تَتَدلّى ثمارُها .. كانا يَنظُرانِ إليها فقط .. لأنّ الله نَهاهُما عن الاقتِرابِ منها وتَناوُلِ ثِمارِها .
إبليسُ عدوُّ الإنسان
طُرِدَ إبليسُ من صُفوف الملائكة .. لقد ظَهَرت حقيقتُه في أولِ امتحان .. ظَهَرت أنانيّتُه .. وتَكبُّره .. أصبَحَ مَلعوناً رَجيماً .. لم يَعُد له مكانٌ بين الملائكة ..
إبليسُ يَمتلئُ حِقداً وحَسَداً لآدمَ وزوجهِ .. أصبَحَ شُغلُه الشاغلُ كيفَ يَخدَعُ آدمَ وحوّاءَ ويُخرِجُهما من الجنّة !
قالَ في نفسِه : أنا أعرِفُ كيفَ أخدَعُهُما ، أنا أعرفُ أنّهما سَيُصغِيانِ إلى وَسْوَسَتي .. سَأدعُوهُما لأن يأكُلا من تلكَ الشجرة .. وعندَها سَيَشْقى آدم .. سيُصبحُ شَقيّاً مِثلي .. سوفَ يَطرُدُه الله من الجنّة ، حَوّاءُ هي الأخرى ستَشْقى .
الشجرة
جاءَ إبليسُ إلى آدَمَ وحَوّاء .. جاءَ لِيُوَسْوِسَ لَهُما .. لِيَخدَعَهُما ...
قالَ لَهُما : هَل رأيتُما أشجارَ الجنّةِ كلَّها ؟
قال آدمُ : نَعَم ، لقد رَأيناها جَميعاً .. وأكَلنا ثِمارَها .
قال إبليسُ : ما فائدةُ ذلك .. وأنتُما لم تَأكُلا من شجرةِ الخُلْد .. إنّها شَجَرةُ المُلكِ الدائمِ والحياةِ الخالدة .. عندما تأكُلانِ من ثِمارِها تُصبِحانِ مَلَكَينِ في الجنّة ..
قالت حَوّاءُ : تَعالَ لِنأكُلَ من شجرةِ الخُلود .
قالَ آدمُ : لقد نَهانا ربُّنا عن الاقترابِ منها ..
قالَ إبليسُ وهو يَخدَعُهُما : لَو لَم تَكُن شجَرةَ الخُلودِ لَما نَهاكُما عنها .. لَو لَم تُصبِحا مَلَكَينِ لَما قالَ لَكُما ربُّكما : لا تَقْرَبا هذهِ الشَّجرةَ .
إنني أنصَحُكُما أن تأكُلاها .. وعندها سوف تَصيرا مَلَكين ولن تَموتا أبداً .. ستَصيرا خالدَينِ تَنعُمانِ في هذهِ الجنّةِ إلى الأبد.
قالَ آدمُ لزوجهِ: كيف أعصي رَبِّي ؟! .. لا .. لا .
قالَ إبليسُ : هَيّا لأدُلُّكما عليها ، إنها هناكَ في وسطِ الجنّةِ .
ذَهَب إبليسُ وتَبِعَهُ آدمُ وحوّاء .. كانَ إبليسُ يَمشي مُتكبّراً مَغروراً .
قالَ وهو يُشيرُ إلى الشجر ة: هذهِ هي الشجرة .. أُنظُرا كَم هي جميلة ! انظُرا إلى ثمارها كم هي شَهيّة !
نظَرَت حوّاءُ .. ونَظَرَ آدمُ .. حَقّاً إنّها جَذّابة .. شهيّةُ الثِّمار .. شَجَرةٌ تُشبِهُ شجرةَ القَمح .. ولكنْ فيها ثِمارٌ مختلفةٌ وتُفّاح وعِنَب ..
قالَ إبليسُ : لماذا لا تَأكُلانِ منها .. أُقسِمُ لَكُما بأني ناصِح .. أنصَحُكما أن تَتَناوَلا ثِمارَها ..
أقسَمَ إبليسُ أمامَ آدمَ وحَوّاءَ أنّه يُريدُ لَهُما الخيرَ والخُلود !
وفي تلكَ اللحظةِ الرَّهيبةِ .. نَسِيَ آدَمُ ربَّهُ .. نَسِيَ المِيثاقَ الذي أخَذَهُ اللهُ عليه .. فَكّر في نفسِه أنّه يَستطيعُ أن يَبقى ذاكراً للهِ وفي نفسِ الوقتِ يَعيشُ حياةَ الخُلود ..
في تلك اللحظاتِ المُثيرة .. مَدَّت حَوّاءُ يَدَها واقتَطَفَت من ثمارِ الشجرةِ .. أكَلَت منها .. إنها حَقّاً شهيّة ، أعطَتْ آدمَ منها .. نَسِيَ آدمُ المِيثاقَ فأكَلَ منها .. وهنا فَرّ إبليس .. راحَ يُقَهقِهُ بصوتٍ شَيطاني .. لقد نَجَحَ في إغواءِ آدمَ وحَوّاء .
الهُبوط على الأرض
وفي تلك اللحظةِ التي أكَلَ فيها آدمُ وحوّاءُ من ثمارِ الشجرةِ .. حَدَثَ شيءٌ عجيب .. تَساقَطَت عنهما ثِيابُ الجنّةِ ، أصبَحا عريانَين .. بَدَت لَهُما سَوْآتُهما .. كانت هناكَ شجرةُ تينٍ وشجرةُ مَوزٍ عريضةُ الأوراق ، لَجأ إليها آدمُ وحَوّاء .. كانا يَشعُرانِ بالخَجَلِ مِن نَفسَيهِما .. راحا يَخصِفانِ مِن وَرَقِ التِّينِ والمَوزِ ، لِيَصنَعا لَهُما ثوباً يَستُرُ ما بدا من سَوآتِهما .
شَعرا بالنَّدمِ والخَوفِ والخَجَل .. لقد ارتَكَبا المَعصية .. لم يَسمَعا كلامَ الله ، سَمِعا كلامَ الشيطان .. الذي فَرّ بعيداً وتَرَكهما لوحدهما ..
سَمِعَ آدمُ وحوّاءُ صَوتاً يُناديهما .. كانَ صوتُ اللهِ سبحانه ، قال : ألَم أنْهَكُما عَن هذهِ الشجرة ؟! ألَم أقُلْ لَكُما إنّ الشيطانَ عَدوٌّ لَكُما فلا يَخْدَعْكُما ؟!
بكى آدمُ بسببِ خطيئته .. وبَكَت حوّاء .. لَيتَهُما لم يَسمَعا كلامَ الشيطان ..
قالا وهما يَركعانِ لله في نَدَم : نَتُوبُ إليكَ يا ربَّنا .. فاقبَلْ تَوبتَنا .. تجاوَزْ عن خَطيئتِنا ، ربَّنا ظَلَمْنا أنفُسَنا وإنْ لَم تَغفِرْ لنَا وتَرحَمْنا لَنكونَنَّ مِن الخاسِرين .
كانَ آدمُ قد تَعلّم من قبلُ أن المغفرةَ والتوبةَ والندمَ تَغسِلُ الخَطايا .. لهذا تاب ، وأنابَ إلى الله .. اللهُ ربّنا رحيمٌ بمخلوقاتهِ فتابَ عليه ، ولكنّ مَن يأكُل من هذهِ الشجرة ومَن يعصي الله ، عليه أن يَخرُجَ من الجنّةِ ، عليه أن يَتطَهَّر من خَطيئتِه
قالَ اللهُ سبحانه : اهبِطوا إلى الأرض .. اهبِطا أنتما وإبليسُ إلى الأرض .. ستَستَمرّ العداوةُ بينكما وبينه .. سوف يَستمرّ في خداعهِ لكما .. ولكنّ مَن يَتّبعُ أمري .. مَن يتّبعُ كلماتي فسأُعيده إلى الجنّة .. أمّا من يُكذّب ويَكفُر فسيكون مَصيرُه مثلَ مصيرِ الشيطان .
قالَ الله سبحانه : اهبِطُوا بعضُكم لبعضٍ عَدُوّ، ولَكُم في الأرضِ مُستقرٌّ ومَتاعٌ إلى حين .. وفيها تَحْيَونَ وفيها تَموتونَ ومنها تُخرَجون.
اهبِطا منها جميعاً ، فإمّا يَأتِينَّكُم مني هُدىً فمَن تَبِعَ هُدايَ فلا يَضِلُّ ولا يَشْقى ، ومَن أعرَضَ عن ذِكري ، فإنّ له مَعيشةً ضَنْكاً ونَحشُرهُ يوم القيامةِ أعمى .
أصبَحَ آدمُ وحوّاءُ مُؤهَّلَينِ للحياةِ في كوكبِ الأرض .. لقد اكتَشَفَ آدمُ سَوءاتهِ .. أصبَح جاهزاً لأن يكونَ خليفةَ الله في الأرضِ يُعمّرها .. ويَسكنُها .. ولا يُفسِدُ فيها .
لهذا سَجَد له الملائكة .. تَصوَّرت الملائكةُ أن آدمُ سوف يُفسِد في الأرض ويَسفِكُ الدِّماء .. ولكنّ آدم يَعرِفُ أشياءَ لا تَعرفها الملائكة ، يَعرِفُ الأسماءَ كُلَّها ، يعرف حقائق مهمّة ، الملائكةُ لا تَعرِفُ الحرّية والإرادة ، ولا تَعرِفُ التَّوبة .. لا تَعرفُ الخَطيبئة ، لا تَعرفُ أن الذي يُخطئ يَعرفُ كيف يُصحِّحُ خطأه ويَتُوب .
مِن أجلِ هذا خَلَقَ اللهُ آدمَ ليكونَ له خليفةً في الأرض ، فجأةً وبقدرةِ الله المُطلَقة .. هبَطَ آدمُ وحوّاء .. وهَبَط إبليس ، كلُّ واحدٍ منهم هَبَط في مكانٍ من الأرض .
هَبَط آدمُ فوق قمّةِ جبلٍ في جزيرةِ سَرندِيب (1)، وهَبَطت حوّاء فوقَ جبلِ المَرْوةِ في أرض مكّة .. أمّا ابليسُ فهبَطَ في أخفَضِ نقطةٍ من اليابسة .. هَبَط في وادٍ مالحٍ في البصرةِ قريباً من مِياهِ الخليج .
وهكذا بَدَأت الحياةُ الإنسانيةُ فوقَ سطحِ الأرض ، وبدأ الصِّراع .. الصِّراعُ بينَ الشيطانِ والإنسان ..
عندما هَبَط أبونا آدمُ وأُمّنا حوّاءُ على سطحِ الأرضِ كانت هناكَ حيواناتٌ كثيرةٌ تعيش .. غيرَ أنها لم تُقاوِم الثلجَ المُتراكَم منذ آلافِ السنين ، فماتَت وانقَرَضَت .. كانَ حيوانٌ يُدعى « المامُوث » وهو يُشبِهُ الفيلَ ، ولكنّ جِلدَهُ كان مُغطّى بالصُّوف .
اللقاء
الملائكةُ كانت تُحبُّ آدم .. تُحبّه لأنّ الله خلَقَه بيده .. وتُحبّه لأنّه خَلَقه وجَعَله أسمى مرتبةً من الملائكة .. الملائكةُ سَجَدت لآدم ، لأنّ الله أمرَها بالسُّجود له .. وعندما عصى آدمُ ربَّه وأكلَ من تلك الشجرة.. نَدِمَ وتابَ وأنابَ إلى الله..اللهُ ربنا رحيم ، قَبِلَ تَوبتَه .. وأهبطَه إلى الأرض ليكونَ خليفتَه ..الأرضُ امتحانٌ للإنسان : هل يَعبُدُ الله أم يَتَّبِعُ الشيطان ؟ الملائكةُ تُحبّ آدمَ وتُحبّ له الخيرَ والسعادة ..
تُريد له أن يَعودَ إلى الجنّة ، أمّا الشيطانُ فهو يَكرَهُ آدمَ ، وهو يَكرَهُ الإنسانَ ويَحقِدُ عليه ، لهذا حَسَدَهُ ولم يَسجُدْ له .. استَكبَر على الله لهذا أغوى آدمَ وأزلَّه فأكَلَ من الشجرة .. الشيطانُ يكره الإنسانَ ، يُضمِرُ له العداوةَ ، يُريدُ له الشَّقاء .. يُريدُ له الذَّهابَ إلى الجَحيم . هَبَط آدمُ على الأرض .. وظَّلَ ساجداً للهِ ، كانَ يَشعُرُ بالنَّدِم العميقِ لخطيئته .. تابَ اللهُ عليه .. واجتَباه .. وأصبَحَ آدمُ طاهراً من الخَطيئة ..
تَذكّر آدمُ زوجتَهُ حوّاءَ .. آدمُ يُحبّها كثيراً . كانَ سعيداً بها ، ولكنْ لا يَدري أينَ هي الآن .. عليه أن يَبحَثَ لَعلّه يَعثَرُ عليها ، راحَ آدمُ يَضرِبُ في الأرضِ وَحيداً يَبحَثُ عن زوجتهِ حوّاء . جاء أحدُ الملائكة.. أخبَرَهُ أن حوّاء في مكانٍ بعيد من هذه الأرض .. إنها تَنتظرُك .. هي خائفةٌ وتَبحثُ عنك .. قال له : إذا سِرتَ في هذا الاتّجاه فإنك سَتَعثرُ عليها .. شَعَر آدمُ بالأمل .. وانطَلَق يَبحثُ عن حوّاء .. قطَعَ مسافاتٍ شاسعةً وهو يَمشي .. كان يَمشي حافيَ القَدَمين .
إذا جاعَ تناولَ شيئاً من النباتاتِ البرّية ، وعندما تَغيب الشمسُ ويَغمُر الظلامُ الأرضَ ، كانَ يَشعْر بالوَحشةِ فينام في مكانٍ مناسب .. وكان يَسمع أصواتَ الحيواناتِ تأتي من بعيد ..سارَ آدمُ أيّاماً ولياليَ .. إلى أن وصَلَ إلى أرضِ « مكّة » ، في قلبهِ شعورٌ أنه سيجدُ حوّاء في هذا المكان .. ربّما خَلفَ هذا الجبلِ أو ذاك .. كانت حوّاءُ تَنتظر ، تَصعَدُ هذا الجبلَ وتنَظُر في الآفاق.. ولكنْ لا شيء.. وتَذهَبُ إلى ذلك الجبلِ وتَصعَدهُ لِتَنظُر ..ذاتَ يومٍ رأت حوّاءُ وهي تَنظُر.. رأت شَبَحاً قادِماً مِن بَعيد .. عَرَفت أنّه آدمُ ، إنّه يُشبهها .. هَبَطت حوّاءُ من الجبل .. رَكضَت إليه ، كانت تَشعُر بالفَرحةِ والأمل ..
آدمُ لَمَحها من بعيد.. أسرَعَ إليها ، رَكض باتّجاهِ حوّاءَ ، وحوّاءُ هي الأخرى كانت تَركضُ باتّجاه آدم . وفي ظِلال جَبَلٍ يُدعى « عَرَفات » حَدَث اللقاء .. بَكَت حوّاء مِن فَرحَتِها ، وبكى آدمُ أيضاً .. ونَظَرا جميعاً إلى السماءِ الصافية .. وشكرا الله سبحانه الذي جَمَع شَمْلَهُما مرّةً أخرى .