يعد العمل الخيري والإحسان للآخرين سمة بارزة في الكويت، فمنذ القدم جبل أهل الكويت على حب الخير و حرصوا على الإحسان للآخرين، لمساعدة المحتاجين، وتقرباً إلى الله عز وجل. فكانوا يفرحون بحب الناس، ودعواهم لهم بالخير والفلاح.
فقدم هؤلاء نماذج رائعة في الأعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها أبرزها عمارة العديد من المساجد ، وكفالة الأيتام في ، وتأسيس عدد من المدارس الإسلامية.
فأهل الخير والإحسان في الكويت أكثر من أن نحصيهم ونعدهم، وبخاصة في الشدائد والمحن التي ظهر فيها معدنهم الأصيل، إذ تنافسوا في عمل الخير و بذل المعروف، فأنفقوا على الفقراء والمساكين وذوي القربى وأبناء السبيل، وبنوا المساجد والمدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفروا الآبار، فملأت سيرهم العطرة الآفاق، ونحن في «الوسط» سنقوم بنشر سير بعض المحسنين العطرة في هذا الشهر الفضيل في حلقات يومية، اقتباساً من كتاب « محسنون من بلدي».
ويعد الكتاب الذي أصدره بيت الزكاة على عدة أجزاء لمحة وفاء، وتوثيقاً لسير المحسنين وتذكرة بأعمالهم الخيرة، وتخليداً لذكراهم العطرة. وسنتوقف في هذه الحلقة مع سيرة عبد الوھاب عبد العزيز العثمان.
المولد والنشأة
هو عبد الوهاب بن عبد العزيز بن عثمان، المولود في منطقة القبلة في مدينة الكويت عام 1323 ه الموافق لعام 1905 م، لُقب بش&<740;خ النواخذة في الكويت لما له من جاه وص&<740;ت في هذا المجال. ينتمي النوخذة عبد الوهاب العثمان إلى عائلة توارثت العمل في البحر أباً عن جد. وهي عائلة كويت&<740;ة عريقة ارتبط تاريخها بالبحر من أول يوم قدم ف&<740;ه عم&<740;دها عبد العزيز بن عثمان من نجد، وهو من النواخذة المعروف&<740;ن في زمانه في الكويت، وتعود أصوله إلى قرية جنوب&<740;ة سدير (الجنوب&<740;ة) في منطقة سدير في نجد بالمملكة العرب&<740;ة السعودية، التي ارتحل منها إلى الكويت في حوالي عام 1274 ه ( 1857 م)، وكان عمره ح&<740;نئذ اثني عشر عاماً.
وبعد أن وصل إلى الكويت قرر أن يتخذ العمل في البحر مهنة له، إذ كانت الكويت مزدهرة بالتجارة في ذلك الوقت ومشتهرة بحرفة الغوص على اللؤلؤ، وكذلك السفر التجاري بالسفن الشراع&<740;ة إلى سواحل الخل&<740;ج العربي وال&<740;من والهند وسواحل إفريق&<740;ا.
وقد كان عبد العزيز بن عثمان ذا طموح كب&<740;ر، فعمل بكل همة ونشاط في سب&<740;ل تحق&<740;ق ما وصل إل&<740;ه من نجاح بعد ذلك، وكان يتمنى أن يمتلك سف&<740;نة شراع&<740;ة تقف أمام منزله على شاطئ البحر، وله في ذلك مقولة مشهورة وهي: «لن أتزوج حتى أربط البري».
ولما تجمع لديه ما يكفي من المال اشترى أول سف&<740;نة شراع&<740;ة، وكان يقودها بنفسه للسفر والتجارة ما ب&<740;ن الكويت وموانئ الهند وال&<740;من، ومرت السنوات، وتحقق له مراده بالتوكل على الله تعالى المقرون ببذل الأسباب، فتزوج عبد العزيز ورزقه الله من البن&<740;ن: عبد الله وعثمان وعبد الوهاب.
ولعل أبرز مؤشرات الارتباط الكب&<740;ر لأسرة العثمان بالبحر ما يلي:
- بروز ستة عشر نوخذة للسفر الشراعي في الكويت من هذه العائلة الكريمة، توارثوها أباً عن جد وتناقلوها أخاً عن أخ وج&<740;لاً بعد ج&<740;ل، وهو أكبر عدد من نواخذة السفر الشراعي برز من عائلة واحدة.
- امتلاكهم أسطولاً كب&<740;راً يعتبر أحد أكبر أساط&<740;ل السفر الشراعي الكويتي الذي وصل إلى سواحل الخل&<740;ج ومسقط وال&<740;من والهند وإفريق&<740;ا.
ومن أشهر سفن هذا الأسطول : ت&<740;س&<740;ر ومساعد وموافج والباز وفتح الرحمن، وفتح الكريم، فضلاً عن أبوام الماء (سفن نقل الماء من شط العرب إلى الكويت) الكث&<740;رة، التي لم يحفظ التاريخ أسماءها، بالإضافة إلى أسماء سفن السفر الشراعي الأخرى التي لم يحفظها لنا التاريخ أيضاً مع الأسف.
- تم&<740;ز عدد لا بأس به منهم بأن طاقمه البحري (ال&<740;زوة) جم&<740;عه من أهل الكويت، في ح&<740;ن أنه من المشهور استعانة النواخذة الكويت&<740;&<740;ن بخل&<740;ط من البحارة الكويت&<740;&<740;ن وغ&<740;رهم من أهل الخل&<740;ج وخاصة عمان والإمارات العرب&<740;ة المتحدة، قبل تشك&<740;ل دولة الإمارات في ك&<740;انها الحالي بل قبل ظهور النفط ف&<740;ها وفي الكويت، وفي ذلك دلالة واضحة على حرص نواخذة العثمان على استقطاب أفضل الكفاءات المحل&<740;ة، ولو كان ذلك مكلفاً من الناح&<740;ة المادية.
- تم&<740;ز أسطولهم بحسن الصنع، لحسن انتقاء الأساتذة والقلال&<740;ف، الذين يبنون لهم (يوشرون) سفنهم، وإذا ما قُرن ذلك العامل بعامل ثانٍ وهو حذقهم ومهارتهم البحرية، وعامل ثالث مهم وهو حسن ن&<740;تهم وسلامة سريرتهم، كانت هذه العوامل الثلاث مجتمعة من أهم أسباب نجاحهم الكب&<740;ر في صناعة السفر الشراعي، وكذلك عدم تعرض سفنهم إلى كوارث أو حوادث جس&<740;مة تذكر، إذا ما ق&<740;ست بعددها الكب&<740;ر. وقد أشار د. عبد المحسن الخرافي في كتابه «النوخذة عبد الوهاب عبد العزيز العثمان ريادة عائلة وتم&<740;ز إنسان « إلى توافق عج&<740;ب ولط&<740;ف في الوقت نفسه ينم عن الخ&<740;رية في آل العثمان، إذ يقول:
قل&<740;لاً ما تحدث في هذه الح&<740;اة موافقات واضحة تشد إل&<740;ها الناظرين وتلفت انتباههم لأن مفردات الح&<740;اة وأحداثها كث&<740;رة جداً ولا تأتي أحداثها بالضرورة على نسق واحد، غ&<740;ر أننا في حالة نواخذة السفر الشراعي من أسرة العثمان الكريمة أمام حالة لط&<740;فة وعج&<740;بة من ح&<740;ث التوافق الذي سنحاول تقديم تفس&<740;ر منطقي وواقعي له.
فمن الجدير بالذكر هنا أنني قد وجدت تزامناً يستحق الوقوف، وتوافقاً يقتضي التأمل ب&<740;ن أن عائلة العثمان قد ضمت أكبر عدد من نواخذة السفر الشراعي وب&<740;ن أن رجالاتها ونساءها على السواء قد بنوا أكبر عدد من المساجد في الكويت، تبن&<740;ها شخص&<740;ات من عائلة واحدة، وهذه مناطق الكويت تشهد لهذه العائلة ببذلها في سب&<740;ل الخ&<740;ر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن ضمن ما أمكننا حصره من ب&<740;وت الله تعالى التي بناها آل عثمان الكرام تسعة مساجد في مختلف مناطق الكويت وثلاثة خارجها.
ولعل السبب في كثرة المساجد التي بناها آل عثمان واضح وجلي، فالتنوخذ ملكة ق&<740;ادية غالباً ما ينمو معها طبع الأصالة والكرم وحب الخ&<740;ر والريادة ب&<740;ن الناس، ولا خلاف على أن في بناء ب&<740;وت الله تعالى ت&<740;س&<740;راً للشعائر التعبدية للناس، وهو أكبر دل&<740;ل على هذا الحب.
ول&<740;س بغريب عليَّ أبداً عزيزي القارئ أن يتوافق كون عائلة العثمان من أكثر العوائل التي ظهر منها نواخذة سفر، وظهر منها أيضاً من بنى ب&<740;وتًا لله تعالى، فكان عدد ما بنته من ب&<740;وت الله تعالى في الكويت أكبر عدد للمساجد بنته رجالات ونساء من عائلة واحدة في الكويت كما أسلفنا آنفاً. سجل حافل لعائلة العثمان لا نستط&<740;ع حصره في هذه العجالة وقد لخصنا ما ت&<740;سَّر من كريم مناقبها وأص&<740;ل رجالاتها، وكم أخرج رحم الكويت من عائلات عريقة قدمت للوطن رجالات حققوا الإنجازات فكانت كويت الماضي، وكويت الحاضر، وستكون كويت المستقبل إن شاء الله.
تعل&<740;مه
كعادة أبناء الكويت في ذلك الوقت التحق عبد الوهاب عبد العزيز العثمان بالكُتّاب وتعلم ف&<740;ه القرآن الكريم والحساب والخط، ثم التحق بمدرسة الملا هاشم الحن&<740;ان. وقد كانمن أساتذته وش&<740;وخه آنذاك الس&<740;د هاشم الحن&<740;ان والس&<740;د سعد بن شرهان والش&<740;خ يوسف بن حمود والملا عبدالعزيز العنجري، وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره اتجه إلى تعلم أصول الملاحة وق&<740;ادة السفن الشراع&<740;ة.
أوجه الإحسان في ح&<740;اته
لا شك أن عمل أهل البحر جعلهم يطلعون على كث&<740;ر من آيات الله تعالى، المبثوثة في أرضه وسمائه وبحاره، ف&<740;رون ما لا يراه غ&<740;رهم من عج&<740;ب صنع الله تعالى وعظ&<740;م خلقه وتدب&<740;ره، كما أن إحساسهم بأنهم قد يتعرضون للمخاطر في أي لحظة، وقد يواجهون الصعاب في أي موضع (لا س&<740;ما في أوقات العواصف) جعلهم قريب&<740;ن من الله تعالى، متوكل&<740;ن عل&<740;ه ينزلون به حاجاتهم كل ح&<740;ن، رجاء حفظه وسعة رزقه.
ولذلك كان المقتدر منهم يعطي الفق&<740;ر والمحتاج ولا يتأخر عن بذل المعروف في ل&<740;ل أو نهار عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: