ما يجعلها تستنزف كثيرا من الوقت والجهد حتى تصل إلى مبتغاها.
تلك المشقة التي واجهتها الدكتورة شمسة -وهي أكاديمية ورئيسة قسم الوثائق والمحفوظات بكلية الشرق الأوسط- تذللت كثيرا بعد تدشين المنصة الإلكترونية التابعة لدار المخطوطات التابعة لوزارة التراث والثقافة، وإتاحتها لجميع الباحثين والدارسين والمشتغلين بالبحث في علم المخطوطات من جميع أنحاء العالم.
والداخل إلى هذه المنصة: (https://manuscripts.mhc.gov.om/ar/) يجد أنها صممت بطريقة جاذبة وبلغة بصرية وتقنية ميسرة خالية من التعقيدات البرمجية، مما يسهل على الباحث اكتشاف هذا الرصيد الفكري والوطني الذي يربو على أربعة آلاف مخطوطة موزعة على أربعة مجالات، معظمها حول العلوم الإنسانية من التفسير والحديث وعلوم القرآن والفقه والتاريخ، إلى الأدب واللغة العربية والفلك والطب وعلوم البحار.
وكما يشير العرض المرئي لمكتبة المخطوطات بالدار إلى أن مخطوط "الجمع بين الصحيحين" لأبي عبدالله محمد بن أبي نصر الحميدي يعد أقدم مخطوطة عُمانية في الحديث الشريف تعود إلى سنة 617هـ الموافق 1220م (نحو ثمانمئة عام)، كما أن مخطوطة الطبيب راشد بن عميرة الهاشمي التي تعود إلى عام 654هـ/1256م تعد واحدة من أنفس المؤلفات الطبية التي تحوي رسومات تفصيلية للدماغ والأعصاب وتشريح جسم الإنسان.
وقد بذلت الدار جهودا حثيثة ومضنية في الحصول على تلك المخطوطات النادرة، سواء عبر تشكيل لجنة لتقديم تعويضات مادية للأهالي الذين تبرعوا بمخطوطاتهم القيمة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، أو بالقيام بزيارات منظمة لمن يمتلكون مخطوطات نادرة ونفيسة في مكتباتهم الخاصة لتشجيعهم على إيداعها في الدار، ذلك أنها المكان الآمن لحفظها والعناية بها.
مخطوطات أبو نواس
وتشير إحصائيات المنصة الإلكترونية إلى أن "الدلائل والأخبار في خصائص ظفار- تاريخ ظفار" لمؤلفه عبدالله بن جعفر الكثيري المولود في القرن العاشر الهجري/الخامس عشر الميلادي هي الأكثر زيارة حتى الآن بصحبة "المختار من شعر أبي نواس" للحسن بن هانئ أبو نواس.
ويستطيع الباحث نسخ وشراء ما يشاء من المخطوطات بأسعار رمزية، وقد جاء مخطوط "قاموس الشريعة" لجميل بن خميس السعدي و"بيان الشرع" لمحمد بن إبراهيم الكندي الأكثر مبيعا، فيما حلت "الكواكب الدرية تسبيع البردة البوصيرية" لعبدالله بن عمر الشيرازي البيضاوي، و"السيَر والأنساب الحمراء" لسلمة بن مسلم العَوتبي، الأكثر قراءة بعد مضي شهر من تدشين المنصة.
ومن المؤمل أن تسهم هذه المنصة في تحقيق هذه المخطوطات وطباعتها منقحة على نسخ متعددة، ونشر إسهامات الإنسان العُماني بما خلفه من مخزون فكري عبر مختلف المجالات والعلوم.
ويشير رئيس الجمعية العمانية للكُتاب والأدباء الشاعر سعيد الصقلاوي إلى أنه من الأهمية بمكان أن تواكب المؤسسات الثقافية العصر من الناحية التقنية والمعلوماتية، حيث باتت كبرى المكتبات في العالم تتيح مصادرها ورصيدها الفكري مثل مكتبة الكونغرس والمكتبة البريطانية والأرشيف البريطاني والمكتبة الوطنية الفرنسية وغيرها من المؤسسات الثقافية والبحثية والتراثية عبر منصات إلكترونية لتوفير المخطوطات بأيسر السبل ودون عناء وبعضها دون مقابل.
ويرى الباحثون العمانيون ضرورة إتاحة جميع المخطوطات لدى جميع المؤسسات الوطنية المعنية بالشأن الثقافي والعلمي والبحثي والمكتبات العمانية من خلال منصات إلكترونية مماثلة، ليسهل تتبع التطور الحضاري والبحثي والتاريخي، وهو ما عبر عنه الباحث في التاريخ العماني محمد بن حمد العريمي، ويضيف أن "لدينا شحا في المصادر التاريخية العمانية بسبب عدم اهتمام العلماء بالجانب التاريخي بقدر اهتمامهم بالجوانب الدينية".
وبيّن أن من كتب في التاريخ غالبا ما انطلق من أغراض مختلفة إما دينية أو توثيقا لبعض السير الشخصية، مؤكدا الحاجة الماسة للعودة لهذه المخطوطات لاستنباط تفاصيل تاريخية من التاريخ العُماني الضارب في عمق الحضارة الإنسانية.