هي خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي, وهي أم الدرداء الكبرى، لها صحبة، وكانت من فضلاء النساء وعقلائهن، وذوات الرأي منهن مع العبادة والنسك.
من مواقف أم الدرداء مع الرسول  :
يروي سهل بن معاذ عن أبيه عن أم الدرداء أنه سمعها تقول: لقيني رسول الله  وقد خرجت من الحمام فقال: “من أين يا أم الدرداء؟” فقالت: من الحمام, فقال: “والذي نفسي بيده, ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن “.
حال أم الدرداء مع زوجها 
 
يقول عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخى النبي  بين سلمان وأبي الدرداء, فزار سلمان أبا الدرداء, فرأى أم الدرداء متبذلة, فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كُلْ، قال: فإني صائم, قال: ما أنا بآكل حتى تأكل, قال: فأكل, فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم, قال: نم, فنام ثم ذهب يقوم, فقال: نم, فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا فقال له سلمان: “إن لربك عليك حقًّا, ولنفسك عليك حقًّا, ولأهلك عليك حقًّا, فأعط كل ذي حق حقه, فأتى النبي  فذكر ذلك له, فقال النبي : “صدق سلمان”.
بعض ما روته أم الدرداء عن النبي  :
عن أم الدرداء عن النبي  قال: “ما من ميت يقرأ عنده سورة يس إلا هون عليه الموت”.
وعن أم الدرداء عن النبي  قال: “إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان والاستكراه”.
وفاة أم الدرداء 
 
توفيت قبل أبي الدرداء بسنتين, وكانت وفاتها بالشام في خلافة عثمان بن عفان, وكانت قد حفظت عن النبي  وعن زوجها أبي الدرداء عويمر الأنصاري.
تحدثنا عن ام الدرداء الكبرى ، فمن هي أم الدرداء الصغرى ؟هي السيدة العالمة الفقيهة هجيمة وقيل جهيمة الأوصابية الحميرية الدمشقية من كبار العلماء، روت علما جما عن زوجها أبي الدرداء وعن سلمان الفارسي وكعب ابن عاصم الأشعري وعائشة وأبي هريرة وطائفة، وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء، وطال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد. حدث
عنها جبير بن نفير وأبو قلابة الجرمي وسالم بن أبي الجعد ورجاء بن حيوة ويونس بن ميسرة ومكحول وعطاء الكيخاراني وإسماعيل بين عبيد الله بن أبي المهاجر وزيد بن سالم وأبو حازم الأعرج وإبراهيم بن أبي عبلة وعثمان بن حيان.  ابن الجوزي – رحمه الله - : و أم الدرداء الصغري اسمها : هجيمة بنت حيي الوصابية – قبيلة من حمير – و هي زوجة أبي الدرداء و هي التي خطبها معاوية بعد موت أبي الدرداء فأبت أن تتزوجه.
وقد كانت أم الدرداء إحدى عابدات الشام التي كان لها السبق في العبادة و الصلاح حتي قصدها الناس يتعلمون منها رقة القلب و خشوع الجوارح عند ذكر الله و قراءة القرآن. 
لم تسمع أم الدرداء من النبي صلى الله عليه وسلم و لكنها روت عن زوجها أبي الدرداء حديثاُ رواه عنها طلحة بن عبد الله بن كريز قال: “ حدثتني أم الدرداء قالت: حدثني سيدي – تعني زوجها أبا الدرداء– أنه سمع رسول الله يقول “ من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: و لك بمثل” (رواه مسلم).
إنها زوجة صحابي جليل عرف عنه الحكمة و حب الذكر و الطاعة. و قد أخذت عنه حب الذكر و الشغف به حتي أصبح لقلبها بمثابة الماء للأرض و الري للظمآن، فلا تجد حياة فؤادها إلا حينما تذكر بلسانها أو تسمع بأذنها و ذلك كله مع حضور القلب و يقظة النفس. 
إنها أم الدرداء إحدى عابدات الشام التي كان لها السبق في العبادة و الصلاح حتي قصدها الناس يتعلمون منها رقة القلب و خشوع الجوارح عند ذكر الله و قراءة القرآن.
 
عابدة لا تمل ذكر الله
 
قال عبد الله بن أحمد: حدثتني خديجة أم محمد، و كانت تجيء الي أبي تسمع عنه و يحدثها، قالت حدثنا اسحاق الأزرق قال: حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال: كنا نجلس الي أم الدرداء فنذكر الله عندها فقالوا: لعلنا قد أمللناك؟ قالت: تزعمون أنكم قد أمللتوني؟ فقد طلبت العبادة في كل شيء، فما وجدت شيئاُ أشفي لصدري ولا أحري أن أصيب به الذى أريد من مجالس الذكر. إن المرأة المؤمنة لم يكن لها سهم واحد من أعمال الطاعة، و لكنها ضربت في كل غنيمة بسهم، فهي فقيهة في دينها، محدثة تروى أحاديث نبيها صلى الله عليه
وسلم، و هي مضرب الأمثال في الصبر والرضا بالقضاء و القدر، و هي في صفوف المجتهدين بالليل و المستغفرين بالأسحار، وهي لا تفتر عن ذكر الله و لا تمل قراءة القرآن، و هي بالنهار صائمة و تمشي بين الناس بالنصيحة، وهكذا فلتكن المؤمنة الصالحة الصادقة في كل زمان و مكان. قال ميمون بن مهران: ما دخلت علي أم الدرداء في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية.  قال يونس بن ميسرة: كنا نحضر أم الدرداء و تحضرها نساء متعبدات يقمن الليل كله حتي إن أقدامهن قد انتفخت من طول القيام. 
كم من نساء يجتمعن علي لغوا باطلا و لهو عابث و غفلة لا خير فيها، و لكن هؤلاء النسوة قد جمعتهن الصلاة و القيام و الدعاء و البكاء، هكذا فلتكن صحبة النساء، و علي هذه الأعمال الصالحة فلتكن اجتماعاتهن و علي ذلك الفكر و هذه الهمة يكون لقاؤهن، هذه الهمم العالية لا تجعل هناك أي ميدان للغيبة و النميمة و العشرة الفاسدة، و ستغلق جميع الأبواب أمام الشيطان فلا يجد لقلوبهن سبيلا، ولا يستطيع أن يعبث بأفكارهن و لا أن يضيع أوقاتهن، فقد عرفن قيمة الوقت و نفاسة الزمن و قدر العمر، فلا ساعة تضيع في غفلة و لا يوم يمر بغير عمل صالح و عزمة خير. 
قال يحيي بن معين: ماتت الدرداء قبل أم الدرداء، فلما دفنتها قالت: إذهبي الي ربك و أذهب الي ربي. فدخلت المسجد. 
إن المؤمن لا يستسلم لأحزانه و لا يحمل نفسه من الألم فوق ما تطيق، و هكذا كانت أم الدرداء – رحمها الله – حينما أصيبت بابنتها فلم تملأ الدنيا صراخاُ و عويلاُ، و لكنها توجهت الي المحراب حيث تأخذ زاد الصبر من الصلاة و الدعاء و المناجاة “ يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين” (البقرة 153).
و من كلماتها في الخشوع و وجل القلب عند ذكر الله و قبل الدعاء، ما رواه شهر بن حوشب عنها أنها قالت: إنما الوجل في قلب ابن آدم كاحتراق السعفة، أما تجد لها قشعريرة؟ قال: بلي، قالت: فادع الله إذا وجدت ذلك فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.
إن ىهذه وصفة من جرب احتراق القلب من خشية الله فاستجاب الله له دعاءه و هكذا كانت نصائح السلف صائبة مفيدة لأنهم عاشوا حياة الإيمان بكل صدق و إخلاص فذاقوا حلاوتها فوصفوها للناس كما وجدوها.
قلبها معلق بالقرآن
 
عن ابن عمران الأنصاري قال: كنت أقود دابة أم الدرداء فيما بين بيت المقدس و دمشق فقالت لي: يا سليمان أسمع الجبال و ما وعدها الله عز و جل، فأرفع صوتي بهذه الآيات: “ و يوم نسير الجبال فتري الأرض بارزة و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا” (الكهف:47).
و المؤمن يشعر بهذه الصلة التي تربطه بما حوله، و يشعر أن أصداء الكون تردد معه ذكر الله و هي فرحة مسرورة بهذا العابد الذي يطيع ربه، فقد جاء في
الأثر: إن الجبل ينادي علي الجبل و الوادي ينادي علي الوادي كل يوم و يقول: هل مر بك اليوم ذاكر لله عز و جل؟
و قال سعيد بن عبد العزيز: أشرفت أم الدرداء علي وادي جهنم (اسم وادي من الأودية بالصحراء) و معها إسماعيل بن عبيد الله فقالت: يا اسماعيل إقرأ، فقرأ “ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاُ و أنكم الينا لا ترجعون” (المؤمنون:115)، فخرت أم الدرداء علي وجهها و خر اسماعيل على وجهه فما رفعا رؤوسهما حتي ابتل ما تحت وجوههما من دموعهما.
هكذا آيات القرآن إذا مست قلوب المؤمنين فإنها تهزها هزاُ و تنفض عنها الركام الذى ران عليها فتقشعر منه الجلود اجلالاُ لله و تعظيماُ له و تصديقاُ  بوعده و وعيده و قد كانت أم الدرداء الصغري في مواعظها كثيراُ ما تذكر الموت و تحذر الناس من فتنة الدنيا و تنصح لهم بالإستعداد ليوم الميعاد. قال شيخ من بني تميم:
حدثني هزان قال: قالت أم الدرداء: يا هزان هل تدري ما يقول الميت علي سريره؟ فقلت: لا. قالت: فإنه يقول يا أهلاه و يا جيراناه و يا حملة سريراه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، و لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، فإن أهلي لا يحملون عني من وزري شيئاُ، و لو حاجوني عند الجبار لحجوني (أي كانت لهم الحجة علي)حيث لا يحمل أحد وزر أحد و لا يغني أحد عن أحد شيئاُ. 
ثم قالت أم الدرداء: الدنيا أسحر لقلوب العابدين من هاروت و ماروت، و ما آثرها عبد قط إلا أضرعت خده (أي جعلته ذليلاُ) و حينما توفي عنها زوجها أبو الدرداء – رضي الله عنه – تقدم لخطبتها معاوية – رضي الله عنه فأبت أن تتزوجه رغم ما ستكون فيه من نعمة و مال و جاه، و لكنها آثرت أن تموت و هي علي ذمة أبي الدرداء حتي تلحق به يوم القيامة و قد ذكرت في ذلك حديثاُ سمعت منه في هذا الشأن، فقد قال ميمون بن مهران: خطب معاوية أم الدرداء فأبت أن تتزوجه و قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم” المرأة في آخر أزواجها” أو قال “لآخر أزواجها” أو كما قال، و لست أريد بأبي الدرداء بدلاُ.
وهكذا دفعها وفائها لزوجها بعد مماته و حبها له الي الرغبة في أن تكون زوجته في الآخرة.
 أم الدرداء العابدة الذاكرة 
 
بأي شيء يا ترى فاقت التابعيات حتى قيل عنها أنها سيدتهن؟ وأي خصال اتصفت بها جعلتها تحصل على تقدير العلماء واحترام العامة وتصل إلينا أخبارها دون غيرها من النساء؟
كانت رضي الله عنها ذاكرة لله في كل حال وفي كل وقت عابدة زاهدة. عن المسعودي عن عون بن عبد الله قال: “كنا نجلس إلى أم الدرداء فنذكر الله عندها, فقالوا:” لعلنا قد أمللناك.” قالت:” تزعمون أنكم قد أمللتموني فقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئا أشفى لصدري ولا أحرى أن أصيب به الذي أريد من مجالس الذكر.” 
وقد روت مولاة لها يقال لها رجلة قالت:” رأيت أم الدرداء معتكفة في قبة تركية في مسجد دمشق وكانت تلبس البرنس.” عن ابن مسلم قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال أشرفت أم الدرداء على وادي جهنم ومعها إسماعيل بن عبيد الله فقالت:” يا إسماعيل اقرأ فقرأ “أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون.” فخرت على وجهها وخر إسماعيل على وجهه فما رفعا رؤوسهما حتى ابتل ما تحت وجوههما من دموعهما. 
عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء:” قالت إنما الوجل في قلب ابن آدم كاحتراق السعفة أما تجد لها قشعريرة قال بلى قالت فادع الله إذا وجدت ذلك فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.” 
مجالس ذكر وحلق علم تجمعها مع التابعين ويذكر بعضهم البعض، يتناصحون ويراقبون الله في أفعالهم وتذكرهم امرأة دون أن يجدوا في صدورهم حرج من ذلك.
لكن هل بذكرها وزهدها اعتزلت مجتمعها مما قد يتبادر إلى أدهاننا إذا وقفنا فقط على هذا الجانب من شخصيتها الفذة؟ كلا بل جمعت جوانب شخصية المرأة المسلمة
الداعية التي لا تفرط في واجب من واجباتها.