قال تعالى : { أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم , قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً , فلمّا تبيّن له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } البقرة 259.
 
أما قبل
فحديثنا عن معجزة عزير عليه السلام , يحتاج إلى تعريف مختصر يسير , بمن هو عزير , حتى نجعل لكل أوّل آخر , ونربط المعجزات بالمصائر .
وعزير عليه السلام صبي من نسل نبي الله هارون عليه السلام , وفي وقت معجزته هذه كان يقيم مع قومه من بني إسرائيل في بابل , الذين كثروا بها وتناسلوا بعد أن أخرجهم بختنصر , وأخذ معظم الأسرى إلى بابل وكان بختنصر هو أول من جاس في ديارهم , بعد أن أفسدوا في الأرض , ولذلك فقد حقت عليهم كلمة الله عز وجل : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّاً كبيراً * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار , وكان وعد الله مفعولاً } . الإسراء 4-5.
كان عزير عليه السلام صبياً نابهاً كارهاً لحياة الذل في أرض بابل , يملأ قلبه الأسى والحزن لما يلقاه بنو قومه من الذل والعبودية والهوان , وكان عزير عابداً صالحاً يقرأ التوراة , ولم يكن في بني إسرائيل آنذاك من يحفظ التوراة عن ظهر قلب سوى عزير , وكان أبوه وجدّه يحفظانها من قبل .
وقد تزوّج عزير عليه السلام وأنجب ابنين , ولم بلغ الأربعين من عمره أوحى الله إليه أنه سيخرج من هذه الأرض , أرض بابل , التي أسره فيها بختنصر وأن بني إسرائيل سيخرجون أيضاُ , ويعيدون عمارة بلادهم .
ولما كان العزير عاقلاً هادئاً حكيماً , فإنه لم يبح لأحد بما أوحي إليه لا لبني إسرائيل ولا لغيرهم , وكان كتمانه هذا حرصاً وخوفاً على بني إسرائيل من أن ينزل بهم شر من أي جانب أو جهة .
وسأل نفسه : كيف يصطحب كل هؤلاء معه ؟ وفي ظل حراسة مشددة , وهل يغفل هؤلاء الحراس , الذين وضعهم الملك في كل مكان من بابل ؟
كانت هذه المشكلة التي تؤرق عزير عليه السلام وأحس أنها ستعطل خروجه من بابل , ولكنه فكر في الأمر مليّاً , وجمع زوجته وبنيه , وخادمته الأمينة في ليلة من الليالي , وفي مكان أمين , وقد سكن الليل , وأوى الناس إلى مضاجعهم , وقال لهم : لقد قررت الرحيل .
فقالت الزوجة : إلى أين ؟ فقال عزير : إلى الأرض المقدسة ، قالت الزوجة : إن هذا الأمر غاية في الصعوبة , ونحن نحاط بهذا الكم من حراس بختنصر ، ولكن عزير الذي أوحي إليه أصرّ أن يخرج مهما كان الثمن , ذلك لأنه رأى في الخروج تنفيذاً لأمر الله عز وجل .
فقال لهم عزير عليه السلام : لقد أوحي إليّ منذ ثلاثة أشهر , وها هي التوراة في قلبي أحفظها , فهي كلام الله , تنير لي الطريق إن شاء الله .
طلبت الزوجة عندئذ من زوجها عزير أن يعلم بني إسرائيل بما أوحي إليه من الله عز وجل , حتى يستبشروا وتقوى عزائمهم ويتخلصوا من الذل الذي اعتادوا عليه منذ أن اجتاحهم بختنصر بجيوشه القاسية الفتاكة .
وقالت الزوجة والأبناء : إن خروجك وحيداً لن يعمّر الأرض فإنك لن تجد هناك من يعينك على ذلك , ولن تجد أيضاً هناك من تعلمه التوراة , وبقاؤك معنا سيفيدنا لأننا سنتعلمها منك .
سألت الزوجة : وماذا أعددت لركوبك ؟ قال : لقد اشتريت حماراً جلداً قوياً منذ أيام لهذا الغرض ، فقالت : وأين هو ؟ قال : تركته عند صديقي , وواعدته أن يلقاني به الليلة , خارج أسوار المدينة ، قالت : وهل علم صديقك بنبأ رحيلك ؟ ، فقال عزير : نعم , علم بكل شيء , وكان أول من آمن بنبوّتي , وسيكتم أمري كله إن شاء الله ، كان الفراق صعباً بالنسبة للزوجة والأولاد والخادمة , وكان وداعاً هامساً , حاراً , هادئاً .. وخرج عزير .
بدء المعجزة
مضى عزير عليه السلام في رحلة طويلة شاقة , بعد لحظات خوف وترقب أثناء خروجه من بابل وقد أحاطها الحراس والجنود في كل مكان .
وبعد طول مسير وكثير عناء , وجد العزير نفسه في الأرض المقدسة التي طالما تاقت نفسه لرؤيتها , فلما دخل وجد شيئاً عجيباً , لم يجد آثاراً للعمران , بل وجد الخراب جاثماً عليها منذ ثلاثين سنة مضت , منذ أن خرّبتها جيوش بختنصر الذي كان قد اقتحم دمشق , وسار منها إلى بيت المقدس , وتذكّر عزير ملك بني إسرائيل الذي خرج إليه , وقدّم له الطاعة وطلب منه الصلح , وأعطاه من الأموال والجواهر والأشياء النفيسة ما أرضاه , ويومها طلب بختنصر بعض أعيان بني إسرائيل ليكونوا رهائن عنده ضماناً لاستمرار الصلح , وعدم التمرّد.
وتذكّر أن أهله بني إسرائيل لما نزل بختنصر فزعوا , وتفرّقوا , وأغلقوا دورهم عليهم , فلما صالحه الملك وأعطاه الرهائن وجلا عن البلاد بجيشه , خرجوا من جحورهم غاضبين يلومون ملكهم على الصلح , ويعلنون أنهم كانوا قادرين على قتال عدوّهم , وانزال الهزيمة به , وثاروا على ملكهم وقتلوه , ونقضوا الصلح مع بختنصر .
وتذكّر كذلك لما رأى الخراب أن بختنصر لما علم بما حدث منهم عاد إلى بيت المقدس , فتحصنوا بداخلها , فحاصروها حصاراً شديداً , ثم قام بدك أسوارها بما يقذفه عليها من مدمّرات , حتى تهدّمت , فاندفع جيشه وخرّب المدينة , وقتل النساء والأطفال , وخربوا الدور والزروع والقرى وقتلوا وأسروا كل من وصلت إليه أيديهم .. حتى خرّبت الديار , وكثرت الدماء , وتناثرت الأشياء وهرب من هرب وأسر من أسر , وهرب منهم من هرب إلى مصر, وإلى مكة وإلى يثرب وجهات أخرى , وبقي بختنصر ليأتي على البقيّة الباقية من هدم للبيع والمعابد وإحراق كل ما وقع له من نسخ التوراة , وقتل الشباب من الأسرى القادرين على حمل السلاح , واستبقى النساء والأطفال عبيداً عنده وخدماً , وغادر البلاد بعد تركها خراباً .
وطاف عزير عليه السلام مدينة الأشباح , وقد شغله هذا الماضي المفجع المحزن والحاضر وما سيكون عليه المستقبل , سأل نفسه عدة أسئلة : أتصبح هذه الأرض القفراء عامرة ؟ أتصير هذه يوماً من الأيام , معمورة الأسواق والندوات والمجالس , آهلة بالسكان والأطفال والنساء والبيوت ؟ وقد أوحى الله إليه أنه سبحانه عز وجل سيعيدها سيرتها الأولى فتدب فيها الحياة , وتنشط الحركة وتقوم التجارة , ويزدهر نشاط الناس بالزراعة والصناعة .. صمت عزير عليه السلام قليلاً وتساءل في عجب { أنّى يحي هذه الله بعد موتها } البقرة 259.
من كل هذا الجو الموحش آثر عزير أن يتخذ لنفسه مغارة في أحد الجبال المحيطة بالقدس ليقيم فيها , وحث حماره فمشى , وعند أحد البساتين توقف عزير عليه السلام وصنع لنفسه سلة ملأها عنباً وتيناً , وعصر بعض العنب , وجعله معه في إناء من الجلد ليشربه .
وظل عزير عليه السلام يقول : كيف تعود الحياة إلى سائر بني إسرائيل وها هي صامتة صمت الزمن أمامي ؟!
ظل عزير عليه السلام على هذه الحال , حتى أسلمه التعب والتساؤل والرغبة في المعرفة إلى نوم عميق عمق الزمن الذي طال , ثقيل ثقل السنين التي مضت ولم يشعر بها عزير أبداً .
وفي نومه العميق أو في نومته الصغرى , نام نومة كبرى , لقد قبض الله روحه , ولم يعد عزير يشعر بشيء مما حوله فهو في يد العناية الإلهية , تنصرف إلى ما تشاء ولا رادّ لمشيئة الله لا في الأرض ولا في السماء .
العودة
مضت السنون سريعة خاطفة عاماً وراء عام , ومضى على عزير عليه السلام من بابل عشرة أعوام , انتظرت فيها زوجته وبنوه مشيئة الله عز وجل التي تتيح لهم الخروج من بابل حتى يلحقوا به في الأرض المقدسة , ولكن طال انتظارهم , ولم يحدث شيء , وتلاحقت الأعوام حتى بلغت أربعين عاماً , ولم يخرج بنو إسرائيل ولم تأت أخبار عن عزيراً , ويئسوا من العودة إلى الأرض المقدسة .
وفي هذا اليوم المشهود لبني اسرائيل والذي جاء بعد مضي سبعين سنة على خروج عزير عليه السلام من بابل ، في هذا اليوم خرج المنادي ينادي في شوارع بابل : من أحبّ أن يخرج من بني اسرائيل إلى بلاده فليخرج ولا حرج عليه في ذلك .
فخرج بنو إسرائيل مهاجرين إلى بلادهم , وهناك هالهم ما رأوه من خراب ودمار , ولكنهم شمّروا عن ساعد الجد , فغرسوا وزرعوا , ودبّت الحركة في المدينة التي أصبحت أكثر نظافة ونظاماً عما قبل , وعادت الحياة تدب من جديد في أرجائها , وخرجوا إلى القرى المحيطة بها فعمروها , وبدأ التجار عملهم , فاستؤنفت التجارة بين القرى , وبدأ أرباب الصناعة في تشغيل صناعاتهم وظهرت المساكن الجديدة هنا وهناك , وامتدت الأيادي للبناء , وكان الجميع في سعادة وهم يبنون ويعمّرون ويشعرون بالحريّة , ولم يعد الذل يطاردهم كما كان في بابل . ومضت ثلاثون عاماً أصبحت فيها البلاد عامرة , وقد أثمرت صناعاتهم وعمّرت قراهم , وانحسرت آثار الكارثة التي مرت بهم تماماً ولم يعد لها أثر يذكر .
ظهور المعجزة
كانت زوجة عزير عليه السلام قد كبرت وأخذ منها الزمان ما أخذ , وكذلك خادمته الصغيرة , وقد بحثوا جميعاً في أول مجيئهم مع بني إسرائيل عن عزير في كل مكان بالمدينة , فلم يجدوا له أثراً , وأرسلوا إلى المدن والقرى للبحث عن عزير ولكن دون جدوى .
وأثناء سؤالهم هذا صرفهم الله عز وجل عن المغارة التي سكنها عزير ومات فيها , وانصرفت مشيئة الله أن لا يقترب بشر من هذه المغارة , لأمر عنده كان مفعولاً , واكتملت مائة عام على وفاة عزير , فتحرّك الجسد الذي أصبح تراباً , وأحياه ربه بعد مائة عام , ردّ فيه الحياة , فاجتمعت عظام جسمه ونبض قلبه من جديد فاعتدل جالساً , ونظر حوله هنا وهناك فوجد إلى جواره إناء العصير , وطعامه لم يحدث له شيء وسمع منادياً ينادي { كم لبثت } كم من الوقت قضيت في النوم ؟ .
نظر عزير عليه السلام حوله فوجد الشمس قد بدأت تعلو من المشرق , فأجاب على الفور { لبثت يوماً أو بعض يوم } أي نمت يوماً أو أقل من يوم , فوجد الصوت الذي ناداه يقول : { بل لبثت مائة عام . } .
دهش عزير عليه السلام وفزع مما سمع , وردّد في ذهول : مائة عام ؟! وأعاد النظر إلى سلة الفاكهة , فوجد العنب طازجاً كأنه مقطوف لتوه وكذلك التين , والعصير في الإناء الجلدي كما هو لم يتغيّر ولم تصدر عنه رائحة غير مقبولة , ولم يتبخر ولم يتجمّد , ولم يدركه أي تحول في الطعم أو اللون .
تذكر عزير شيئاً ونظر هنا وهناك بسرعة , وتطلع إلى الأفق هناك خلف الأشجار , وكأنه يبحث عن شيء , لقد تذكّر حماره , أين هو ؟ .. لا بد أنه هرب , ووقعت عيناه على عظام بالية في المكان الذي ربطه فيه , وربما تساءل في نفسه , ولم الحمار , لقد أصبح عظاماً نخرة بعد أن أفناه الدهر ؟ 
وقف عزير عليه السلام بين فاكهته وطعامه الذي لم يتغيّر وبين حماره الذي فني وأصبح عظاماً لطول ما مرّ به من السنين , وبدأ يردد : إنها مائة عام , حقاً إنها مائة عام , كانت كافية بافناء جلد الحمار وعظامه , ولحمه , لقد بليت حوافره وزالت وأصبح مكان عينيه حفرتان في عظام الرأس المجوّفة .
وانصرف عزير عليه السلام للتسبيح والصلوات حتى سمع قول الله عز وجلّ : { ولنجعلك آية للناس } البقرة 259.
ومضى العزير إلى المدينة يتطلع إلى أخبارها وكيف أصبحت بعد مائة عام , وماذا يفعل الناس : أهم سعداء أم بهم همّ وما هي أخبار أسرته ؟ هل هناك أحد منهم على قيد الحياة ؟
دخل عزير المدينة وفي رأسه مئات الأسئلة يريد إجابة عليها , فإذا به يرى مبان جديدة , رائعة التقسيم والبنيان على غير ما كان يرى منذ مائة عام , وشوارع وخططاً غير التي كان بعهدها في القديم , وأخذ ينظر هنا وهناك , ويتنقل في طرقاتها وشوارعها بحثاً عن منزله القديم الذي تركه منذ أكثر من مائة وعشرين سنة , ولما وجد نفسه في مكان جديد عليه وقد تغيّر تماماً عما عهده قبل مائة عام , هداه فكره إلى أن يسأل الناس المارّة في الشوارع .
تحدّث عزير عليه السلام وقال لأحدهم : أين دار العزير ؟ فأجابه الرجل : لا نعرف داراً للعزير , ولكن يوجد هنا ديار أبناء العزير ! انظر إلى هذه الدور المتراصّة , إنها دور أبناء العزير .
مضى العزير إلى المكان حتى جاء إلى دور أبنائه , وعند أوّل باب من أبوابها طرق الباب طرقاً خفيفاً , فسمع صوتاً من الداخل يقول : من الطارق ؟ من بالباب ؟ فأجاب على الفور : أنا العزير!! ، فقال الفتى الذي ردّ عليه : ماذا تقول ؟ العزير! أتسخر منا يا رجل ؟
فقال العزير : افتح الباب يا بني وستعرف أنني لا أكذب عليك ولا أسخر منك .
ففتح الفتى الباب , ونظر إلى الرجل في دهشة واستغراب , ثم قال : لقد فقدنا العزير منذ مائة عام على ما سمعت من أبي , وكان سنه يومئذ أربعين سنة , فلو كان حياً لوجب أن تكون سنه الآن مائة وأربعين سنة , وأنا أراك الآن في سن الأربعين , إنّك أصغر من أحفاده , فكيف يمكنني التصديق بأنك أنت العزير ؟!
سمع الناس الحوار بين العزير وأحد أحفاده فتجمّعوا حوله وأمطروه بالأسئلة , وكان يجيب بثقة ولسان صدق ويقول لهم : لقد أماتني الله مائة عام ثم بعثني , ورأيت بنفسي طعامي لم يتغيّر لونه ولا طعمه وشرابي لم يتبخر ولم يتغيّر وحماري الذي رأيت عظامه تتحرك وتأتي كل واحدة مكانها حتى اكتمل , فكساه الله لحماً وعلا صوته ونهق نهيقاً شديداً , كل هذا بعد مائة عام وقد ظننتها يوماً أو بعض يوم , ولكنّ الله عز وجل أعلمني أنها مائة عام , بعثت بعدها بمشيئة الله , أليس الله على كل شيء قدير ؟!
في هذه الأثناء ظهرت عجوز لا ترى أمامها تتوكأ بصعوبة على الحائط مقعدة , ونادت قائلة : أدخلوه إلى داخل الدار , فإنني أعرف علامة في العزير فإن كان هو عرفته بها , فدخل العزير عليه السلام عليها فإذا هي عجوز عمياء قد أهلكها الدهر , فقالت له : أتقول أنك أنت العزير يا هذا ؟ قال : نعم ، قالت لقد كان لدى العزير خادمة , وقد تركها وسنها عشرون عاماً , أتعرف اسمها ؟
قال : نعم اسمها “ أشتر “ ( قصص الأنبياء لابن كثير ) , وقد تركتها وسنها عشرون عاماً , فإذا كانت على قيد الحياة فسنّها الآن مائة وعشرون عاماً .
فقالت العجوز : أتعرف أنني أنا “ اشتر “ خادمة العزير ؟ وكان في العزير علامة , فقد كان مستجاب الدعوة فينا , فكان لا يسأل الله شيئاً إلا استجاب له , فإن كنت العزير حقاً , فادع الله لي أن يردّ عليّ بصري , وأن يشفي قدمي , فقد صرت مقعدة لا أستطيع المشي والنهوض من شدة الآلام فيهما .
وفي لحظات دعا العزير ربه , ومسح بيده على عينيه ا, وأخذ بيدها لينهضها وهي مقعدة فإذا بها تنهض على ساقيها , وتبصر أحسن ما يكون الإبصار , وتأملت في وجه وقالت : أشهد أنك عزير , إني أراك الآن كما رأيتك آخر مرة شاهدتك فيها منذ مائة عام ..
وجاءت عجوز أخرى يقرب عمرها من مائة وأربعين عاماً وقالت : وأنا أتعرفني يا عزير ؟ فقال : أنت زوجتي ولن أجهلك أبداً .
وكان عند خروجه قد أعطاها خاتمه وقال : لعلك تذكرينني به , وكذلك هي فقد أعطته خاتمها كي يذكرها به , فقالت له : أتذكر ماذا تبادلنا ليلة خروجك ؟ 
قال : تبادلنا خاتمي وخاتمك , فقد أعطيتك خاتمي وقلت لك : لعلك تذكرينني به .. وأعطيتني خاتمك وقلت لي : لعلك تذكرني به .. وها هو ذا خاتمك , وخلعه من إصبعه , وقدّمه لها . فرحت العجوز زوجة عزير وقالت : وها هو ذا خاتمك يا عزير ولطالما ذكرتك به .