لعل رمضان في أمريكا يكون مثل رمضان في أي بلد آخر غير ذي أغلبية مسلمة. فلا يوجد بالطبع مظاهر عامة شاملة لحضور شهر الصيام، وإنما تقتصر الأجواء الرمضانية على حياة المسلمين الشخصية وعلى المساجد. وقد تكون أقوى حضوراً في المناطق التي تتواجد بها جالية مسلمة كبيرة العدد.
في تجربتي الشخصية كانت أسوأ فترة رمضانية هي تلك التي مر علي فيها رمضان وأنا أعمل في مطعم، فالعمل يكون غالباً في وقت الإفطار، وبالتالي كنا نظطر لتناول إفطار سريع والعودة للعمل فوراً. وهكذا يكون رمضان لأي مسلم يعمل عملاً يمتد إلى وقت الإفطار.
وفي المدن الصغيرة التي عشت فيها كنا نشعر بأجواء رمضان من خلال الصحبة والإفطار الجماعي، فهذه هي الفرصة الوحيدة للشعور بما كنا نشعر به قبل الهجرة على مائدة الإفطار اليومية خلال الشهر. وأنا هنا أتحدث من وجهة نظر المهاجر الأعزب!
أما في مدينة شيكاغو فحضور الشهر أفضل لكون الجالية المسلمة بها كبيرة العدد. شيكاغو فيها عشرات المساجد كبيرة الحجم. تزدحم هذه المساجد بشكل كبير أثناء صلاة التراويح حتى لا تجد فيها موضعاً لقدم، ويستطيع أي عابر خارج المسجد أن يشعر أن هناك احتفالاً أو مناسبة خاصة، فالموقف التابع للمسجد يكون مليئاً بالسيارات بشكل غير طبيعي مما يستوجب وجود رجال كل مهمتهم تنظيم حركة ووقوف سيارات المصلين. وجميع المساجد التي رأيتها في شيكاغو تقدم إفطاراً مجانياً جماعياً وقت الإفطار أيضاً، فتجد المصلين يفطرون سوياً بعد الأذان وقبل أداء صلاة المغرب. ومن ثم فإن الحضور الرمضاني يكون قوياً.
كذلك تشعر بالأجواء الرمضانية بشكل كبير في المطاعم العربية في وقت الإفطار، حيث تجد صحبة كبيرة – هي كثير من رواد المطعم الصائمين معك – يفطرون معك.
لعل الأجواء الرمضانية هي باختصار “الجماعة”، أي مشاركة جماعة كبيرة من حولك في سلوك واحد هو الصيام في وقت معين والإفطار في وقت معين. والحق أن هذا الجو الجماعي يميز الحياة اليومية للمسلمين بشكل عام، غير أننا لا نمارسها بهذا الوضوح وهذه الكثافة إلا في هذا الشهر! والجدير بالذكر أيضاً أن جماعة المسلمين أضافت سنناً جديدة للمشاركة الجماعية في هذا الشهر، من قبيل البرامج والمسلسلات المسلية والإصرار على الانتقال بالمعدة – بشكل فجائي – من حالة الخمول والخلو الكامل من الطعام إلى حالة النشاط البالغ في محاولة هضم خليط من الطعام والحلوى والفاكهة واللبن والتمر في وقت واحد!