امتاز العرب منذ أقدم العصور بالفِراسة والفطنة، و الفراسة علم من العلوم الطبيعية تعرف به أخلاق الناس الباطنة من النظر إلى أحوالهم الظاهرة، و نظراً لذلك اعتنى بهذا العلم الكبار من علماء العرب و الغرب، فأفردوا له العديد من الكتب، وضعوا فيها خلاصة معارفهم و عصارة تجاربهم في هذا المجال.
ولقد نقل العرب المسلمون علم الفراسة لاحقاً عن اليونان والرومان، وإستفادوا من نظريات ارسطو وأبوقراط، ومن اشهر هؤلاء العلماء العرب الإمام الرازي (محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي التيمي البكري الرازي المعروف بفخر الدين الرازي الطبرستان&<740;).
و يعد فخر الدين الرازي من أشهر من اهتم بعلم الفراسة، أما كتابه ( الفراسة دليلك لمعرفة أخلاق الناس وطبائعهم) فهو الأشهر من بين كل كتب العلماء المسلمين التي تتحدث عن الفراسة، و هو من المخطوطات النادرة، كما أنه مرجع أساسي لكثير من اتجاهات علم الفراسة التي ظهرت في أوروبا فيما بعد..
وهذا الكتاب خلاصة لكتاب أرسطو وكتاب الفراسة لفيلمون مع بعض الإضافات الهامة، يتطرق فيه إلى علم الفراسة من مدخل طبي تشريحي كما فعل ذلك قبله أبو قراط في حديثه عن فراسة الأمزجة وعلاقتها بأخلاط وكيمياء الدم، كذلك يتطرق لتفصيل صفات البشر من خلال قراءة وجوههم و صفاتهم الخارجية.
نبذة عن الكتاب
كان الفخر طبيباً من أحذق أطباء زمان وأشهرهم ،قوي النظر في هذه الصناعة ومباحثها ،شرح وهو في مقتبل العمر “قانون ابن سينا” وحظيت تآليفه في التشريح باهتمام أهل هذه الصناعة ، قال طاش كبرى زاده «وكتب التشريح أكثر من أن تحصى ولا أنفع من تصنيف ابن سينا ، والإمام الرازي ، كما تتلمذ على يديه تلاميذ اشتهروا بالمهارة في الطب مثل قطب الدين المصري.
والرازي يجعل الطب والفراسة فرعاً للعلم الطبيعي ، فيقول «أن من أصول هذا العلم -يعني الفراسة- مستندة إلى العلم الطبيعي وتفاريعه مقررة بالتجارب وكان مثل الطب سواء بسواء » ، فهو يجعل الفراسة طباً نفسانياً بالفهوم الحديث ، ويرى أنه كما تعالج أمراض الجسد بالأدوية والعقاقير فإن الفراسة علم تعالج به أمراض النفس ويضع لـ أطباء النفس شروطاً يرى أنه لابد منها لمن يريد المهارة في هذا المجال كالعناية بجميع الظواهر النفسية لدى المريض وقوة الملاحظة والمواظبة على العمل وإجراء التجارب الكثيرة.
وقد كان علم الفراسة قبل الفخر علماً ملتصقاً بالدجل يصعب فصله عنه حتى جاء وميزه وأخرجه من هذه الدائرة ليدخله في دائرة العلوم كفرع من الطب واعتبره علماً يقيني الأصول ظني الفروع ، وقد ألَّف كتابه “الفراسة” بناءً على رسالة صغيرة لـ أرسطو لم يقف عند ما جاء فيها بل وسعها وزارد عليها مما جعل البعض يعتبرونه المعلم الأول في هذا الباب.
من دلائل الأعضاء الجزئية في الوجه
وننقل هنا بيانا مختصراً لدلائل السمات الموجودة في الوجه ودلالاتها على شخصية وسلوك وأخلاق الإنسان كما ذكرها الإمام الرازي في كتابه
في دلائل الجبهة
من كان مقطبا لجبهته ،مائلا إلى البسط فهو غضوب
من كانت جبهته صغيرة فهو جاهل
من كانت جبهته عظيمة فهو كسلان، وغضوب
فهو صلف كذاب من كانت جبهته كثيرة العضوية
من كانت جبهته منبسطة لاغضون بها فهو مشاغب
في دلائل الحاجب
الحاجب الكثير الشعر يكون صاحبه كثير الهم والحزن غث الكلام
إن كان حاجبه يميل من ناحية الأنف إلى الأسفل ومن ناحية الصدغ إلى فوق فإنه صلف أبله
في دلائل العين
الدلائل المأخوذة من مقدار العين فتقولمن عظمت عينه فهو كسلان
الدلائل المأخوذة من وضع العين من كان عيناه جاحظتين فهو جاهل مهذار
من كانت عيناه غائرتين فهو خبيث
من كان عيناه غائرتين قليلا فنفسه نبيلة
الدلائل المأخوذة من لون العين
من كانت حدقته شديدة السواد فهو جبان
إذا كانت العين حمراء مثل الجمر فصاحبها غضوب مقدام
من كان لون عينيه أزرق أو أبيض فهو جبان
من كانت عيناه بلون الشراب الصافي فهو جاهل
من كانت عيناه بارزتين فهو وقح
من كانت عيناه موصوفتين بالصفرة والاضطراب فهو جبان
من كانت عيناه زرقاء تلك التي تكون في زرقتها صفرة كأنها صبغت بالزعفران فإنها تدل على رداءة الأخلاق
النقط الكثيرة في العين حول الحدقة تدل على أن صاحبها شرير فإن كانت هذه الحالة في عين زرقاء كان الشر أكثر
الحدقة التي حولها طوق تدل على أن صاحبها مهذار شرير
إذا كانت الحدقة سوداء فيها صفرة مذهبة فصاحبها قتال سفاك للدماء
أما العين الزرقاء التي تبرق والخضراء كالفيروز فأصحابها أردياء
وصاحب العين الزرقاء الشديدة الخضرة خائن شرير
وأفضل ألوان العين الشهلة
الدلائل المأخوذة من الجفن في الغلظ والرقة:
إذا كان الجفن في العين منكسرا أو ملتويا فصاحبه مكار كذاب أحمق
الدلائل المأخوذة من كثرة الطرف وقلته
من كان عيناه تتحركان بسرعة حدة وكان حاد النظر فهو مكار محتال لص
من كانت حركة عينيه بطيئة كأنها جامدة فهو صاحب فكر ومكر
وصاحب العين الكثيرة الرعدة شرير والعين الدائمة الطرف تدل على الجنون والجبن
في دلائل الوجه
إذا كان وجه الإنسان شبيها بوجه الغضبان فهو غضوب
من كان لحيم الوجه فهو كسلان جاهل
من كان كثير لحم الخدين فهو غليظ الطبع
من كان نحيف الوجه فهو مهتم بالأمور
من كان شديد استدارة الوجه فهو جاهل ونفسه حقيرة
من كان وجهه عظيما فهو كسلان
من كان وجهه صغيرا فهو رديء خبيث ملق
قبيح الوجه لايكون حسن الخلق إلا نادرا لقوله عليه السلام اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه
من كان طويل الوجه فهو وقح
من كانت أصداغه منتفخة وأوداجه ممتلئة فهو غضوب
في دلائل الضحك
من كان كثير الضحك فهو دمث متساهل قليل العناية بالأمور
من كان قليل الضحك فهو معاد مخالف لايرضى بأعمال الناس
من كان عالي الضحك فهو وقح سليط
من كان عند الضحك تبع عليه السعال والربو فإنه وقح سليط صخاب
في دلائل الصوت والنفس والكلام
من كان صوته غليظا جهيرا فهو شجاع مكار
من كان كلامه سريعا فهو عجول قليل الفهم
من كان كلامه عاليا سريعا فهو غضوب سيء الخلق
من كان كلامه منخفضا فهو هاديء حسن الخلق
من كان نفسه طويلا فهو رديء الهمة
من كان صوته ثقيلا فهو رحيب البطن
من كان صوته غثا فإنه حسود مضمر للشر
من كان حسن الصوت فهو دليل الحمق وقلة الفطنة
من كان نفسه غليظا فهو عسر النطق
نبذة عن الكاتب
هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي الرازي، الطبرستان&<740; المولد، القرشي التيمي البكري الأصل، الشافعي الأشعري الملقب بفخر الدين الرازي و ابن خطيب الري وسلطان المتكلمين وشيخ المعقول والمنقول. هو إمام مفسر فقيه اصولي ، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم البحتة في: الفيزياء، الرياضيات، الطب، الفلك. ولد في الريّ. قرشي النسب، أصله من طبرستان. رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان. وأقبل الناس على كتبه يدرسونها، وكان يحسن اللغة الفارسية.
ولد الرازي في عام 544 هـ الموافق 1149م بمدينة الري وقيل بأنّه وُلد عام عام 543هـ ،ونشأ في بيت علم إذ كان والده الإمام ضياء الدين عمر بن الحسن فقيها أصوليا متكلما صوفيا وكان خطيب الري وعالمها وله تصانيف كثيرة في الأصول والوعظ وغيرهما من أهمها غاية المرام في علم الكلام حيث اعتبره إبن السبكي من أنفس كتب أهم السنة وأشدها تحقيقاً.
وعلى يدي والده ابتدأ فخر الدين طلبه للعلم في صباه فتعلم العلوم الإولية فإغناه عن طلب العلم على يد سواه حتى وفاته عام 559هــ ، وقد كان الرازي شديد الإعجاب بوالده فيذكر اسمه بإجلال واحترام ويدعوه “بالإمام السعيد” ويجعله شيخه وإستاذه ويذكر السلسلة العلمية التي تلقى عنها بكل اعتزاز.
وفاته
بعد أن لاقَى الفخر في حياته الحافلة ما لاقَى من أذى الخصوم ، حط عصا الترحال في هراة وسكن الدار التي كان السلطان خوارزم شاه قد أهداه إياها وهناك لم يتركه خصوم يخلد إلى الراحة بعد ذلك الكدح الطويل وإنما استمروا يعملون للنيل منه ومن سمعته.
وتوفي في الأول من رمضان عام 606هــ الموافق عام 1209م في هراة ووذهب أكثر المؤرخين إلى أنه دفن في الجبل المجاور لقرية مزداخان القريبة من هراة وقيل بل دفن في بيته.
المصادر
1- موقع أراجيك www.arageek.com
2- مدونة أسرار الوجه
3- موقع ويكيبيديا