حينما نتطرق إلى قصص القرآن الكريم نستذكر الحوادث الواقعة وأحوال الأمم الماضية والنبوات السابقة كما أخبرنا بها الله في كتابه العزيز، فقد اشتمل القرآن على كثير من وقائع الماضي وذكر البلاد والديار وتتبع آثار كل قوم وحكى صورة ناطقة لما كان يدور في هذه العصور، والمغزى من ذلك قوة التأثير في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق، فهناك قصص عرضت بالكامل في سورة واحدة وأخرى عرض جزء منها في سورة والآخر في سورة أخرى.
 فقد بين الله لنا أصول الدين المشتركة بين جميع الأنبياء. فهذه القصص ليست مفتراة بدليل وجود أمثالها بين الناس، ففيها الحكم والعبر ونستفيد منها الكثير.
وبعد ما ذكرناه، نترككم كي تعايشوا هذا الجو القصصي في حلقات رمضانية متتالية، سيتم نشرها تباعا لكي نستفيد من مغزاها والدروس المستفادة منها، وتكون خير معين لنا في فهم ديننا وإيصاله للناس بالصورة الصحيحة وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى إنه نعم المولى ونعم النصير.

- اليهود قبل بعثة النبي كانوا يكتمون هذه القصة لما فيها من توبيخ وذل
- ابتلاهم  الله بجعل الحيتان لا تأتي سوى يوم السبت المخصص للعبادة فقط
- تفنن بنو إسرائيل في استعمال الحيلة للصيد خلال يوم العبادة الذي نهاهم الله عنه

ذكرت قصة اصحاب السبت في القران الكريم لكي ناخذ منها عبرة ، تبدا القصة بان اليهود كانوا لا يذهبون للعمل يوم السبت و يخصصون يوم السبت للعبادة فقط و هذا كان بامر من الله بعد ان طلب منه اليهود سبحانه ان يخصص لهم يوما للعبادة و التقرب منه و ترك الدنيا و امورها و للراحة ايضا و اصبح اليهود يوم السبت يقومون بجميع انواع العبادات لله سبحانه و تعالى.
كانوا اليهود يعتمدو على رزقهم في باقي الايام دون السبت على صيد الحيتان ، و كما جرت سنة الله عز وجل في خلقه بان يبتليهم لكي يختبر قوة احتمالهم و صبرهم على البلاء ، و هذا الابتلاء ايضا كان من اجل تربية نفوسهم على الطاعة و عدم الجشع.
و كان بلاء الله لليهود هو انه جعل الحيتان التي كانت تعد مصدر رزق لليهود لا تاتي سوا يوم السبت الذي خصصه الله للعبادة فقط و عدم السعي فيه وراء الرزق ، و هنا تلاحظ رد فعل اهل القرية عندما لاحظ اليهود ان الحيتان تقترب فقط يوم السبت و تبتعد باقي الايام . وهنا انقسم اليهود الى فرق ، فرقة منهم ضعفت عزائمهم و الاخرة قوة عزائمهم لايمانهم بالله .
وكان اليهود قبل بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، يكتمون هذه القصة لما فيها من التوبيخ والذل لهم على ما جرى مع بعض أسلافهم من بني إسرائيل من الإهلاك والمسخ، لكن الله فضحهم، عندما أوحى إلى نبيه بأحداثها ليحذر اليهود من تعنتهم وتكبرهم ورفضهم الإيمان به، وليذكرهم بما حل بإخوانهم، فقد زعم اليهود، أن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به، ولذا أمر الله نبيه أن يسألهم على جهة التوبيخ لهم عن هذه القرية، وهي على المشهور من أقوال المفسرين، تسمى «أيلة» على شاطئ بحر القلزم بين مدين والطور.
يقول تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)، «الأعراف: الآيات 163 - 166»، وتقع القرية التي ذكرت قصتها في القرآن الكريم على شاطئ البحر الأحمر، حيث يقيم كان «أصحاب السبت» الذين فسقوا، وذكر المفسرون أن هذه القصة كانت في زمن داود عليه السلام، لكن القرآن الكريم لم يذكر اسمها ولا اسم البحر الذي تقع عليه، فهنا المهم العظة.
خصص الله لهم يوم السبت للعبادة، وحرم عليهم أن ينشغلوا بأمور الدنيا، لأنهم قوم لا يحافظون على العبادة في باقي الأيام، كان بنو إسرائيل يمتنعون عن العمل والتجارة والصناعة والصيد يوم السبت، إذ كان هذا الأمر حراما في شريعتهم، ابتلاء لهم من الله، وكذلك حرم عليهم صيد السمك عقاباً وامتحاناً لهم، فكثر السمك في هذا اليوم فلم يطيقوا الصبر وتحايلوا وحبسوه فيصطادوه بعد ذلك.
قال ابن عباس وغيره، إن اليهود كانوا متمسكين بدين التوراة في تحريم السبت في ذلك الزمان، فكانت الحيتان قد ألفت منهم السكينة في هذا اليوم، وذلك أنه كان يحرم عليهم الاصطياد فيه، وكذلك جميع الصنائع والتجارات والمكاسب، فكانت الحيتان يكثر عددها في ذلك اليوم، فتأتي ظاهرة آمنة مسترسلة، فلا يهيجونها؛ لأنهم كانوا يصطادونها بقية أيام الأسبوع، حتى اختبرهم بكثرة الحيتان يوم السبت، فلما رأوا ذلك احتالوا على اصطيادها.
ابتلاء من الله
ويوجه ربنا نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يسألهم عن القرية التي كانت مجاورة للبحر، وما وقع بأهلها، إذ يعتدون في السبت بصيد السمك المأمورين بتركه فيه، حيث تأتيهم حيتانهم شرعاً، ظاهرة على الماء، وفي سائر الأيام لا تأتيهم ابتلاء من الله. اشتهى أحد أهل القرية أكل السمك فأغواه الشيطان وزين له القيام بحيلة للصيد، فأتى إلى شاطئ البحر يوم السبت ورأى سمكة كبيرة تسبح فربط ذيلها بحبل ووضع الطرف الآخر في وتد على الشاطئ وذهب، فلما انقضى النهار عاد وأخذ السمكة وشواها فانبعثت رائحتها، فأتاه جيرانه يسألونه عن ذلك، فأنكر ما فعل، ولما أصروا عليه، قال إنه جلد سمكة وجدته وشويته، فلما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك فلما سألوه، قال إن شئتم صنعتم كما أصنع، وأخبرهم ففعلوا مثله.
استعمال الحيلة
وتفنن بنو إسرائيل في استعمال الحيلة للصيد يوم السبت الذي نهاهم عنه، فقام بعضهم يوم الجمعة بحفر حفر متصلة بالبحر بواسطة ممرات يسهل سدها، وكثر هذا وفعله الكثيرون، ووصل بهم الأمر إلى أن اصطادوها يوم السبت علانية وباعوها في الأسواق، فكان هذا من أعظم الاعتداء، ورأى الناس أن من صنع هذا لا يبتلى، فعمرت الأسواق بها، وأعلن الفسقة بصيدها.لما جاهر الفساق بطريقتهم قام علماء بني إسرائيل ونهوهم وخوفوهم فلم يقبلوا، فجعلوا بينهم وبين الفساق جدارا ولم يعودوا يساكنوهم، كما قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، «سورة الأعراف: الآية 164»، فافترقوا إلى ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت وكانوا نحوا من سبعين ألفا، وفرقة نهت وتنحت وكانوا اثني عشر ألفاً، وفرقة تنحت ولم تنه ولم تعص وهذه الأخيرة، قالت للثانية التي نهت عن الحرام، لم تعظون قوما عصاة سيهلكهم الله وسيعذبهم، فقال الناهون عن المنكر موعظتنا من باب التذكير لعلهم يتقون ويتراجعون.
لما لم يستجب العاصون، أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فنص سبحانه على نجاة الناهين، وسكت عن الساكتين، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيماً فيذمون.
جزاء الفاسقين
في الليل جاء أمر الله فانتقم من الذين فسقوا ومسخ شبانهم قردة وعجائزهم خنازير، فقام الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر صباحاً وذهبوا إلى أعمالهم ومجتمعاتهم فلم يروا أحداً من الفاسقين، فاستغربوا وتساءلوا فيما بينهم وقام أحدهم ووضع سلما على الجدار فلما أشرف على القوم رأى عجباً، إذ أصبح الفساق قردة لها أذناب يتعاوون ويقفزون على بعضهم، وخنازير تصدر أصواتاً قبيحة، ففتحوا عليهم الأبواب ودخلوا، وصار كل قرد يأتي قريبه من الإنس فيشم ثيابه ويبكي. 
ولم يبق الذين مسخوا أحياء أكثر من ثلاثة أيام، لم يأكلوا خلالها ولم يشربوا ولم يخرج منهم نسل، وكانوا عبرة لمن بعدهم من الأمم.
سورة الأعراف
سورة الأعراف من أطول السور المكية وهي أول سورة عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء من بداية خلق آدم إلى نهاية الخلق مروراً بنوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى عليهم السلام وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام.
والسورة تجسد الصراع الدائم بين الحق والباطل وكيف أن الباطل يؤدي إلى الفساد في الأرض، وفي قصص كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في السورة تظهر لنا الصراع بين الخير والشر وبيان كيد إبليس لآدم وذريته لذا وجه الله أربعة نداءات متتالية لأبناء آدم بـ (يابني آدم) ليحذرهم من عدوهم الذي وسوس لأبيهم آدم حتى أوقعه في المخالفة لأمر الله. كما تعرضت السورة الكريمة إلى أصناف البشر فهم على مرّ العصور ثلاثة أصناف: المؤمنون الطائعون، العصاة، والسلبيون الذين هم مقتنعون لكنهم لا ينفذون إما بدافع الخجل أو الامبالاة وعدم الاكتراث. والسلبية هي من أهم المشاكل التي تواجه الفرد والمجتمع والأمة. وجاءت الآية لتحذرنا أنه علينا ان نحسم مواقفنا في هذه الحياة ونكون من المؤمنين الناجين يوم القيامة ولا نكون كأصحاب الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم وينتظرون أن يحكم الله فيهم.
وسميت السورة (الأعراف) لورود ذكر اسم الأعراف فيها وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما وروى جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم.
وقد بدأت السورة بمعجزة القرآن الكريم على الرسول وأن هذا القرآن نعمة من الله على الإنسانية جمعاء فعليهم أن يتمسكوا بتوجيهاته وإرشاداته ليفوزوا بسعادة الدارين ويكونوا من الناجين يوم القيامة ومن أهل الجنة. (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) آية 2 -3
النموذج الأول من صراع الحق والباطل: قصة آدم مع ابليس ويبين لنا تعالى في هذه القصة كما في باقي السورة كيف أن الحق ينتصر في النهاية على الباطل. وقد جاءت كلمة (فدلاهما بغرور) (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ) آية 22 في وصف إغواء الشيطان لآدم لتبين لنا معنا كيف أن الذين لايحسمون أمورهم ومواقفهم كأنهم معلقين في البئر لا هم هالكون ولا هم ناجون مما يؤكد على أن علينا أن نحدد موقفنا من الصراع بين الحق والباطل. فسبحانه تعالى ما أبلغ هذا القرآن وما أحكم وصفه وألفاظه.
عرض يوم القيامة وقصة أصحاب الأعراف: (الآيات 44 -51) تذكر الآيات قصة أصحاب الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم وبقوا على الأعراف ينتظرون حكم الله فيهم. والأعراف قنطرة عالية على شكل عرف بين الجنة والنار والمكث عليها مؤقت لأن في الآخرة الناس إما في النار أو في الجنة. وأصحاب الأعراف كانوا يعرفون الحق والباطل لكنهم لم يحسموا أمرهم فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله فيهم (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) آية 46. فعلينا أن لا نضع أنفسنا في هذا الموقف ونعمل جاهدين على أن نكون من أهل الجنة حتى لا نقف هذا الموقف على الأعراف.
عرض نماذج من صراع الحق والباطل عبر قصص الأنبياء على مر العصور: عرضت الآيات قصة كل نبي مع قومه والصراع بين الخير والشر وكيف أن الله ينجي نبيه ومن اتبعه على عدوهم. قصة نوح مع قومه (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ) آية 64، قصة هود (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) آية 72، قصة صالح (آية 73 – 79)، قصة لوط (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) آية 83، قصة شعيب (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) آية 88.
مقارنة بين الحسم والتردد في قصة موسى وفرعون والسحرة: الآيات توضح كيف حسم السحرة موقفهم من نبي الله موسى بعدما رؤوا الحق وأخذوا موقفاً واضحاً من فرعون وأتباعه وآمنوا بالله وبما جاء به موسى (لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ* قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) الآيات 124 – 125- 126، وتردد بني إسرائيل باتباع موسى (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الآيات 128 – 129) وهذه عبرة لنا بأن التردد لا يؤدي إلى الحق والجنة.
قصة أهل السبت: وكيف تحايلوا على الله لأنهم لم يحسموا مواقفهم بالتسليم الكلي لله وتطبيق ما يعتقدونه عملياً حتى يكونوا من الفائزين، لكنهم كانوا يعتقدون شيئاً ويمارسون شيئاً آخر. (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) آية 163
 فئات بني إسرائيل:  عرضت السورة فئات بني إسرائيل الثلاثة، فهم إما: عصاة، أو مؤمنون ينهون عن المعاصي، وإما متفرجون سلبيون وهذه الفئات موجودة في كل المجتمعات. السلبيون قالوا (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) آية 164 والمؤمنون ردوا (قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) آية 164. وقد ذكر الله لنا كيف نجّى الفئة المؤمنة وعاقب الفئة العاصية كما في قصة أصحاب الأعراف (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) آية 165، ولم يذكر هنا مصير الفئة السلبية، بعض العلماء يقولون أنهم مع الفئة الضالة الظالمة لأنهم لم ينهوا عن السوء والبعض الآخر يرى أنهم سكتوا عن الحق والله سيحسم وضعهم يوم القيامة لذا لم يرد ذكرهم في السورة والله أعلم.
إذن بعد هذا العرض للسورة نستنتج أنه علينا الابتعاد عن السلبية وعلينا أن نحسم مواقفنا من الآن لأننا تريد أن ندخل الجنة بإذن الله ولا نريد أن نكون مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وعلينا أن لا يثنينا عن نصرة الحق لا خجل ولا عدم مبالاة أو قلة اكتراث ولا ضعف. ولعل الغفلة هي من أهم أسباب التردد والسلبية فعلينا ان نسعى أن لا نكون من الغافلين لأن الغافل قد يكون أسوأ من العاصي، فالعاصي قد يتوب كما فعل سحرة فرعون أما الغافل فقد يتمادى في غفلته إلى حين لا ينفع معه الندم ولا العودة. (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) آية 179.
وتأتي ختام السورة لتركز على البعد عن الغفلة وحسم الامر (وَإذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) آية 205
والسجدة في الآية الأخيرة كأنما جاءت لتزيد في النفس الاستعداد للحسم فربما بهذه السجدة يصحى الغافل من غفلته ويحسم السلبي موقفه إذا عرف بين يدي من يسجد فيعود إلى الحق (إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) آية 206. وقد ختمت السورة بإثبات التوحيد كما بدأت به وفي هذا دعوة إلى الإيمان بوحدانية الله في البدء والختام. وهذه السوة مرتبطة بسورة الأنعام لأن الابتعاد عن السلبية وحسم الموقف هو من توحيد الله في المعتقد والتطبيق أيضاً.