مع التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم تظهر في طياته بين الفينة والأخرى سلبيات متنوعة ومنها قراءة الطالع والفنجان عبر التطبيقات الهاتفية والمواقع الالكترونية والتي تبين أن الكثيرين مازالوا مهووسين بها ويلجأون إليها بهدف كشف ستار "المجهول" ومعرفة ما يخبئه لهم مستقبلهم ناسين أو متناسين أن ذلك مخالف لشرع الله فضلا عن أنه مضيعة للمال والوقت.
واتخذ (التبصير) في يومنا هذا منحى مختلفا بتجاوزه الواقع ليصل الى الواقع الافتراضي بعد انتشاره بشكل ملفت وكبير في مواقع الشبكة العنكبوتية والهواتف الذكية ما جعله في متناول الجميع ووسيلة استغلال سهلة للدجالين والمشعوذين وضعاف النفوس.
وعن ظاهرة انتشار هذه المواقع والتطبيقات وانجذاب الناس اليها من مختلف الأعمار والتوجهات والتحصيل العلمي أكد عدد من الأكاديميين المتخصصين في علوم النفس والاجتماع والشريعة في لقاءات مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الاربعاء "أن اللجوء الى هذه التطبيقات بما تحتويه من خرافات واكاذيب ما هي الا جريمة في حق النفس والغير لما فيها من تعد على شرع الله واتباع هوى ومضيعة للمال والوقت".
وقالت أستاذة العمل الاجتماعي في جامعة الكويت الدكتورة ملك الرشيد ل (كونا) "إنه من الخطأ الاعتقاد أن الخوض بأمور كشف المستور في عالم الغيبيات عن طريق ممارسات متجذرة في تراث العديد من الثقافات التقليدية يقتصر فقط على محدودي الثقافة ومتواضعي الفكر والتحصيل العلمي والأكاديمي فهي ممارسات تتعلق بالطبيعة البشرية والشخصية المحبة للاستطلاع والباحثة عن المجهول والهاربة من الواقع المنطقي الذي لا يقدم اشباعا لنزعات معرفة الغيب فهي محاولات لاستشراف المستقبل خوفا من عنصر المفاجأة وهي اجترار لأحداث الماضي رغبة في تفسير الحاضر".
واضافت الرشيد "أن مستخدمي هذه الخدمات رغم تباين مستواياتهم الاجتماعية والفكرية والعلمية إلا انهم جميعا يتشابهون في لحظات ترقبهم لما سيكشفه لهم العراف من مخاوف أو تفاصيل ماضيهم ومستقبلهم بعيون جاحظة مترقبة وأفواه مشدودة تنتظر نتيجة محاولته استقراء تجاعيد البن على جداريات الفناجين أو تتبع آثار خطوط الحياة والنجاح والحب في خطوط الكف أو في الأحجار والأصداف".
وأوضحت "أن انتشار تطبيقات الاستبصار عبر برامج الهواتف الذكية جعلت تلك الممارسات بين الأيادي وفي متناول الجميع ونزعت عنها الحاجة للسعي وصولا لمقدمي خدماتها ورفعت الحرج عمن كان يضطر للتخفي وراء مختلف الأقنعة للحصول على تلك الخدمات".
وأضافت أنها لا تعتقد أن هذه التطبيقات كفيلة بزيادة الهوس عند محبي معرفة الغيب وقراءة الطالع بل هي وسيلة جديدة متاحة أمامهم للخروج - حسب وجهة نظرهم - من الواقع المقيد للأحلام والرغبات غير المصرح بإعلانها والأفكار التي تبحث عن تأكيدات يصعب نيلها بمفهوم المنطق وقد تكون مجرد مصدر للمزاح رغم مخالفتها الواضحة لتعليمات الدين وتجليات المنطق.
ورأت "ان السبيل الأمثل للحد من تلك الممارسات والتي استغلها الكثيرون من مروجي ومدعي معرفة الغيب لنيل مكاسب مادية وشخصية ليس بالمنع لغرض المنع بل بالعمل على تغيير القناعات من خلال تأصيل الفكر النقدي والمنطق المبني على حقائق لا غيبيات اذ ان تعلم كيفية تحليل المواقف والشخصيات كفيل بإيجاد معظم الإجابات التي يسعى وراءها زبائن هذه الخدمات أما البقية الغيبية فالأفضل أن تستمر غيبا إلى أن يأتي الوقت المناسب فتكون واقعا نعيشه كما قدر لها الخالق أن تكون".
من جانبها قالت دكتورة علم النفس في جامعة الكويت كلية العلوم الاجتماعية نادية الحمدان ل (كونا) "ان قراءة الطالع عن طريق الفنجان أو الكف أو غيره من الطرق الأخرى ما هي الا مواضيع قديمة وكانت موجودة في أيام الجاهلية إلا إنها للأسف استمرت ووصلت الى عصرنا الحالي رغم تحريم الدين الاسلامي لها".
وأضافت الحمدان "أن عصرنا الحالي يتميز بالتقدم العلمي والتكنولوجي ما حدا بالبعض الى استغلال هذه التقنيات ليستحدث تطبيقات تدعي قراءة الطالع والمستقبل انتشرت عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ولاقت قبولا واسعا وكبيرا من عدد لا بأس به من محبي هذه الخرافات على مختلف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية والعمرية".
وبينت ان "هذه التطبيقات سهلت على من أسمتهم ب(الهوائيين) أي من يسهل التأثير عليهم وتعد النساء الفئة الأكبر منهم الوصول الى مبتغاهم سواء كانوا في البيت أو في العمل أو مع الأصدقاء ولو كان نظير حصولهم على هذه الكذبة دفع مبالغ مالية مخالفين بذلك الشرع والدين".
واضافت "ان هناك فئة مدمنة على قراءة الطالع يوميا فهي لا تخرج من البيت أو تقدم على عمل ما إلا بعد قراءة برجها أو بقايا البن في فنجانها وأن هناك فئة أخرى تلجأ لقراءة الطالع عن طريق هذه التطبيقات أو غيرها في سبيل الحصول على المتعة والتسلية المزيفة رغم درايتها الواضحة والجلية بأنها وهم وكذب واصفة من يلجأ لهذا الفعل بأنه "انسان غير قادر على فهم ذاته ولديه قصور في التخطيط لمستقبله".
واعتبرت "أن مثل هذه المواقع وغيرها من هذه الظواهر ما هي إلا جريمة في حق الذات والغير لما فيها من تعد على شرع الله واتباع هوى ومضيعة للمال والوقت متوجهة بالنصح لمن يلجأ لمثل هذه الأنوع من الخرافات التوجه الى الله والاستعانة به في قضاء حوائجهم".
اما المعالجة النفسية الدكتورة زهراء الموسوي فقد رأت في حديث مماثل ل(كونا) "أن التبيين منذ قديم الزمان يتخذ منه الكثير من الناس سبيلا لسبر غور الغامض من الأمور" مشيرة إلى "أن الانسان بطبعه يخاف من المجهول ولاسيما النساء فهن يلجأن لمثل تلك الأمور أكثر من الرجال لأنهن أكثر انسياقا وراء الوساوس والشكوك فتلجأ الى العرافين والرمالين رغبة في معرفة المستقبل والبحث عن تنبؤ له".
واضافت الموسوي انه "رغم ما نعيشه من نهضة علمية وتطور تكنولوجي أزاح الستار عن الكثير من الغيبيات الخاصة بالأمور العلمية باختلاف أنواعها إلا أن الانسان لم يستطع ان يعلم المستقبل أو بمكنونات الاخرين ونواياهم فيلجأ لطرق غيبية تساعده على ذلك فهو دائم البحث خارج محور العلم في محور الغيبيات ولاسيما اذا كان هذا البحث يقوده الى فك اسرار تتعلق بحياته العاطفية والانسانية إذ يعتقد أنه لن يجد اجابة لها الا في أوساط الدجالين وقارئي الطالع".
وأكدت "أن الاهتمام بالذهاب الى العرافين والمبصرين لا يقتصر فقط على ذوي الشهادات البسيطة او غير المتعلمين بل يلجأ له أيضا بعض اصحاب الشهادات العليا خصوصا اذا لم يملك طريقة تفكير صحيحة تساعده على التحليل المنطقي واتخاذ القرار بطريقة عقلانية".
وعن رأي الشرع والدين في استمرار اهتمام الناس بالتبصير واللجوء الى العرافين ومثل هذه التطبيقات المستحدثة في عصرنا الحالي يقول المستشار الأسري والدكتور في الدراسات الاسلامية والامام والخطيب في وزارة الأوقاف راشد العليمي ل (كونا) انه "من الأمور العجيبة اننا ما زلنا نرى انتشار موضوع العرافة والتبصير في اوساط فئات نتصور انهم من المثقفين العقلاء وذوي اصحاب المراكز المرموقة والشهادات العليا فتعلقهم بهذا الامر انما يدل على الجهالة التامة والبعد عن الدين الذي يؤكد أن الغيب لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى الذي قال في محكم كتابه الكريم (قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله)".
وأضاف العليمي "أن البعض يعتقد أن لجوءه الى كشف الطالع يمكنه من معرفة مستقبله فيما اذا كان سيأتيه خير يسعد به أو شر يحذر منه وهو مخالف لما تنادي به الشريعية الاسلامية وضعف في التوكل على الله سبحانه وتعالى.
وذكر أن "وجود تطبيقات تدعي معرفة الغيب وكشف المستور ما هي الا استخفاف بعقول الناس الضعفاء الذين لا يعرفون كيف يديرون حياتهم واستغلال وقتهم وأموالهم فيجب على الانسان المؤمن أن يكون واعيا ويحصن نفسه بالتوكل على الله فعلم الغيب عند الله وحده".