- لا حاجب عن الخير ولا حاجز عن البر أعظم من الذنوب لذلك فأول الاستعداد التوبة والإنابة
- من استطاع أن يتقدم وترك التقدم فيوشك أن يصرفه الله كما صرف المنافقين عن الخير

المواسم تستغل، والفرص تنتهز، والصالحون يشمرون، ويستعدون، فرب فرصة لا تتكرر، وربح لم ير مثله. 
واستغلال رمضان يقوم على مقومات يمهد لها معرفة الهدف من رمضان.
 ما هي أهداف شهر رمضان في القرآن الكريم؟
يمكن أن نلخص الأهداف القرآنية من رمضان في أهداف ثلاثة: 
الأول
 التقوى: قال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ????
، وحاصل التقوى “الخوف من الجليل والعمل بما في التنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل”
ولو لخصناها في الأخير لكفى، كما أننا لو جعلنا التقوى فعل الطاعة وترك المعصية لكفاها ذلك تعريفا. 
الثاني
الهداية: وهي إصابة الخير، بعد معرفته، والتوفيق له بعد بذل الجهد من أجل ذلك، قال تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى ? وَصَدَّقَ بِالحُسنَى ? فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى ?
الثالث
الشكر: وهو صرف العبد كل طاقاته فيما خلق له وهو عبادة الله تعالى، وهو الثمرة المرجوة من التقوى والهداية، وإلى الهدفين الأخيرين أشار القرآن (وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَىكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ???
فإذا تحددت هذه الأهداف واتضحت هذه الغايات، وجعلها الإنسان المسلم نصب عينيه، وأدرك أنه في دورة تدريبية ذات أهداف ووسائل، وذات مقاصد وغايات وأن النجاح ليس في المشاركة فيها  فقط (وإن كان الحرمان منها فشلا أيضا) بل فيما تحقق منها على مستوى أخلاقه وسلوكه “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع،“من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طاعمه وشرابه، وفي رواية: زيادة كلمة “والجهل
وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم 
كما أنه لا بد في صدارة الاستعداد للصيام من إدراك مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الصيام من قسم التروك، إذ العبادات قسمان: فعلية وتركية، والفعلية بحسب الطاقة، والتركية لا خيرة فيها: “إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
فلما كان الصيام تركيا كان فعله أولى، ولا عذر لأحد فيه، والصيام أشمل من مجرد الإمساك عن شهوتي البطن والفرج كما أشارت الأحاديث المذكورة أعلاه. 
ما هي مقومات الاستعداد لشهر رمضان؟
 الاستعداد له يقوم على المقومات التالية: 
أولا:
 الاستعداد القلبي بحبه والشوق له، والعزم على الطاعة فيه، وهذا معنى: “اللهم بلغنا رمضان”، وكأن الإنسان يعاهد الله إن أمهله حتى يبلغ هذا الموسم أن يصدق العبادة، ويحسن التغيير، ويستثمر الوقت، ويجد ويشد المئزر. 
الثاني:
 التوبة والإنابة: فلا حاجب عن الخير ولا حاجز عن البر أعظم من الذنوب، لذلك فأول الاستعداد التوبة والإنابة، حتى يوفق الإنسان، وكم من مصر على ذنب حرمه إصراره من الخيرات، والأخطر من الإصرار هو الرضا بالمعاصي، وهو آفة الآفات، وجريمة الجرائم، وسبب البعد عن الله، والطرد من حزبه ورحمته، وفوات مواسم الخير، 
قال تعالى: (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَآئِفَة? مِّنهُم فَاستَ‍ذَنُوكَ لِلخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخرُجُواْ مَعِيَ أَبَد?ا وَلَن تُقَتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُم رَضِيتُم بِالقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّة? فَاقعُدُواْ مَعَ الخَلِفِينَ ???
وقال جل جلاله: (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخَوَالِفِ?، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقَتُهُم إِلَّآ أَنَّهُم كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأتُونَ الصَّلَوةَ إِلَّا وَهُم كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُم كَرِهُونَ ???
 فكراهة الطاعة والرضا بالمعصية سبب هذا القدر من الشر والصرف عن الخير.
 الثالث: 
مراجعة أحكام الصيام، حتى يكون الإنسان على علم بما يأتي وما يذر، فتعلم الإنسان لأحكام دينه العينية واجب عليه، وتركه لذلك إعراض عن الله وعن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأكمل أن يقرأها في كتاب، وليكن كتاب حديث يجمع بين الأحكام والفقه، والمقاصد والغايات والمواعظ، والآداب، وإلا ففي كتاب فقه، وإلا فليسأل أهل العلم عما يشكل عليه، وذلك أضعف الإيمان.
 الرابع:
 التعلق بالدعاء، فرمضان ذو فرص إجابة كثيرة، ومن لم يتعود الدعاء تمر عليه الفرص دون أن يسأل شيئا، وبما  أن “للصائم دعوة لا ترد، وله عند الفطر دعوة، وله عند السحر دعوة، وله عند الإخبات دعوات ودعوات، وفي الثلث الأخير، وفي ساعة الجمعة، وفي غير ذلك فرص كثيرة، ونفحات ربانية غزيرة، وفي ليلة القدر (وَمَآ أَدرَىكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ?(
. وقد أشار القرآن للدعاء بالنسبة للصائم في قول الله تعالى أثناء عرض آيات الصيام: (يَأَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ??
الخامس: 
تجديد العلاقة بالقرآن وزيادتها، فرمضان شهر القرآن (شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرءَانُ، ولا ينبغي للمسلم أن يفوت فيه ختمة على الأقل، والأكمل أن يختم عشر ختمات،وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل رمضان، وفي رمضان وفاته دارسه القرآن مرتين( وكان مالك والبخاري وغيرهما من الأعلام يتفرغون للقرآن في رمضان. السادس: صلاة التروايح: فهي قيام رمضان الخاص، والأكمل للحافظ أن يقوم بنفسه في بيته حتى يتدبر، ويطيل الصلاة كما يشاء، وإلا فمع الناس، وليختر من يتأثر بقراءته، ويستفيد من سمته، ويخشع بالاستماع إليه. 
السابع: 
الصدقة: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان “فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، فلا بد من الإنفاق فيه ولو بالقليل “فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ومن لم يجد “فبكلمة طيبة، ومن لم يجد فليكف عن الناس أذاه فتلك صدقة منه على نفسه.
ومعلوم أن “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار
الثامن: 
الاعتكاف: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في رمضان ما لا يعتكف في غيره، وكان يعتكف منه عشرا، ومرة اعتكف منه عشرين يوما، واستقر اعتكافه في العشر الأواخر، والقرآن عرض للاعتكاف أثناء سرد آيات الصيام، وفي ذلك إشارة لارتباطهما (أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيَامِالرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُم هُنَّ لِبَاس  لَّكُم وَأَنتُم لِبَاس  لَّهُنَّ  عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختَانُونَ أَنفُسَكُم فَتَابَ عَلَيكُم وَعَفَا عَنكُم فَالَنَ بَشِرُوهُنَّ وَابتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُم  وَكُلُواْ وَاشرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيلِ وَلَا تُبَشِرُوهُنَّ وَأَنتُم عَكِفُونَ فِي المَسَجِد تِلكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ ءَايَتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ ???،
وشرط الإمام مالك في الاعتكاف الصيام، وكذلك الإمام أبو حنيفة، والغاية من الاعتكاف التفرغ من الشواغل عن العبادة، ومن استطاعه فليفعل، عشرا، أو أقل حتى يوما ولية، وليكونا في وتر، ومن لم يستطع، فليعتكف من أوقاته في المساجد، وفي بيته ما استطاع، فذلك أجمع لقلبه، وأنفع له، وقد قال تعالى: (وَاذكُرِاسمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّل إِلَيهِ تَبتِيل?ا ??، وقال: (وَاصبِر عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهجُرهُم هَجر?ا جَمِيل?ا ??، ففي ذلك من وسائل التربية ما يكفي العاجز عن الاعتكاف، وهو أنفع من تركه لا محالة.
 التاسع:
 التغيير العام في السلوك كله، وخاصة في اللسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طاعمه وشرابه،«إذا أصبح أحدكم يوما صائما، فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه، أو قاتله فليقل: ‌إني ‌صائم، ‌إني ‌صائم»، فلا يمكن للصائم أن يبقى على عاداته، بل لا بد أن يغير السلبي منها، وأن يبدأ بالأيسر عليه، ولا أيسر من الصمت، وإمساك اللسان على من وفقه الله له، ثم كف باقي الجوارح عن المعاصي، غضا للبصر، وحفظا للسمع. وسمعك صن عن سماع القبيـح  كصون اللسان عن النطق به فإنك عند استماع القبيح شريك لقائله فانتبه. 
ومعلوم أن من سدر مع عاداته ومألوفاته في رمضان سدورها فيها في سائر السنة، فإنه لم يستفد من رمضان، ولم يستشعر معنى:  (لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ???، ولا غاية: (وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَىكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ????
العاشر: 
الأذكار: وخاصة أمهاتها كالهيللة، والحمد، والتسبيح والتكبير، والحوقلة، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفروع هذه الأصول، وأقل ذلك المحافظة على أذكار الصباح والمساء وخاصة (سبحان الله وبحمده،سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان اللهوالحمد لله والله أكبر، أستغفر الله العظيم، وغير ذلك من أذكار، فكله نافع للعبد معين له على الاستفادة من صيامه. 
وأخيرا: 
فإن الإنسان في سيره إلى الله إما متقدم أو متأخر، ولا واسطة بينهما (لِمَن شَآءَ مِنكُم أَن يَتَقَدَّمَ أَو يَتَأَخَّرَ ???،
ومن استطاع أن يتقدم وترك التقدم فيوشك أن يصرفه الله كما صرف المنافقين عن الخير، أو يمنع -قَدَراً- قبول طاعاته كما وقع للمنافقين فقد قال الله جل جلاله عنهم: (قُل أَنفِقُواْ طَوعًا أَو كَره?ا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُم إِنَّكُم كُنتُم قَوم?ا فَسِقِينَ ???
. والله أمرنا بالمسابقةوالمسارعةوالمنافسة في الخيرات، فإذا لم ننافس الأولين من الصديقين والصحابة والصالحين فلا أقل من أن ننافس المعاصرين، وأن نتمنى على الله أن تكون أعمالنا خير عمل يرفع على وجه الأرض، وإلا فمن خيره، ومن فاتته المواسم فقد فاته الخير الكثير.
 

فتاوى رمضانية

كيف يصوم المسلمون في بعض بلاد الكفار التي ليس فيها رؤية شرعية؟
أجاب فضيلته بقوله: هؤلاء يمكنهم أن يثبتوا الهلال عن طريق شرعي، وذلك بأن يتراءوا الهلال إذا أمكنهم ذلك، فإن لم يمكنهم هذا، فإن قلنا بالقول الأول في هذه المسألة فإنه متى ثبتت رؤية الهلال في بلد إسلامي، فإنهم يعملون بمقتضى هذه الرؤية، سواء رأوه أو لم يروه.
وإن قلنا بالقول الثاني، وهو اعتبار كل بلد بنفسه إذا كان يخالف البلد الآخر في مطالع الهلال، ولم يتمكنوا من تحقيق الرؤية في البلد الذي هم فيه، فإنهم يعتبرون أقرب البلاد الإسلامية إليهم، لأن هذا أعلى ما يمكنهم العمل به.