قال تقرير الشال الأسبوعي الصادر حول «ملتقى الميزانية الأول لعام 2024»: عرض  وزير المالية الأسبوع قبل الفائت لتوصيف لما تحقق من عجز مالي منذ عام 2015 حتى السنة المالية الحالية، ثم قام بعمل إسقاط على العجز المالي المتوقع للسنوات المالية القادمة حتى 2028/2029، ما ذكره بإيجاز هو أن حصيلة الماضي كانت صافي عجز بحدود 33.6 مليار دينار كويتي، وفي تقديرنا كان من الممكن أن يصل إلى حدود الـ 40 مليار دينار كويتي لولا الحرب الروسية الأوكرانية، ويقدر العجز المتوقع في المستقبل القريب بحدود 26.1 مليار دينار كويتي إن استمرت السياسات المالية على ما هي عليه، أو بمجموع عجز محقق ومتوقع بحدود 60 مليار دينار كويتي.
ولمواجهة ذلك الانفلات المالي، يقدم الوزير وفريقه مقترحان، الأول هو تثبيت سقف الإنفاق العام عند مستواه الحالي البالغ 24.5 مليار دينار كويتي، وهو مقترح صحيح ويظل غير كافٍ، والثاني هو زيادة الإيرادات غير النفطية من مستوى 2.7 مليار دينار كويتي حالياً، إلى 4 مليار دينار كويتي للسنة المالية 2027/2028، وهو أيضاً صحيح في الاتجاه ومتواضع في حجمه أو قيمته. عجز السنوات المالية الثلاث – وليس الأربع – القادمة (2025-2026-2027-2028) هو 18 مليار دينار كويتي في حال استمرار السياسات المالية الحالية، ومقترح العلاج يخفض العجز المحتمل إلى نحو 11 مليار دينار كويتي، أي يوفر نحو 7 مليار دينار كويتي.
انتقادنا الأول لمشروع العلاج هو أنه لا يتعدى النوايا ولم يصاحبه برنامج مالي ملزم لنفقات وإيرادات السنوات المالية الثلاث المذكورة، وانتقادنا الثاني هو أن حصيلته في خفض العجز متواضعة قد تؤخر بلوغ نهاية الطريق المسدود سنة مالية أو نحوها ولا ترقى إلى مستوى حل جراحي. والانتقاد الثالث، هو أن تلك النتائج على تواضعها محكومة بمتغيرات سوق النفط بشكل شبه كامل، ولا يد للسلطة المالية في التحكم بها، فقد تهبط أسعار النفط إلى دون المقدر من وزارة المالية.
 

رؤية الكويت 2035 لم تحقق مستهدفاتها

 
ذكر تقرير الشال الأسبوعي الصادر حول “الاقتصاد والمستقبل”: التخطيط هو فعل استباقي، هدفه تعظيم النفع واجتناب غير الضروري من الضرر في المستقبل، ودور المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية كما ذكرنا في تقريرنا الفائت، هو التزام أمانة التشخيص، ولكن، الأهم، هو عمل اسقاطات مهنية وعميقة على المستقبل لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي والمالي. فالمجلس، كما هو حال وزير المالية، يقران بعدم تحقيق رؤية 2035 لأي من مستهدفاتها، والواقع أنهما وإن بطريقة غير مباشرة، يقران بأن الكويت ليست فقط لم تخطو خطوة صحيحة باتجاه تحقيق تلك المستهدفات، وإنما خطت باتجاه تعميق اختلالات الاقتصاد الهيكلية الأربعة. وعلى المجلس الأعلى للتخطيط عمل اسقاطات لتبيان مسارات الاقتصادات المسدودة، واقتراح الجراحات اللازمة لفتحها، وكان من الممكن أن تكون رؤاه صلب إصلاحات ملتقى الموازنة الأخير، وسوف نذكر اجتهاداً أمثلة أو نماذج لتلك المسارات المسدودة.
إنحراف هيكل الإنتاج مثال، فالكويت باتت البلد الوحيد في العالم الذي يولد القطاع العام فيه نحو 70% من اقتصاده، ولا بأس لو كان القطاع العام ينتج سلع وخدمات بجودة عالية وبأسعار منافسة وبتكلفة محتملة، ولكن، واقعه هو إنتاج سلع وخدمات رديئة وبتكلفة عالية وغير مستدامة.
وكل مسارات التنمية التاريخية في الكويت تعتمد بشكل شبه كلي على خام النفط الذي راوحت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ما بين نحو 47% و57% في آخر سنتين، وترتفع إلى حدود 60% في المعدل لو حسبنا الصناعات النفطية الأخرى، ذلك يحدث منذ نصف قرن تقريباً رغم تصدر أولوية تنويع مصادر الدخل لكل برامج وخطط الحكومات المتعاقبة.
ومن المرجح أن يتعرض النفط في المستقبل لضعف في أسعاره وهو ما أقره وزير المالية وإن توقف عند سعر 75 دولار أمريكي للبرميل، ولكن، مع الضغط إلى الأدنى على مستويات الإنتاج لدعم مستوى الأسعار، وما يصاحبه من ارتفاع متصل لتكلفة إنتاج البرميل التي تضاعفت نحو 7 أضعاف في آخر ربع قرن. إضافة إلى شيخوخة معظم المكامن ما يمنع الارتقاء بمستوى الإنتاج، وزيادة السكان ومعها زيادة الاستهلاك المحلي على حساب حصة التصدير، كلها تعني أن استدامة مساهمة النفط في تعويم القطاع العام المكلف، إلى تآكل متصل.