طالب عدد من المفكرين والأدباء ورجال الثقافة والإعلام وخبراء التربية والتعليم بالتعاون في الحفاظ على الطاقة الإيجابية بالمجتمع، وتجنب نشر الشائعات والأخبار الكاذبة التي تؤثر سلبا على الحالة النفسية للأفراد، وتهدد أمن المجتمع وأمانه واستقراره، وتؤدي إلى انتشار الطاقة السلبية التي تعوق التقدم نحو بناء "المستقبل الأفضل" للأجيال الحاضرة والقادمة.
وشددوا على ضرورة التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها، وتجنب إطلاق الأحكام على أساس معلومات خاطئة، أو غير دقيقة. وأشادوا بجهود وسائل الإعلام في نشر الأخبار الإيجابية والبناءة التي تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، والاستقرار في شتى المجالات.
وأوضحوا، خلال مشاركتهم في الملتقى الثقافي الذي نظمته "إثنينية الذييب" الثقافية بالرياض بعنوان "جوانب الاحترام المتبادل" أن مواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة تنعكس آثارها بوضوح في ترسيخ الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع الواحد، فضلا عن تجنب الإساءة إلى الآخرين سواء كانوا مواطنين، أو مقيمين، أو سائحين، أو غيرهم.
الباحث التربوي ومستشار الإرشاد النفسي والأسري أحمد القرني لفت إلى أنّ الإسلام شدد على أهمية الأخلاق الفاضلة، وأن احترام الآخرين ركن أصيل من هذه الأخلاق، كما أنه أساس أي علاقة ناجحة، سواء كانت علاقة زوجية، أو صداقة، أو علاقة عمل. وأكد أهمية "الاحترام المتبادل" في بناء مجتمع قوي، وأكثر تماسكا وسعادة، مشيرا إلى أن الاحترام كان قيمة موجودة في المجتمع العربي قبل الإسلام.
احترام القوانين والأنظمة
وقال: يجب أن نعترف بوجود بعض السلوكيات السلبية في مختلف المجتمعات، وأن تلك السلوكيات لا تمثل الأغلبية، وإنما تصدر عن البعض إما عن جهل منه، أو بغير دراية بآثار ما يفعل. ودورنا هو نشر الوعي بأهمية الاحترام المتبادل، وتصحيح هذه السلوكيات.
وحثّ وسائل الإعلام بمختلف أنواعها المقروءة والمرئية والمسموعة، وخطباء المساجد، والمعلمين، والمؤسسات الثقافية على القيام بدور جاد في التوعية بمخاطر أي سلوكيات سلبية، أو تصرفات معيبة يمكن أن تؤثر على سمعة المجتمع، أو صورة الأسرة.
ولا بد من توعية الأفراد بأهمية احترام الأنظمة والقوانين، ذلك أن هذا الاحترام يساهم في بناء مجتمع آمن ومنظم. كما ينبغي التعاون مع الجهات المعنية لضمان احترام القوانين والأنظمة وتطبيقها بشكل عادل.
تناول عددا من الصفات السلبية داعيا إلى التخلص منها؛ لتنافيها مع قيمة الاحترام، ومنها الغيبة والنميمة، ووصفها بأنها من الخصال الذميمة، والنقائص التي تضر بالعلاقات الإنسانية، وترفضها الأخلاق الحميدة. ولفت إلى أن الاحترام أهم من الحب في العلاقات الشخصية؛ لأثره في تحسين العلاقات بين الناس، والحفاظ على القيم الأصيلة، والتقاليد الإيجابية.
رعاية العلاقات الأسرية
وفي تناوله أهمية الاحترام في العلاقات الإنسانية داخل الأسرة والمجتمع، يبرز عددا من الأمور المهمة التي يجب مراعاتها في التعامل مع الآخر، ومنها:
ـ ضرورة تجنب التوبيخ العلني للمخطئ، خاصة أمام الآخرين، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إحراجه، وتدمير احترامه لذاته؛ فتوبيخ طالب أمام زملائه، قد يؤدي إلى تركه المدرسة.
ـ أهمية الحوار البناء والهادئ في تقديم النصح والتوجيه، بدلا من اللجوء إلى الشدة والعنف.
ـ رعاية العلاقات الأسرية وتعميق الاحترام بين أعضائها، ذلك أن نقص الاحترام في الأسرة يسبب مشاكل، مثل: الطلاق، وعقوق الأبناء، وابتعادهم عن آبائهم.
وقال: من أسباب العقوق عدم احترام الأب أبناءه، فتجد الأبناء ينفرون منه. وقد ذكر لي أحد الأشخاص أن عنده عمارة بها عشر شقق، ولم يسكن بها أحد من أبنائه، فقلت: والله ما هربوا منك إلا من كثرة انتقادك لهم، وعدم احترامهم.
الأبناء.. احتياجات ومسؤوليات
وعقد مقارنة بين أساليب التربية في الماضي والحاضر، مشيرا إلى أن تغيرات عديدة طرأت على أساليب التربية، وتركت أثرها على سلوك الأبناء. وأكد ضرورة تكييف أساليب التربية مع متطلبات العصر، والحفاظ على القيم الأساسية، مثل: الانضباط والمسؤولية. وأشار إلى أن الضغوط الاقتصادية في الماضي كانت تدفع الأسر إلى تربية أبنائها على الانضباط والعمل الجماعي، وذلك لضمان بقاء الأسرة. ووصف جيل الماضي بأنه كان أكثر انضباطا ومسؤولية، بينما الجيل الحالي أكثر أنانية. ودعا إلى ضرورة إيجاد التوازن بين تلبية احتياجات الأبناء، وتشجيعهم على تحمل المسؤولية.
أضاف أنه حتى في وقت الخصومة يجب أن يكون الإنسان عادلًا محترِمًا لخصمه، وألا يفجر في الخصومة إذا حدثت؛ فهذا من مكارم العرب قديمًا. وقال: أذكر شخصا كان بينه وبين آخر خصومة؛ فعندما تقدم لخطبة ابنته أو أرسل من ينوب عنه لخطبتها، قال أبوها: والله إني على خلاف شديد معه، ولكني أقر في نفسي أنه الرجل الكفء، وسوف أزوجه ابنتي.. هذه من المعادن الأخلاقية الطيبة، والاحترام للشخص حتى في وقت الخصومة.
ونصح بأن يُحسن كل إنسان التعامل مع من حوله. وعلى الزوج أن يقدر زوجته، وأن يتعلم التسامح والتغاضي والاحترام، حتى لو بدر منها خطأ، فبغير ذلك نتسبب في قطيعة الرحم، وربما الطلاق، كما تتعقد أمور كثيرة في حياتنا.
واختتم حديثه قائلا: ديننا الحنيف جاء بتشريعات عظيمة؛ ليتمم مكارم الأخلاق، وكثير من الأخلاق التي كانت عند العرب قديمًا عطرها الإسلام وعززها بعد بزوغ النبوة، ومنها إكرام الضيف، والصدق، واحترام الجار. ولا بد من تعزيز قيمة الاحترام المتبادل، وأن تسود هذه الأخلاق بين الناس كما كانت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".