تعود بنا الدكتورة سعاد الصباح في إصدارها الجديد (الأسبوع 6 أيام) إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بكل ما فيه من عبق وكدر، فتسجّل لنا، وبطريقة سوسيولوجية، تاريخ ما أهمله التأريخ، حيث تتابع نبض تلك المرحلة، والاحتشادات الشعورية التي رافقت قضاياها بكلام شفيف، بعيداً عن جمود لغة التوثيق التأريخي التي لا تأبه بخلجات الأنفس، ولا آهات المستضعفين.
الكتاب، الصادر أخيراً عن دار سعاد الصباح للثقافة والإبداع، جمعت فيه المؤلّفة ما تيسر من المقالات التي كتبتها، ونشرتها في تلك الآونة في صحف القبس والأنباء والوطن، وتمحورت حول الوطن والطفولة والظلم وهموم البسطاء من الناس. وقد أهدت الكتاب إلى زوجها الراحل الشيخ عبدالله المبارك الصباح، رحمه الله، فقالت: “إلى اليوم الأول الذي قال لي فيه: أريدك شريكة عمري، واليوم الأخير الذي قال لي فيه: سلامة عمرك، وما بينهما من أيام.. إلى رفيق الدرب وصديق الزمن الجميل عبدالله مبارك الصباح”.
وأكدت سعاد الصباح في مقدمتها للكتاب بأنها لم تنشر هذه المقالات من منطلق تقديس الماضي: “ لست ممـن يبجلـون الماضي ليبرروا إلغـاء الحـاضر، إذ لـكل زمـن جمالـه، كما لكل زمن رجاله. لكــن نكـهـة تلــك الأيام أشــعر بهــا في خيالي، وطعمهــا في مــذاق الحــروف.. تلـك الأيام التـي كنـا نتنفّس رائحـة الحبـر بـين السـطور، ونعرف ملمـس الـورق بين أصابعنا.. قبـل أن نغـرق في بحـر برامـج التواصـل.. وهـي تفتـح الأبواب الخاصـة عـلى العـالم ليراها كـما هـي”.
 الهموم واحدة
يشعر القارئ، وهو يتابع هذه المقالات، أن الدكتورة سعاد الصباح تكتب عن أيامنا هذه، وعن قضايانا الحالية، على الرغم من مرور قرابة النصف قرن على زمن كتابتها. إنها تكتب عن هموم الشباب، وعن أوضاع الأطفال، وعن الانسان العربي الباحث عن هويته، وعن وهم الديمقراطية، وعن غياب الحوار ومعضلة عدم تقبل الرأي الآخر، وعن أوجاع القضية الفلسطينية، وغيرها الكثير.
إنها تناقش مجالات الحيــاة اليوميــة، وتستعرض همــوم المواطــن العربي، وتنقل أوجاع الفقراء ومتطلباتهـم. وللمفارقة، فإنها ذات الهموم والآهات التي نتجرعها اليوم. فعن الطفولة كتبت في العام 1988 تقول: “إن الطفل العربي هو الاستثمار الرابح. في حين أن بقية استثماراتنا قابلة للربح والخسارة. الطفل العربي هو آخر حصان جميل نراهن عليه.. فإذا خسر هذا الحصان، فإن سلالة الخيول العربية كلها سوف تنقرض. قد يكون كلامي جارحاً بعض الشيء. ولكنني أكتب ما أكتبه، لأنني ألاحظ أن الأطفال العرب يعيشون في مناخ ملوث، صحياً وثقافياً، واجتماعياً، وقومياً.. فهم ضائعون، ومكسورون جسدياً ونفسياً، ومهتزون كشجيرات من القصب تعصف بها الريح”.
غزة.. الأمس واليوم
كعادتها، تحمل الدكتورة سعاد الصباح القضية الفلسطينية في شعرها وفي نثرها وفي كل منبر تعتليه، وهي حين كتبت عن غزة في ثمانينيات القرن الماضي، كانت وكأنها تستشرف ما يحدث في غزة الآن. لقد وعت الدكتورة سعاد الصباح ما جرى خلال تلك الانتفاضة، وأدركت معادلة الصمود الفلسطيني، والوهن العربي، وهشاشة الكيان الصهيوني على الرغم مما دجج به نفسه من أسلحة لا تخطر على بال، ولنقرأ ما كتبت قبل ست وثلاثين سنة: “ميلادنا الحقيقــي، كان في غــزة.. وفي التراب الغـزاوي تشـكلت النطفـة الأولى للثـورة العربيـة الشـاملة.. لا للثـورة الفلــسطينية فحــسب فالشرارة التـي اشـتعلت هنـاك، كهربـت الجسـد العـربي كلـه مـن الخليـج إلى المحيط، فسرى الـدم في شرايين الأوطان المسدودة، وانتشرت الحــرارة في كل أطــراف الجســد الــذي ظــل أربعين عامــًا محفوظاً في ثلاجة الموتى... إن الكيـان الإسرائيلي، سـوف يبقـى دائما كيانـاً هشّـًا.
وقابـلا للسـقوط في أي لحظـة.. وأن جميـع الخطـوط المكهربة والأسلاك الشـائكة التـي لفّتهـا إسرائيل حـول جسـدها، هـي خطـوط وهميـة.. يمكـن اختراقها في أي لحظـة”.
فرصة ثمينة يقدمها لنا كتاب (الأسبوع 6 أيام)، لنعيش حقبة الربع الأخير من القرن الماضي، ونقارنها بما نحن عليه اليوم، ولن يكشف لكم عن طعم هذه المقارنة إلا مقالات هذا الكتاب، التي استعرضت الهموم ذاتها، والمواجع نفسها..
من تلك الزاوية الصحفية التي زينت الصفحات الأخيرة في الصحف الكويتية وحملت عنوان: الأسبوع 6 أيام.