يعد جامع السلطان قابوس الأكبر شاهداً على الاهتمام ببناء بيوت الله، ومركزاً مهماً للدراسات الإسلامية ومنبعاً لتعلم العلوم الإسلامية ومركزاً لتخريج الدعاة والمفكرين والناشرين للدين الإسلامي ومنبراً للتواصل الإنساني والحضاري القائم على سماحة الإسلام وروحانيته.
شُيد جامع السلطان قابوس الأكبر، بأوامر سامية من السلطان قابوس بن سعيد (رحمه الله) وعلى نفقته الخاصة وبإشراف منه.
يعتبر الجامع، الأكبر بين المساجد في السلطنة، واستنبطت تصاميمه من الحضارات الأكثر حضوراً وتأثيراً وفعالية في بلاد الشرق، وظهر ذلك جلياً في دقة التصاميم وروعتها المتناهية وقدرتها العجيبة على استلهام روح الجمال والابداع.
جامع السلطان قابوس الأكبر، جاء بعد سنوات متصلة من التخطيط ليكون معلماً دينياً بارزاً وتحفة معمارية وصرحاً حضارياً يتبوأ مكانة مرموقة في نفوس المسلمين جميعاً وفي سلطنة عمان التي تشهد في عصر النهضة المباركة أروع الانجازات الحضارية اللافتة مما جعلها نموذجا فريدا للرقى والرفعة والتقدم والازدهار.
جاءت فكرة إقامة الجامع، كي يستوعب أكبر عدداً من المصلين ويكون معلماً دينياً وحضارياً وثقافياً واجتماعياً، حيث صدرت الأوامر السامية بإنشاء أكبر جامع في السلطنة عام 1992، لتبدأ مرحلة التصميم.
وبناءً على توجيهات جلالته أوكلت مهمة إقامة مسابقة معمارية إلى ديوان البلاط السلطانى بمسقط وتمت دعوة مستشارين عرب وعالميين للمشاركة في تقديم المخططات المعمارية لتصميم مشروع جامع السلطان قابوس الأكبر عام 1993 حيث رسى الاختيار على مقترح المهندس المعماري محمد صالح مكية بالاشتراك مع «كواد ديزاين» ومركزهم لندن ومسقط.
وجمع المخطط بين أصالة العمارة الإسلامية ومقاييسها وبينها وبين العمارة الحديثة ومتطلبات البناء والتصميم العصرية والمستقبلية.
بدأ التنفيذ الفعلي للجامع عام 1995 واستغرق بناؤه 6 سنوات و4 أشهر و4 أيام متواصلة، وتم افتتاحه في شهر يونيو من عام 2001.
يمثل التصميم المعماري لجامع السلطان قابوس الأكبر، مجموعة الحضارات الإسلامية من خلال دمجها في تصميم الجامع بداية من حضارة الأندلس وشمال إفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية والشرق. والشكل المعماري للجامع مبنى على وجود 5 مآذن ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة، حيث تبرز المئذنة الرئيسية وترمز إلى الركن الأول من أركان الإسلام وقبة المصلى بارتفاع كل منهما كعنصرين أساسيين ضمن بيئة الجامع وتتخلل الجدران البيضاء المهيبة مجموعة من الأقواس والكوات المفتوحة مع دعامات تستهل واجهة المصلى الرئيسي. وهذه الدعامات لها وظيفة إنشائية فضلاً عن أنها ملاقف للهواء على غرار عناصر الأبراج المناخية التقليدية والسائدة في العمارة المحلية، كما أن للقبة غشاء مخرم متشابك منمقة خطوطه بشعرية ذهبية وتنجلي من خلال شفافية هيكل القبة الخارجية القبة الثانية المكسوة بقشرة من أحجار الفسيفساء الذهبية بأكملها.
وتتوج جدران المصلى الرئيسي بشرفات يتأصل طرازها في عمارة القلاع العمانية خاصة ومسننات الشرفات في العمارة الإسلامية عموماً، فيما يتميز جدار القبلة بكوة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة كما هو التقليد في وضوح التعبير عن حائط القبلة في تصميم المساجد العمانية مما يضفى البعد الثلاثي لفضاء المحراب على حركة الواجهة ويعتلى المحراب من الخارج نصف قبة مماثلة في تكوينها لتشكيل القبة المركزية.
كما روعى فى زخرفة الأروقة «الشمالى والجنوبى» تقسيمها إلى ردهات تحتوى كل ردهة على زخرفة من الزخارف التى تنتمي لحضارات إسلامية مختلفة منها الزخرفة العمانية والعثمانية والمملوكية والمغربية والمصرية الفرعونية والبيزنطية وزخرفة بلاد الحجاز وزخرفة الفن الإسلامي المغولى وزخرفة آسيا الوسطى والزخرفة الإسلامية المعاصرة والتي تضفى للمكان جماله وبهائه بنقوشها الجميلة.
ويتوسط الرواقين المصلى الرئيسى ويتسع لأكثر من 6 آلاف و500 مصلى وقد زخرف هذا المصلى بقطع الفسيفساء والرخام الأبيض والرخام الرمادي الغامق، حيث وصل عدد قطع الفسيفساء المستخدمة فى تزيين المصلى الرئيسى ما يقارب من 8 ملايين قطعة.
تصل السعة الاجمالية للجامع إلى إمكانية احتواء 20 ألف مصل ومصلية.
ويتوسط جدار القبلة محراب يعد روعة في الجمال بنقوشه الجميلة ويعتبر أعلى محراب فى السلطنة، إذ يبلغ ارتفاعه 14 متراً وبعرض يقارب التسعة أمتار، وقد فرشت قاعة المصلى الرئيسى بسجاد أعجمى مصنوع باليد من الصوف الخالص استغرق تصنيعها 4 سنوات وقد حيكت فى منطقة مشهد بإيران بواسطة 600 شخص واستغرقت الحياكة وحدها 27 شهراً.
مرافق الجامع
يوجد بالجامع مصلى للنساء مزخرف بالأحجار المصقولة والمنقوشة والمحفورة يدويا يتسع لأكثر من ثمانمائة مصلية وقاعة للمحاضرات والفعاليات الثقافية المختلفة سعتها 300 شخص تقع إلى الغرب من الرواق ومكتبة تضم 20 ألف مجلد مرجعى فى شتى العلوم والثقافة الإسلامية والإنسانية التى تقع فى الشق الشرقى من الرواق، وهي مجهزة بأحدث التقنيات السمعية والبصرية وشبكة المعلومات العالمية مهيأة لاستقبال الدارسين والباحثين، بينما تم تصميم أماكن الوضوء فى الوسط حول باحات وقاعات خاصة لها على طول خلفية الرواق المحاذية للصحن الخارجي. كما انبثق عن تطوير مشروع الجامع بفعالياته الثقافية ومهامه الدينية والروحية معهد للعلوم الإسلامية الذي تم إنشاءه بمبنى مستقل بمرافقه التعليمية الخاصة جنوب مجمع الجامع.
صرح فريد من نوعه
يتميز جامع السلطان قابوس الأكبر بتفرده، إذ لا يوجد هناك نموذج هندسى آخر مشابه له، ولذلك فهو صرح فريد من نوعه ويتميز بأنه مكسي بالحجارة المحفورة يدوياً من الخارج مما يضفى عليه طابع الديمومة والرسوخ ومن ينظر اليه يحسبه وكأنه مبنى شامخ من مئات السنين، وقد روعى فى المواد المستخدمة فى البناء أن تكون مواداً طبيعية حتى يظل هذا الصرح خالداً لآلاف السنين.
وتمت كتابة الآيات القرآنية على أركان الجامع المختلفة وهي تزيد عن 1564 متراً طولياً، ومعظم الخطوط خطها خطاط عمانى وقد أضفت الآيات القرآنية المكتوبة بخط الثلث اجواء روحانية وجمالية خاصة لهذا الصرح الإسلامي الأكبر فى السلطنة.
موقع متميز
تحد الجامع من الجهة الشمالية العذيبة والغبرة الشمالية ذات الكثافة السكانية العالية ومن الجهة الشرقية الخوير والغبرة الجنوبية ومن الجهة الجنوبية بوشر ومنطقة غلا والأنصب، وبذلك يكتسب الموقع أهميته لكونه على مقربة من الطريق الرابط بين السيب وقلب مسقط بحيث يسهل الوصول إليه من ضواحى المدينة الممتدة ومركزها.
كما أن الموقع على اتصال مباشر بالطرق السريعة التى تربط مسقط بمدن ومناطق وولايات السلطنة. ويحتل موقع الجامع مسافة ألف متر على طول شارع السلطان قابوس وبعمق 885 متراً من الشمال الى الجنوب.
وقد تم البناء على مساحة إجمالية بما فيها الشوارع والتشجير قدرها 416 ألف متر مربع، كما أن تشييد الجامع تم على أرضية متسعة ومرتفعة عن سطح الموقع بمقدار 8ر1 متراً للإبقاء على المبدأ العمانى السائد فى رفع عمارة المساجد التقليدية القائمة بأحياء وقرى المدن القديمة عن مستوى العمارة السكنية والعامة وكذلك عن مستوى أرض الولايات. وتغطي مساحة أرضية الجامع نحو 40 ألف متر مربع ويقع المدخل الرئيسى للجامع عبر طريق الممر الجنوبى الخاص بالموقع، حيث تبرز الواجهة الجنوبية للمجمع بتجردها الحجري المعبر دون أن توحي أو تلوح بفضاءات الداخل وتقاسيم الأمكنة وتؤدي ثلاثة معابر من منطقة الوصول إلى أرضية المجمع عبر ثلاثة مداخل يلي كل منها صحنه الخاص والمرتبط بدوره بسلسلة عقود الرواق الجنوبى.