تُعد المساجد من أبرز المعالم الدينية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي، حيث لا تقتصر أهميتها على كونها أماكن للصلاة فحسب، بل تمتد لتكون مراكز للتعلم والتوجيه الاجتماعي والديني.
وتعد المساجد بمثابة قلب المجتمع المسلم، إذ تجمع بين الأفراد في أوقات الصلاة لتوحدهم في عبادة الله وتذكيرهم بالقيم والمبادئ الإسلامية.
وفي الدول العربية والإسلامية، تعتبر المساجد من الأماكن التي يعكس فيها الفرد ارتباطه العميق بالإيمان وحرصه على ممارسة شعائر دينه. بالإضافة إلى دورها الروحي، تلعب المساجد دوراً اجتماعياً وثقافياً مهماً، حيث تشكل بيئة مناسبة للتعليم، كدروس القرآن الكريم والحديث النبوي، فضلاً عن كونها مكانًا للتضامن المجتمعي من خلال تقديم الدعم والمساعدة للفقراء والمحتاجين. كما أن المساجد تعد منابر لتمرير القيم الإنسانية النبيلة، مثل العدالة والمساواة، وتعزيز روح التعاون بين المسلمين. لذلك، تشكل المساجد حجر الزاوية في بناء المجتمعات الإسلامية، وتسهم بشكل مباشر في تعزيز الهوية الدينية والثقافية للأفراد والمجتمعات. وفي هذه المساحة سنسلط الضوء على أهم المساجد في الدول العربية والإسلامية ودورها في بناء المجتمعات الإسلامية.
 
 
يعد جامع عقبة بن نافع أو جامع القيروان الكبير، الذي بناه عقبة بن نافع في مدينة القيروان التي أسسها بعد فتح إفريقيا (تونس حالياً) على يد جيشه، أحد أهم مساجد القارة الإفريقية على الإطلاق.
 يستمد المسجد أهميته من أهمية مدينة القيروان التي كانت عاصمة وحاضرة الإسلام الأولى في بلاد المغرب الإسلامي لقرون، وفيها ازدهرت العلوم وانتشر منها الإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء وفي الأندلس.  هو مسجد بناه عقبة بن نافع في مدينة القيروان التي أسسها بعد فتح إفريقيا (تونس حالياً) على يد جيشه. كان الجامع حين إنشائه على أغلب الظن بسيطاً صغير المساحة تستند أسقفه على الأعمدة مباشرة، دون عقود تصل بين الأعمدة والسقف.
حرص الذين جددوا بناءه فيما بعد على هيئته العامة، وقبلته ومحرابه، وقد تمت زيادة مساحته كثيرا ولقي اهتمام الأمراء والخلفاء والعلماء في شتى مراحل التاريخ الإسلامي، حتى أصبح معلماً تاريخياً بارزاً ومهما. و بناء الجامع في شكله وحجمه وطرازه المعماري الذي نراه اليوم يعود أساسا إلى عهد الدولة الأغلبية في القرن الثالث هجري أي التاسع ميلادي وقد تواصلت الزيادات والتحسينات خصوصا في ظل الحكم الصنهاجي ثم في بداية العهد الحفصي.
ويعتبر المسجد الجامع بالقيروان من أضخم المساجد في الغرب الإسلامي وتبلغ مساحته الإجمالية ما يناهز 9700 متر مربع ومقياسه كالتالي ما يقارب 126 متر طولا و 77 متر عرضا وبيت الصلاة فيه واسع ومساحته كبيرة يستند إلى مآت الأعمدة الرخامية هذا إلى جانب صحن فسيح الأرجاء تحيط به الأروقة ومع ضخامة مساحته فجامع القيروان الكبير أو جامع عقبة بن نافع يعد أيضا تحفة معمارية وأحد أروع المعالم الإسلامية.
ويحتوي جامع القيروان على كنوز قيمة فالمنبر يعتبر تحفة فنية رائعة وهو مصنوع من خشب الساج المنقوش ويعتبر أقدم منبر في العالم الإسلامي ما زال محتفظا به في مكانه الأصلي ويعود إلى القرن الثالث للهجرة أي التاسع ميلادي. كذلك مقصورة المسجد النفيسة التي تعود إلى القرن الخامس هجري أي الحادي عشر ميلادي وهي أيضا أقدم مقصورة ما زالت محتفظة بعناصرها الزخرفية الأصلية.
تاريخ الجامع
أول من جدد بناء الجامع بعد عقبة هو حسان بن النعمان الغساني الذي هدمه كله وأبقى المحراب وأعاد بناءه بعد أن وسعه وقوى بنيانه وكان ذلك في عام 80 هـ. في عام 105 هـ قام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بالطلب من واليه على القيروان بشر بن صفران أن يزيد في بناء المسجد ويوسعه، فقام بشر بشراء أرض شمالي المسجد وضمها إليه، وأضاف لصحن المسجد مكانا للوضوء وبنى مئذنة للمسجد في منتصف جداره الشمالي عند بئر تسمى بئر الجنان. وبعدها بخمسين عاما (155 هـ) قام يزيد بن حاتم والي أبي جعفر المنصور على أفريقية بإصلاح وترميم وزخرفة المسجد. في عام 221 هـ قام ثاني أمراء الأغلبيين زيادة الله بن الأغلب بهدم أجزاء من الجامع لتوسعته كما قام برفع سقفه وبنى قبة مزخرفة بلوحات رخامية على اسطوانة المحراب. أراد زيادة الله أن يهدم المحراب إلا أن فقهاء القيروان عارضوه وقالوا له: «إن من تقدمك توقفوا عن ذلك لما كان واضعه عقبة بن نافع ومن كان معه». قال بعض المعماريين: «أنا أدخله بين حائطين فيبقى دون أن يظهر في الجامع أثر لغيرك»، فأخذ بهذا الرأي وأمر ببناء محراب جديد بالرخام الأبيض المخرم الذي يطل منه الناظر على محراب عقبة الأساسي.
في عام 248 هـ قام أحمد بن محمد الأغلبي بتزيين المنبر وجدار المحراب بلوحات رخامية وقرميد خزفي. وفي عام 261 هـ قام أحمد الأغلبي بتوسعة الجامع وبنى قبة باب البهو وأقام مجنبات تدور حول الصحن. في هذه المرحلة يعتقد أن الجامع قد وصل إلى أقصى درجات جماله. في عام 441 هـ قام المعز بن باديس بترميم المسجد وتجديد بنائه وأقام له مقصورة خشبية لا تزال موجودة إلى يومنا هذا بجانب محراب المسجد. قام الحفصيون بتجديد المسجد مرة أخرى بعد الغزوة الهلالية.
مقاييس الجامع
المسجد اليوم لا يزال يحتفظ بمقاييسه الأولى التي كان عليها أيام إبراهيم بن أحمد الاغلبي، يبلغ طوله 126 متراً وعرضه 77 مترا. وطول بيت الصلاة فيه 70 مترا وعرضه حوالي 38 مترا وصحنه المكشوف طوله 67 وعرضه 56 مترا. ولهذا الصحن مجنبات عرض كل منها نحو ستة أمتار وربع المتر، ويغطي بيت الصلاة نصف مساحة المسجد تقريباً.
المئذنة والقباب
تعتبر مئذنة جامع عقبة من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في أفريقيا. وتعد جميع المآذن التي بنيت بعدها في بلاد المغرب العربي على شاكلتها ولا تختلف عنها إلا قليلا، ومن المآذن التي تشبهها مئذنة جامع صفاقس، ومآذن جوامع تلمسان وأغادير والرباط وجامع القرويين، هذا غير بعض مآذن مساجد الشرق كمئذنة مسجد الجيوشي في مصر.
تتكون المئذنة من ثلاث طبقات كلها مربعة الشكل، والطبقة الثانية أصغر من الأولى، والثالثة أصغر من الثانية، وفوق الطبقات الثلاث قبة مفصصة. يصل ارتفاع المئذنة الكلية إلى 31.5 متراً.
تقع المئذنة في الحائط المواجه لجدار القبلة في أقصى الصحن المكشوف، وضلع طبقتها الأولى المربعة من أسفل يزيد على 10.5 متر مع ارتفاع يضاهي 19 مترا، وتم بناء الأمتار الثلاثة والنصف الأولى منه بقطع حجرية مصقولة، بينما شيد بقية جسم المئذنة بقطع حجرية مستطيلة الشكل كقوالب الأجر.
الطابق الثاني من المئذنة مزين بطاقات ثلاث مغلقة ومعقودة في كل وجه من أوجه المنارة، في حين زين كل وجه من أوجه الطابق الثالث بنافذة حولها طاقتان مغلقتان، ويوجد في أعلى الجدار الأعلى من كل طابق شرفات على هيئة عقود متصلة ومفرغة وسطها.
يدور بداخل المئذنة درج ضيق يرتفع كلما ارتفع المبنى متناسبا مع حجمه حيث يضيق كلما ارتفعنا لأعلى. يعتقد أن هذه المنارة لم تبن دفعة واحدة، حتى إن الجزء الأول الأضخم منها بني في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أيام واليه على القيروان بشر بن صفوان، ثم أكملت عملية البناء بعد مدة طويلة حيث بني الجزءان الثاني والثالث فوق تلك القاعدة الضخمة. في مسجد عقبة ست قباب : قبة المحراب وتعد أقدم قبة بنيت في المغرب الإسلامي، وقبة باب البهو على مدخل البلاط الأوسط من جهة الصحن، وقد تم الاعتناء بها وزخرفتها بشكل كبير، وأعطت توازنا على بيت الصلاة. بعدها، أصبح بناء قبتين في بيوت الصلاة قاعدة ثابتة في مساجد المغرب الإسلامي، وقبتان تعلوان مدخل بيت الصلاة في الشرق والغرب، وقبة تعلو المجنبة الغربية للمسجد، وقبة في أعلى المئذنة. 
زخارف الجامع
من أفضل زخارف الجامع زخارف المحراب والقبة التي فوقه. تكسو المحراب زخارف منقوشة على ألواح رخامية يوجد فيها فراغات تسمح بدخول الضوء وقد زين جدار المحراب بمربعات من الخزف ذو البريق المعدني المذهب. تغطي القبة زخارف نباتية على شكل ساق متوسطة أو فروع متموجة تتدلى منها عناقيد من العنب. أما المنبر فهو محفور على الخشب وفيه زخارف هندسية ونباتية، ومصنوع من خشب الساج المستورد من الهند ويتكون من أكثر من 300 لوحة منقوشه تتميز بلونها الزخرفي الفريد وهذا المنبر من أبدع ما أنتجته المدرسة القيروانية في ظل الحكم الأغلبي ويعود عهده إلى عام 248 هـ.
وتعتبر المقصورة التي توجد على يمين المنبر من أقدم المقصورات في العالم الإسلامي ويعود عهدها إلى القرن الخامس هجري أي الحادي عشر ميلادي وقد أمر بصنعها الأمير المعز بن باديس من سلالة بنو زيري. والمقصورة تحفة فنية من خشب الأرز المحفور والمصقول بشكل بديع وقد زينت بنقيشة كتبت بالخط الكوفي المورق تعد من أروع النماذج الخطية في الفن الإسلامي.