يمثل المرسوم بقانون (رقم 159/2025) بشأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الذي يدخل حيز التنفيذ يوم غد الاثنين نقطة تحول مفصلية في مسيرة التشريع الوطني بما يؤسسه من إطار قانوني تاريخي ونوعي في حرب الدولة الشاملة ضد تجار السموم وإنقاذ ضحاياهم.
ويأتي القانون الجديد بمواده الـ84 ترجمة لسياسة البلاد المتوازنة إذ يلتقي فيه الردع الحازم للشبكات الإجرامية وتجفيف منابعها من خلال فرض أقصى العقوبات مع تعزيز الفرص الإنسانية المستنيرة عبر فتح أبواب العلاج السري والآمن لضحايا الإدمان.
وتضمن القانون دمجا لقانوني مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية لتحقيق حزمة من الفوائد التي تسهم في حماية المجتمع تشمل توحيد المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في هذا المجال إضافة إلى توحيد الأحكام القانونية المتعلقة بالجرائم والعقوبات والإجراءات بما يسهل تطبيقه.
وتظهر المواد الأولى من القانون الجديد تعريفات دقيقة وواضحة للمفاهيم والمصطلحات ومنها التوسع في التجريم والتطبيق القانوني على جميع صور التعامل غير المشروع بما في ذلك الأساليب غير النقدية مثل (المقايضة) مقابل تقديم خدمة أو منفعة أيا كانت أو القيام بعمل أو الامتناع عنه مما يعزز الحزم التشريعي.
وعززت نصوص القانون منظومة الردع عبر مسارين متوازيين يتمثل الأول في التغليظ الشامل للعقوبات المفروضة على جميع أنواع جرائم المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والآخر في الاستهداف النوعي لأخطر الجرائم من خلال عقوبات تصل إلى الإعدام والحبس المؤبد إلى جانب غرامات كبيرة في جرائم الجلب والتهريب والتصنيع والزراعة بهدف استئصال جذور هذه الأنشطة الإجرامية.
كما يوسع القانون أطر الحماية للفئات الضعيفة حيث حدد في مادته الـ44 العقوبات التي تستوجب الإعدام في قضايا الاتجار والترويج ومنها إذا استعان الجاني في تنفيذ جريمته بحدث أو شخص مصاب بمرض عقلي أو من تولى تربيته ورعايته.
ويراعي القانون البعدين الإنساني والحقوقي في نص المادة الـ61 من خلال الضمانات والضوابط التي تحكم تطبيقه ويتمثل ذلك في عدم إقامة الدعوى الجزائية على المدمن الذي يتقدم من تلقاء نفسه إلى مركز علاج الإدمان طلبا للعلاج ولإعادة تأهيله شريطة أن يتم ذلك قبل قيد أي شكوى أو طلب لملاحقته.
وأولى القانون الجديد أهمية قصوى لضمان سرية المعلومات والأمن الشخصي للأفراد المتعاملين معه سواء كانوا مبلغين أو خاضعين للعلاج في خطوة تعزز الثقة وتشجع على طلب المساعدة من دون خوف من الوصم أو التشهير.
وفي هذا الإطار نصت المادة الـ56 على أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أفشى أية بيانات أو معلومات خاصة في بلاغات أو علاج المدمنين أو بالمودعين في مركز التأهيل أو علاج الإدمان أو الفحوصات المبينة في المادة ال66 من المرسوم بقانون وذلك من دون مبرر وبقصد الإساءة.
كما عزز القانون ثقافة الإبلاغ المسؤول لعلاج المدمن حيث أتاحت المادة الـ62 لأحد الزوجين أو لأي من الأقارب حتى الدرجة الثالثة الإبلاغ عن المدمن بغرض علاجه مع ضمان سرية تامة للمبلغ على أن يودع المبلغ عنه في مركز التأهيل بمدد معينة مع إمكانية إطلاق سراحه في حال التعافي قبل استكمال المدة المقررة.
وتضمن القانون في مادته الثالثة تأسيس مراكز التأهيل ومراكز علاج الإدمان وذلك إلى جانب ما نصت عليه المادة الرابعة بشأن إنشاء وزارة الداخلية مراكز إصلاح وتأهيل لتنفيذ عقوبة الحبس في جرائم حيازة المواد والمستحضرات المخدرة أو المؤثرة عقليا بقصد التعاطي يخضع المحكوم عليهم فيها لبرنامج العلاج الطبي والتأهيل والتدريب إضافة إلى برنامج الدمج الأسري والاجتماعي.
وفي موازنة نوعية بين الردع العقابي والعلاج التأهيلي منح القانون في مادتين منفصلتين (63 و64) للنيابة العامة والمحكمة حق الأمر بالإيداع في مركز التأهيل بدلا من إقامة الدعوى الجزائية أو توقيع العقوبة على من يرتكب جريمة تناول أو حيازة أو جلب أو تهريب أو شراء أو إنتاج أو تصنيع المواد أو المستحضرات المخدرة أو المؤثرة عقليا بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي.
كما يدعم إنشاء (المجلس الأعلى لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية) بموجب القانون ربط مكافحة المخدرات باستراتيجية شاملة وبتنفيذ فعال للمعاهدات الدولية ذات الصلة حيث عهد للمجلس رسم الاستراتيجية الوطنية الشاملة ووضع خطط للتوعية والوقاية والعلاج.
ووضع القانون شروطا صارمة لوصف وصرف المواد المخدرة في عدد من نصوص القانون منها المواد (20 - 22- 24) بما يظهر الحزم التشريعي في ضبط التعامل الطبي والمهني لمنع التسريب وقطع الطريق على استغلال الوصفات الطبية.
وكان النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ فهد يوسف سعود الصباح قد أكد في بيان بعد صدور المرسوم بقانون رقم (2025/159) في شأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية أن القانون يعكس دخول الدولة مرحلة جديدة من الحزم التشريعي.
وأشار الشيخ فهد اليوسف إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية وإحباط العديد من محاولات التهريب مؤكدا أن القانون الجديد يعزز قدرة الأجهزة الأمنية على فرض الردع وتضييق الخناق على الشبكات الإجرامية عبر منظومة قانونية ترسخ أقوى إطار عقابي شهدته البلاد.
على صعيد متصل قال الديوان الوطني لحقوق الإنسان إن القانون يعد خطوة تشريعية نوعية تعزز الإطار الوطني لحماية المجتمع وصون الحقوق الأساسية إضافة إلى ما يمثله من استجابة مهمة للمتطلبات الدولية ذات الصلة واستيفاء عناصر الحماية المتكاملة.
وفي جهد تكاملي استبقت جهات الدولة المعنية دخول القانون حيز التنفيذ الفعلي بإطلاق حملات توعوية للتعريف بمواد القانون ورفع مستوى الوعي المجتمعي بخطورة المواد المخدرة والحد من انتشارها.
وفي هذا الإطار أطلقت وزارة الداخلية الحملة الوطنية للتعريف بالقانون تحت شعار (نحمي وطن) على مرحلتين أولاهما امتدت لمدة أسبوعين قبل بدء تطبيقه حيث ركزت على تعريف الجمهور بمواده في حين تتضمن المرحلة الأخرى حملة توعوية مستمرة على مدار العام للتوعية بمخاطر المخدرات والمؤثرات العقلية.
وقد افتتحت وزارة الداخلية أخيرا أول معرض ميداني للحملة الوطنية للتعريف بالقانون في مجمع الأفنيوز بمشاركة جمعية المحامين ووزارة الصحة الذي احتضن أركانا تعريفية وتفاعلية تعرض أبرز مستجدات القانون والعقوبات الرادعة إضافة إلى مواد توعوية مرئية ومطويات إرشادية موجهة لزوار المجمع.
إلى ذلك أطلقت النيابة العامة مطلع ديسمبر الجاري حملة إعلامية توعوية استباقية بأحكام القانون عبر منصاتها الرسمية مشيرة إلى أن هذه المبادرة ليست إجراء إعلاميا فحسب بل جاءت في إطار قيامها بواجب المسؤولية ورسالتها التي لا تحتمل التأويل وهي أن المرحلة الآتية ستكون مرحلة حزم وتنفيذ دقيق لأحكام القانون منذ اللحظة الأولى لولادته.
وكان مجلس الوزراء قد أقر مشروع المرسوم بقانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتنظيم استعمالها والاتجار فيها خلال اجتماعه المنعقد بتاريخ 28 أكتوبر الماضي تجسيدا للإرادة الحازمة في حماية الأمن الإنساني والاجتماعي إضافة إلى تعزيز تموضع الكويت على مسار التوافق مع أفضل الممارسات الدولية في مكافحة المخدرات.