في عالمنا اليوم، تولي المنظمات اهتمامًا كبيرًا بصياغة قيمها الأساسية التي تعبر عن هويتها وتوجهاتها. هذه القيم ليست مجرد شعارات تزين الجدران، بل هي المبادئ التي تسعى المؤسسات لترسيخها في سلوكيات موظفيها وأسلوب عملهم. من بين هذه القيم تأتي التنافسية والتعاون، وهما قيمتان قد تبدوان في الظاهر متكاملتين، لكن في الواقع، قد يحدث صراع بينهما يؤدي إلى نتائج غير متوقعة.

التنافسية: سلاح ذو حدين

تعتبر التنافسية واحدة من القيم التي تحفز الأفراد على تحقيق أفضل أداء لديهم. في بيئات العمل، غالبًا ما يُستخدم التنافس كأداة لتحفيز الموظفين على الابتكار وزيادة الإنتاجية. هذه القيمة يمكن أن تكون فعالة عندما يتم تطبيقها بحذر وبطريقة تضمن أن يبقى التنافس صحيًا وبناءً.

ولكن التنافسية ليست دائمًا وسيلة لتحقيق النجاح. إذا لم يتم توجيهها بشكل صحيح، قد تتحول إلى أداة تفرز نتائج سلبية مثل الأنانية الفردية. التنافس الغير مدروس يمكن أن يدفع الأفراد إلى التركيز فقط على مصالحهم الشخصية، متجاهلين بذلك قيمة التعاون. هذا التركيز على الذات قد يؤدي إلى تفكك الفرق، وتآكل الروح الجماعية التي تعتبر أساسًا لنجاح أي منظمة.

في دراسة نشرتها مجلة harvard business review، وُجد أن 55% من الموظفين في بيئات عمل شديدة التنافسية يعانون من ارتفاع مستويات التوتر والإجهاد، مما يؤثر سلبًا على إنتاجيتهم وعلى جودة العلاقات بينهم وبين زملائهم. هذه النتائج تشير إلى أن التنافسية المفرطة قد تضر بالبيئة العملية أكثر مما تفيدها.

التعاون: القيمة الأساسية التي تتجاوز التنافسية

على الجانب الآخر، يُعتبر التعاون قيمة أساسية تعزز من روح الفريق وتدعم التفاعل الإيجابي بين الأفراد. التعاون يتيح للجميع العمل معًا من أجل تحقيق أهداف مشتركة، ويعزز من الإبداع وتبادل الأفكار. في بيئة تتسم بالتعاون، يشعر الموظفون بأنهم جزء من فريق، وليسوا وحدهم في ساحة معركة تنافسية.

في تقرير أصدرته mckinsey & company عام 2020، تبيّن أن الفرق التي تعتمد على التعاون الفعال بين أعضائها تحقق نتائج أفضل بنسبة 20% مقارنة بتلك التي تركز فقط على التنافسية. هذا الفارق يعكس قوة التعاون كقيمة قادرة على تعزيز الأداء والإنتاجية بطرق قد لا تستطيع التنافسية وحدها تحقيقها.

التوازن بين القيم: ضرورة لصحة بيئة العمل

لا يمكن إلغاء التنافسية من معادلة العمل بشكل كامل، فهي ضرورية في بعض الأحيان لتحفيز الأفراد على الابتكار وتحقيق الأهداف العالية. ولكن يجب أن يكون هناك توازن دقيق بين التنافسية والتعاون لضمان أن تظل بيئة العمل صحية ومستدامة.

إدارة هذا التوازن تتطلب من القادة أن يكونوا واعين للتأثيرات السلبية المحتملة للتنافسية المفرطة. يجب أن يعملوا على تعزيز قيم التعاون بشكل دائم، من خلال تشجيع العمل الجماعي وتقدير الجهود المشتركة. قد يتضمن ذلك إعادة تصميم سياسات التحفيز والمكافآت لتشمل تقدير الجهود الجماعية إلى جانب الإنجازات الفردية.

خلاصة

في نهاية المطاف، يجب أن تُبنى ثقافة المؤسسات على قيم تضمن النمو المستدام والنجاح الجماعي. بينما يمكن أن تلعب التنافسية دورًا مهمًا في تحفيز الأفراد، فإن التعاون يظل القيمة الأساسية التي تضمن بقاء هذه المؤسسات قوية ومتماسكة. في عالم يتزايد فيه التحدي والتعقيد، فإن القدرة على العمل معًا، بدلًا من ضد بعضنا البعض، هي التي ستحدد النجاح الحقيقي.

لذا، يتعين على المؤسسات أن تدرك أن إثارة التنافس بين الموظفين يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدين. إذا لم يتم إدارة هذا التنافس بشكل صحيح، فإنه قد يقود إلى الأنانية الفردية على حساب التعاون. من هنا، ينبغي أن تكون قيم التعاون هي الأساس الذي يُبنى عليه التنافس، لضمان أن يكون التنافس بناءً وليس هدامًا، وأن يساهم في تعزيز العمل الجماعي بدلًا من إضعافه.
ص5