مرحبًا بكم في زمن اختلال الموازين، حين تُقلب الحقائق كما تُقلب الطاولات في مؤتمرات المصالح، ويُعاد تعريف البطولة وفق منطق السوق لا منطق المبادئ، فتُسمى العمالة حكمة، وتُصنّف المقاومة تهورًا، وتُمنح الخيانة غطاءً دبلوماسيًا، وتُسوّق الخِسّة على أنها حنكة وذكاء.
لقد دخلنا عصرًا يُعاد فيه تشكيل الضمير البشري على مقاس الأقوياء، تُمحى فيه القيم من ذاكرة الشعوب، ويُعاد إنتاج الباطل كأنه حق، فيُصبح القاتل شريكًا في السلام، ويُساق المظلوم إلى منصة الاتهام، فقط لأنه اختار أن يقاوم بدل أن يُركع.
في هذا العالم المعكوس، تُصبح دماء الأبرياء "تفاصيل سياسية"، تُعلّق كالهامش في نهاية التقارير، بينما تُرفع ملفات الاستيطان والتوسع والتهويد على أنها "قضايا سيادية".
ويُصبح الخضوع "واقعية"، والاحتلال "شرعية"، والتطبيع "تطورًا حضاريًا" لا مفر منه.
غزة ليست مجرد مدينة تحت الحصار، بل أيقونة تختصر قبح الزمن وجمال المقاومة معًا،
ليست فقط هدفًا للطائرات، بل هدفًا لكل قلب لا يزال ينبض بالعروبة.
فهي تنزف منذ عقود...لكن نزيفها اليوم لا يأتي من الصواريخ وحدها، بل من الصمت العربي، والنفاق الدولي، ومن الضمائر التي نامت على حرير المصالح.
غزة اليوم ليست وحدها، لكنها تنزف وحدها، تقاتل وحدها، وتُحاصر وحدها، بينما تنزف معها ما تبقى من شرف هذه الأمة، وتنزف معها إنسانية تاهت بين أوراق التفاوض وتواقيع العار، وحقوق تُغتال كل يوم على موائد البيروقراطية الدولية.
فلسطين تُسرق أمام أعيننا، لا بالسلاح وحده، بل بالخذلان، بالمصافحات الباردة، ببيانات "القلق العميق"، وبقلوب تخلّت عن نبضها طوعًا.
لكن ورغم كل هذا الظلام، تصر غزة على أن تُبقي لنا نورًا، على أن تُثبت أن الصمود ليس شعارًا، بل أسلوب حياة، وأن الشهداء لا يُنسون، بل يُخلدون، وأن الأمة، وإن نامت، لا تموت.
فيا من بقي لديكم قلب... اصطفوا مع الحق قبل أن يُمحى، وقولوا كلمةً لله، للتاريخ، للعدل، قبل أن يُصبح الصمت دينًا، والتخاذل مذهبًا، والخيانة وجهة نظر.