في صباح يوم مشحون بالتحديات داخل مؤسسة رائدة في العمل الخيري، أجريت مكالمة طويلة واستثنائية، كان العميل، الذي يمتلك أهمية كبيرة للمؤسسة، يتحدث بحدة غير مألوفة، ليطلب تقريرًا خاصًا بمشروع يتابعه، لم يكن في صوته إلا الغضب والقلق. استمرت المكالمة لساعة وعشرين دقيقة، كانت فيها الكلمات تشتد والنبرات تعلو، في مشهد بدا أنه اختبار حقيقي لقدرة المؤسسة على احتواء الأزمات وتعزيز سمعتها.
الصبر في مواجهة الغضب
الموظف، الذي كان يتلقى المكالمة، أدرك أن مهمته لا تقتصر على تقديم الحقائق الفنية، بل تتجاوز ذلك إلى احتواء المشاعر المشتعلة على الجانب الآخر من الهاتف، وكان الموظف متسلحًا بصبر وثقة بنفسه يعكسان روح المؤسسة في مواجهة التحديات.
لم يكن سهلاً على الموظف الحفاظ على هدوئه أمام أسلوب العميل الحاد، لكنّه كان يدرك أن الصراخ ليس إلا قناعًا يخفي خلفه مخاوف دفينة، وبينما كان العميل يواصل حديثه متنقلاً من استفسار لآخر، كان الموظف يجيب بتأنٍ، محاولاً نقل الثقة والمصداقية من خلال كلماته الهادئة، وعقب انتهاء المكالمة، طلب المدير لقاء الموظف لمراجعة ما جرى، فقد كان يعي أن الأمر لا يتعلق فقط بالبيانات والتقارير، بل ربما هناك خلفيات غير معلنة، فتواصل المدير مع العميل مباشرة لتفهم أبعاد الموقف، وخلال حديث صريح وهادئ، تكشفت خلفيات المشهد.
اتضح أن العميل كان في مجلس مساء الليلة السابقة، ودار نقاش حاد حول المؤسسات الخيرية، وانتشار شائعات وأقاويل سلبية عنها، مما أثار في نفسه الشكوك، تلك الجلسة لم تتركه في حاله، بل تسللت إلى عقله حتى أثناء نومه، ما جعله يستيقظ بقلق عارم واندفاع شديد، ليجد نفسه ممسكًا بالهاتف، متوجهاً بالأسئلة إلى الموظف في محاولة للحصول على إجابات مطمئنة.
الضغط النفسي ومخاوف السمعة
كانت المكالمة طويلة، بدأها العميل من فراشه، متنقلاً بين غرف المنزل وحتى دورة المياه، واستمرت معه في سيارته حتى وصل مكتبه، حملت هذه المكالمة الكثير من التوتر والانفعالات، بين غضب مكبوت وخوف عميق على سمعة المشروع الذي يُتابعه، هنا، أدرك المدير أهمية الفهم الشمولي لأزمات العملاء، مستحضرًا قول بيتر دراكر: “النجاح في العمل هو أن تفهم الناس أكثر مما تطلب منهم”.
التفاعل الإنساني والاحتواء المهني
عقد المدير اجتماعًا طارئًا مع الفريق، شارحًا خلفيات الموقف ومُثنيًا على الموظف لاحتوائه غضب العميل، وأكد لهم أن التعامل مع الأزمات ليس فقط اختبارًا للمهارات الفنية، بل هو انعكاس لثقافة المؤسسة وقيمها، استدعى المدير كلمات كونفوشيوس: “من يدير الناس بحكمة، يقودهم بسلام”، كانت تلك الفلسفة حاضرة في استراتيجيات المؤسسة، حيث لا يُنظر إلى الأزمات باعتبارها عوائق، بل بوصفها فرصًا لتعزيز السمعة وبناء الثقة، وختم المدير الاجتماع برسالة مهمة، قائلاً: “نحن هنا لا ندير الأعمال فقط، بل ندير القلوب أيضًا، ومن يحمل همّ الآخرين ويصبر على أعباء العمل الخيري، يُكتب اسمه في سجل الريادة”. ودعا الجميع إلى أن يكونوا أكثر تفهماً واحتواءً، مؤكدًا أن الحفاظ على سمعة المؤسسة يحتاج إلى جهد مشترك بين القيادة والفريق، وقد قام المدير بصرف مكافأة للموظف معربًا عن شكره وامتنانه.
ترسيخ الثقة وتعزيز السمعة
وختامًا... أثبتت هذه التجربة أن الصعوبات لا تُكسر المؤسسات الرائدة، بل تصقلها، فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد المشروعات أو حجم الإنجازات والإيرادات، بل بقدرتها على الاستماع، الاحتواء، وبناء الثقة في نفوس العملاء، هنا، تصنع المؤسسة سمعتها وتثبت مكانتها في قلوب العاملين وأذهان المجتمع، لتظل نموذجًا يُحتذى به في عالم يتطلب مهارة الاحتواء والتفاعل المهني المدعوم بالإنسانية، وصدق الرافعي حين قال: "الثقة بالنفس هي روح البطولة؛ فالعظمة ليست في الأشخاص بل في النفوس، وكم من عظيم خَصَّهُ التاريخ بما تجلت فيه قوة اليقين ورسوخ السمعة.” بهذا، تظل المؤسسة رائدة في تعزيز القيم وتحويلها إلى سلوكيات ملموسة، محافظةً على إرثها في العمل الخيري، وماضية نحو مستقبل تترسخ فيه الثقة والسمعة المؤسسية.