في بقعة هادئة من الريف، حيث تنساب الرياح كأنها تحمل أسرار الأرض، وأشجار النخيل تعانق السماء بحنو، كان هناك رجلان يعملان جنبًا إلى جنب في الحقول. “خالد”، المعروف بحماسته وقراراته المتسرعة، و”فهد”، الذي اتسم بحكمته ونظرته العميقة القائمة على المبادئ والقيم في الزراعة.
 
في يوم طويل منهك، كانا يجلسان على حافة الحقل، بعد ساعات من العمل تحت شمس الظهيرة، وقد خيّم عليهما الصمت لبعض الوقت، لكن خالد، كعادته، لم يستطع كتم ما يدور في خلده، خالد: “يا فهد، لماذا تصر دائمًا على تعقيد الأمور؟ نحن بحاجة إلى قرارات سريعة، الزراعة لا تحتاج إلى كل هذه الحسابات التي تشغل بها نفسك؛ كلما أسرعنا في زراعة المزيد، كان ذلك أفضل لنا.”
 
ابتسم فهد، تلك الابتسامة التي تحمل مزيجًا من الصبر والثقة، ثم أجاب بهدوء: “خالد، الزراعة ليست مجرد عمل عابر نقوم به لنحقق نتائج مؤقتة، بل هي علاقة مستدامة مع الأرض، نحن لا نتعامل مع آلة، بل مع كائن حي يحتاج إلى التقدير والتخطيط، التسرع قد يحقق نتائج على المدى القريب، لكنه يرهق الأرض، ويتركها في حالة من الإنهاك.”
 
خالد: “لكننا نحتاج إلى الإنجاز السريع، الوقت الذي تهدره في التخطيط يمكننا استغلاله في الزراعة، وإنتاج أكثر مما نحن عليه الآن، الأرض ستستجيب لنا، سواء خططنا أم لا.”
 
فهد: “لا يا خالد. الأرض ليست مجرد وسيلة؛ إنها شريك. إذا استغللناها دون وعي، سنفقد خصوبتها، وستتحول من مصدر للعطاء إلى عبء. العمل القائم على القيم يمنح الأرض ما تحتاجه لتستمر في العطاء، الأمر أشبه بالقيادة في أي مؤسسة؛ النظام والرؤية هما ما يضمنان النجاح، وليس القرارات العشوائية.”
 
توقف خالد قليلاً، ونظر إلى الحقل الممتد أمامه، ثم قال بتحدٍ: “ولكن السرعة تعني أن ننجز الكثير في وقت أقل، ألا يعني هذا أننا نحقق النجاح بشكل أسرع؟”
 
فهد: “نجاحك السريع مثل العاصفة: قد يبدو قويًا، لكنه مؤقت، ويترك وراءه دمارًا لا يُصلح بسهولة، النجاح الحقيقي هو ذلك الذي نبنيه على أسس ثابتة، مثل هذا الحقل الذي نزرعه عامًا بعد عام، إن أعطيناه الحب والتخطيط، سيرد لنا العطاء بوفرة واستدامة.”
 
اقترب خالد من شجرة قريبة، وقطف منها ثمرة، ثم قال: “أفهم ما تقول، لكن أحيانًا تبدو الأمور أبسط مما تجعلها أنت، ألا تعتقد أن هناك طرقًا مختصرة قد تكون كافية؟”
 
فهد: “لا يوجد طريق مختصر دون ثمن، القيم والنظام هما أساس أي نجاح، سواء كنا نعمل في الزراعة أو في أي مجال آخر، تأمل هذه الشجرة، لم تنمُ بين ليلة وضحاها، بل احتاجت إلى سنوات من الرعاية، تمامًا مثلما تحتاج مشاريعنا إلى رؤية بعيدة المدى.”
 
خالد: “ولكن ألا ترى أننا نضيع وقتًا ثمينًا؟ ماذا لو قمنا بتقليل الإجراءات والتخطيط؟”
 
فهد: “تقليل الإجراءات دون فهم عميق للنتائج يشبه السير في طريق مظلم دون مصباح، العمل المؤسسي يتطلب التوازن بين السرعة والإتقان، أن تحقق الربح اليوم لا يعني أنك تضمن النجاح غدًا، الأرض التي تستغلها بلا تفكير ستنهار، تمامًا كما ينهار أي مشروع يفتقد للرؤية والقيم.”
 
جلس خالد بجواره مرة أخرى، وقد بدت عليه ملامح التأمل، وكأنه يعيد تقييم أفكاره، ثم قال: “ربما كنت مخطئًا، كنت أظن أن السرعة هي كل شيء، لكن الآن أرى أن هناك أشياءً أكبر من ذلك، ربما حان الوقت لأن أتعلم كيف أعمل بعقلانية أكبر.”
 
فهد: “التغيير يبدأ من اللحظة التي ندرك فيها قيمة ما نفعله، أن ترى ما وراء النتائج السريعة، وتفكر في الأثر الطويل الأمد، الزراعة ليست فقط ما نزرعه اليوم، بل ما نتركه للأجيال القادمة، وكذلك كل عمل، إذا بنيته على القيم الصحيحة، ستجني ثماره في الوقت المناسب.”
 
نظر الرجلان إلى الأفق، حيث بدأت الشمس تودع النهار بألوانها الدافئة، وكأنها تعكس جمال الحكمة التي تجلت في حديثهما، في تلك اللحظة، أدرك خالد أن السرعة ليست دائمًا الحل، وأن التوازن بين العاطفة والنظام هو مفتاح النجاح الحقيقي، كما قال سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح : “العمل المؤسسي الناجح هو الذي يبنى على قواعد ثابتة من التخطيط والرؤية، ويستثمر في الإنسان ليكون جزءًا من المستقبل لا مجرد شاهد عليه.”