في تطور مفاجئ من نوعه، أعلنت حركة حماس من القاهرة عن موافقتها على تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" من شخصيات وطنية مستقلة لإدارة قطاع غزة حتى إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية.
مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية قال في ورقة تقدير موقف له إن هذا الإعلان يُعتبر خطوة غير مسبوقة من قبل حركة حماس التي طالما سعت إلى المحافظة على حكمها في قطاع غزة منذ سيطرتها عليه في عام 2007، ويطرح العديد من التساؤلات حول دلالات هذا الموقف على مستوى السياسة الداخلية الفلسطينية، بالإضافة إلى انعكاساته المحتملة على المفاوضات الجارية لتحرير الرهائن.
وتتطرق الورقة إلى حجم التطورات في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، حيث يتزامن إعلان حماس مع بدء مفاوضات جديدة يوم الثلاثاء المقبل، والتي تهدف إلى تحقيق تقدم في ملف تحرير الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم فصائل فلسطينية. تأتي هذه المفاوضات في وقت حساس، حيث تحاول الأطراف المعنية الوصول إلى حلول بشأن ملف الحصار المستمر على قطاع غزة، بالإضافة إلى بحث قضايا الأمن والتسويات السياسية في المنطقة. يبدو أن حماس قد تكون في موقع تسوية تاريخية أو محاولة للضغط من خلال تقديم تنازلات في هذا التوقيت، وهي خطوة قد تفسر في سياق هذا التحول السياسي.
وتقول الورقة عن التحليل الأولي للموافقة على تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" : يعتبر إعلان حماس بموافقتها على تشكيل هذه اللجنة بمثابة تحول جوهري في استراتيجيتها. فمنذ أن فازت حماس بالانتخابات التشريعية في عام 2006 وتوليها حكم قطاع غزة في 2007، كانت الحركة ترفض أي خطوة قد تفضي إلى تقاسم السلطة أو التنازل عن الحكم بشكل طوعي. وهذا الإعلان، في حال تنفيذه، يعني أنها تقبل نوعاً من التحول في قيادتها عبر السماح لشخصيات مستقلة بإدارة شؤون غزة في الفترة الانتقالية، وهو ما يعد بادرة مهمة من الحركة نحو تسوية سياسية محتملة.
وعن التوقيت وتأثيره على المفاوضات السياسية تقول الورقة إن التوقيت الذي جاء فيه هذا الإعلان له دلالات مهمة. إذا كانت حماس بالفعل تتجه نحو تسوية سياسية، فإن هذا التنازل عن الحكم قد يكون محاولة للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي لتحقيق مطالب الحركة في المفاوضات المرتقبة. في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الحركة داخليًا وخارجيًا، فإنها قد تكون في حاجة إلى دعم سياسي من أجل تقوية موقفها على طاولة المفاوضات. قد يكون هذا التنازل جزءًا من عملية تفاوضية تهدف إلى تعزيز فرص تحقيق تسوية تشمل تحرير الرهائن الإسرائيليين مقابل ضمانات لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وعن دلالات الإعلان على الوضع الداخلي الفلسطيني تقول الورقة أن هذه الخطوة تعتبر أيضًا محورية في إطار التوجه الفلسطيني الداخلي. فقد كانت هناك مطالبات عديدة على مدار السنوات الماضية بإجراء انتخابات عامة لتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن مع تزايد الصعوبات الاقتصادية والسياسية، كانت حركة حماس ترفض هذه المطالبات، مُتمسكة بسيطرتها على غزة. ولكن في هذا السياق الجديد، يظهر أن حماس قد تكون راغبة في تحسين صورتها داخليًا ودوليًا، خاصة في ظل الضغوط التي تواجهها من المجتمع الدولي للانخراط في عملية سياسية تؤدي إلى حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتتساءل الورقة..هل تعني هذه الخطوة تنازل حماس عن حكم قطاع غزة؟
وتقول ان الحديث عن تنازل حماس عن حكم قطاع غزة من خلال تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" قد لا يعني بالضرورة انسحاباً كاملاً من السلطة، ولكنه قد يشير إلى بداية مرحلة من إعادة الهيكلة السياسية في غزة. الحركة قد تتبنى استراتيجية تقسيم السلطة بشكل غير مباشر، حيث تظل القوة العسكرية والسياسية لحماس قائمة، ولكن مع وجود نوع من الشراكة مع شخصيات وطنية أخرى قد توفر فرصة للمجتمع الدولي للتعامل معها بشكل أكثر مرونة. هذا التحول قد يساعد في تحقيق بعض المكاسب السياسية على المدى الطويل، خاصة إذا تم الربط بين هذه الخطوة بفتح الباب أمام انتخابات حرة وشاملة تتيح للناخب الفلسطيني التعبير عن إرادته.
وفي الخاتمة تقول الورقة إن إعلان حركة حماس عن موافقتها على تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" وفتح الباب لتولي شخصيات مستقلة إدارة قطاع غزة حتى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، هو تطور مهم يثير الكثير من التساؤلات. على الرغم من أن هذه الخطوة قد تُعتبر تنازلاً جزئيًا من حركة حماس، فإنها أيضًا قد تكون جزءًا من عملية أوسع لتسوية سياسية بين حماس وإسرائيل، تتيح فرصًا لتحسين الوضع السياسي في غزة. سيكون من المهم متابعة هذه المفاوضات عن كثب لمعرفة كيف ستتطور هذه الأحداث، وهل سيكون لهذه الخطوة تأثيرات مباشرة على المفاوضات الجارية بشأن تحرير الرهائن والمستقبل السياسي للقطاع.