تُعد المساجد من أبرز المعالم الدينية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي، حيث لا تقتصر أهميتها على كونها أماكن للصلاة فحسب، بل تمتد لتكون مراكز للتعلم والتوجيه الاجتماعي والديني.
وتعد المساجد بمثابة قلب المجتمع المسلم، إذ تجمع بين الأفراد في أوقات الصلاة لتوحدهم في عبادة الله وتذكيرهم بالقيم والمبادئ الإسلامية.
وفي الدول العربية والإسلامية، تعتبر المساجد من الأماكن التي يعكس فيها الفرد ارتباطه العميق بالإيمان وحرصه على ممارسة شعائر دينه. بالإضافة إلى دورها الروحي، تلعب المساجد دوراً اجتماعياً وثقافياً مهماً، حيث تشكل بيئة مناسبة للتعليم، كدروس القرآن الكريم والحديث النبوي، فضلاً عن كونها مكانًا للتضامن المجتمعي من خلال تقديم الدعم والمساعدة للفقراء والمحتاجين. كما أن المساجد تعد منابر لتمرير القيم الإنسانية النبيلة، مثل العدالة والمساواة، وتعزيز روح التعاون بين المسلمين. لذلك، تشكل المساجد حجر الزاوية في بناء المجتمعات الإسلامية، وتسهم بشكل مباشر في تعزيز الهوية الدينية والثقافية للأفراد والمجتمعات. وفي هذه المساحة سنسلط الضوء على أهم المساجد في الدول العربية والإسلامية ودورها في بناء المجتمعات الإسلامية.
يعد المسجد الأموي في دمشق، نقطة تحول في تاريخها، حيث تحولت المدينة إلى واحدة من أهمّ مدن العالم الإسلامى التي ترعى العلم والفن والفكر والحضارة، وأصبح مركزاً لانطلاق العلوم والثقافة والأدب نحو العالم أجمع.
يقع الجامع الأموي الكبير بدمشق في وسط مدينة دمشق القديمة، في المنطقة المدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو ويحده من الجنوب حي البزورية ومن الغرب سوق الحميدية ومن الشرق مقهى النوفرة ومن الزاوية الشمالية الغربية المدرسة العزيزية وريح السلطان صلاح الدين الأيوبي.
أقسام الجامع
أمر ببناء الجامع الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام 705م وهو سادس خلفاء بني أمية أمر ببناء الجامع الأموي الكبير بدمشق وقسم الجامع الأموي إلى بيت الصلاة و فناء مفتوح واستبقى الوليد الجزء السفلي من جدار القبلة وأعاد الجدران الخارجية والأبواب، وجعل حرم المسجد مسقوفاً مع القبة والقناطر وصفوف الأعمدة و أنشأ أروقة تحيط بصحن الجامع وأقام في أركان الجامع الأربعة صومعة ضخمة كانت أصل المآذن المربعة والتي انتقل نمط بنائها من الجامع الأموي بدمشق إلى شمالي إفريقيا والأندلس وتمثل مآذن القيروان والكتبية وإشبيلية خير مثال على الـتأثر بهذا النمط المعماري.
واستفاد البناؤون من كميات حجارة الكنيسة والمعبد المتراكمة، ومن الأعمدة الرخامية والتيجان في عملية بناء الجامع واكتمل البناء في عام 715م وفي نفس العام أضاف الخليفة سليمان بن عبد الملك المقصورة أمام المحراب.
مخطط الجامع
ومخطط الجامع الأموي بـدمشق مستطيل الشكل ويبلغ طول الجامع 157 مترا وعرضه 97 مترا وتقدر مساحته بـ15.229 متراً مربعاً، ويحتل صحن الجامع مساحة 6000 متراً مربعاً من جهة شمال الحرم تحيط به أروقة مرفوعة على أعمدة يعلوها تيجان كورنثية مزدوجة وللجامع الأموي ثلاثة مآذن المئذنة الشمالية أو مئذنة العروس وهي أقدم مآذن الجامع الأموي الثلاث فأساساتها وقاعدتها أموية أصيلة ويعتبر البرج الرئيسي أقدم جزء من المئذنة وهو مربع الشكل، له أربعة معارض، ويتألف من شكلين مختلفين من البناء، حيث تتكون القاعدة من كتل كبيرة، في حين تم بناء الجزء العلوي من الحجر.
وتقع في منتصف الجدار الشمالي للجامع فوق باب العمارة وتسمى أيضا بمئذنة الكلاسة والمئذنة البيضاء ويعود تاريخ بنائها إلى عهد الوليد بن عبد الملك ويقال أن الوليد كساها بالذهب من أعلاها إلى أسفلها، ولم يبق من أصلها الأموي إلاّ بعض مداميك في قاعدة جذعها جُدد وسطها ورأسها في عهود لاحقة علما أن الجزء السفلي من المئذنة يعود إلى الحقبة العباسية في القرن التاسع، أصابتها أضرار كبيرة إثر حريق مدرسة الكلاسة فأعيد تجديدها في عهد صلاح الدين الأيوبي، تشرف هذه المئذنة على الرواق الشمالي لـصحن الجامع ويتصل بها مئذنة صغيرة ثانية من خلال ممر مسقوف ينتهي بشرفة خشبية مضلعة يعلوها قبة صنوبرية بتفاحات وهلال دائري تعود إلى العصر المملوكي. والمئذنة الشرقية أو مئذنة عيسى وتقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للجامع الأموي وهي أطول المآذن الثلاث ويبلغ ارتفاعها 77م تعرضت للحريق عام 1247 فأعيد إعمارها في عهد الملك الصالح الأيوبي، وفي عهد المماليك انهارت مع حريق سوق الدهشة المجاور عام 1392م فأعيد ترميمها وبعد زلزال عام 1759م المدمر أعادت السلطات العثمانية ترميمها وتنقسم المئذنة إلى كتلتين متنافرتين لا رابط بينهما، والمئذنة الغربية أو مئذنة قايتباي تقع في الزاوية الجنوبية الغربية للجامع وقد شيدت ربما في عهد الوليد بن عبد الملك على البرج الجنوبي الغربي للمعبد العتيق، وعلى الأغلب فقد كانت برجاً مربع الشكل وفق طراز المئذنة السورية وبعد دخول تيمورلنك دمشق عام 1401 م وإحراقها أصاب الحريق الجامع الأموي وأدى إلى انهيار المئذنة وتمت عملية ترميم لها لاحقا وبقيت على حالها حتى عهد السلطان قايتباي الذي أمر بإعادة بنائها وفق الطراز المملوكي السائد آنذاك، وهي مئذنة مثمنة الشكل وأول مئذنة شيدت في دمشق وفقا للطراز المعماري المصري، أصابتها أضرار بعد زلزال عام 1759 م وأعيد ترميمها على نفس الطراز التي كانت عليه.
حرم الجامع
يتألف حرم الجامع من قناطر متشابهة عددها 24 قنطرة تمتد موازية للجدار القبلي يقطعها في الوسط جناح متوسط يمتد من باب الجبهة الرئيسي وحتى المحراب ويغطي الجناح المتوسط سقف سنمي تنهض في وسطه قبة النسر وفي حرم الجامع الأموي يوجد أربعة محاريب على خط جدار الحرم أهمها وأقدمها محراب الصحابة الكبير أو محراب المالكية الواقع في النصف الشرقي وسط الجدار القبلي ومحراب الخطيب ومحراب الحنفية ومحراب الحنابلة وفي أعلى جدار القبلة تنفتح على امتداده 14 نافذة ذات زجاج ملون مع ستة نوافذ في الوسط ويوجد جانب المحراب الكبير منبر حجري وقبة النسر أكبر قبة في الجامع الأموي وترتفع عن أرض صحن الجامع 45 مترا ويبلغ قطرها 16 مترا بنيت في عهد الوليد بن عبد الملك وجددت ورممت القبة عام 1075 م في عهد نظام الملك وزير ملك شاه السلجوقي وعام 1179على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي قام بتجديد ركنين منها.
وفي عام 1201 تشققت القبة إثر الزلزال المدمر الذي ضرب دمشق وانهارت القبة إثر حريق عام 1479م الذي أتى على الحرم وأعيد بناؤها بعد الحريق الكبير عام 1893م واستبدلت القبة الخشبية الأموية الأصيلة بالقبة الحالية المبنية من الحجر وترتكز القبة على طبقة تحتية مثمنة مع اثنين من النوافذ المقوسة على جانبيها ودعمت بأعمدة الممرات الداخلية المركزية.
أبواب الجامع
للجامع الأموي أربعة أبواب ثلاثة منها تنفتح على صحن الجامع وهي الشرقي، والغربي، والشمالي وينفتح الباب الرابع وهو الباب القبلي على حرم الجامع وباب اللبادين، وباب القيمرية، وباب النوفرة من بوابة ضخمة في الوسط وبابان صغيران على جانبيها ودرج قديم مؤدي لهذه البوابة الضخمة مازال قائماً ويوجد بقايا أعمدة ضخمة وقوس هي من بقايا السور العتيق وكانت البوابة قديما مشغولة من خشب الصنوبر القاسي المكسو بالنحاس المنقوش والمطعم بمسامير بارزة حتى حدوث حريق عام 1250م والذي أتى على حي النوفرة وشوه بوابة جيرون ثم أُتلف الباب مع الجامع بعد حملة تيمورلنك على دمشق وسد البابان الصغيران حتى العهد المملوكي وتم تجديدهم بطرز مملوكية وهم اليوم مصفحان بالنحاس والمسامير ونجد على الباب اليميني شعار الملك المؤيد ونص كتابي مضمونه (عز لمولانا السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ)، والشعار والكتابة هي من النحاس المطرق والباب مؤلف من ست مربعات في زوايا كل مربع زهرة لها ثمانية بتلات، يتموضع الشعار في المربعين الوسطيين و الباب الصغير الثاني مشابه للباب اليساري، وفي وسطه شعار لشيخ الخاصكي، والخاصكي هو الحرس الخاص لسلطان المماليك. أما الباب الكبير فهو حديث نسبياً خال من أية زخارف أو نقوش، وهو من الخشب يعلوه عقد محدب من الحجر الأبيض خال من أية نقوش، تعلوه قمرية مزينة بالزجاج المعشق.
وهناك باب العمارة أو باب الكلاسة الواقع على الحائط الشمالي للجامع تحت مئذنة العروس من ناحية العمارة.
بناء الجامع
بني الجامع الأموي في موقع معبد جوبيتر الروماني الذي كان قد تم تحويله إلى كنيسة القديس يوحنا المعمدان عام 379، وبعد الفتح الإسلامي لدمشق، تم تقاسم المكان المقدس بين المسيحيين والمسلمين، ومع وصول الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك إلى الحكم، تم هدم الكنيسة وبناء جامع واسع مكانها. تتألف جدران الجامع الخارجية من جدران المعبد الروماني، وهو سور مستطيل الشكل ذو دعامات جدارية، أبعاده 158×100م. للجامع ثلاث مآذن، تعرف المئذنة الجنوبية الشرقية منها باسم مئذنة عيسى، والمئذنة الواقعة في مركز الجدار الشمالي باسم مئذنة العروس. وقد تمت إعادة بناء المئذنة الجنوبية الغربية من قبل السلطان قايتباي بعد حريق عام 884/ 1479.
يحيط بالفسحة السماوية المستطيلة التي تبلغ أبعادها 122.5× 50م رواق من الجهات الثلاث، وعلى الجهة الجنوبية يمتد المصلى ذو الأجنحة الثلاثة، والذي تبلغ أبعاده 136× 37م، وهو شكل يذكر بالكنائس البيزنطية. تم تقسيم المصلى بصفين من الأقواس المحمولة على أعمدة كلاسيكية معاد استعمالها ذات تيجان كورنثية. ويقطع رواق معترض فخم ذو قبة صفي الأقواس إلى نصفين متساويين، وتتميز واجهته المطلة على الفسحة السماوية بمدخل صرحي ذي سقف مسنم في المركز، يذكر من جديد بالقصور البيزنطية، وقد كانت الفسيفساء الزجاجية والمذهبة تغطي جميع واجهات الفسحة السماوية في يوم من الأيام، ولم يتبق سوى “فسيفساء بردى”، وقد سميت كذلك نسبة إلى نهر بردى في دمشق، وتمثل مشهداً فيه الأنهار والأشجار والمنشآت المعمارية. كانت جدران الأروقة مغطاة حتى ارتفاع 3.5م بزخارف الرخام الملون، ولم يتبق اليوم سوى بضعة بلاطات من الرخام في زوايا الرواق الجنوبي الشرقي. وقد توج الزخارف الرخامية في يوم من الأيام كورنيش على شكل غصون متعرشة من الأقثية الحاملة للعناقيد مما يذكر بقبة الصخرة في القدس. تعتبر الفسيفساء الرائعة والحجر المنقوش والزخارف الرخامية من العناصر الكلاسيكية، مما يدل على استمرارية التقاليد الإغريقية الرومانية ومميزات العمارة البيزنطية، وقد تم مزج هذه المميزات كلها مع الميل الإسلامي لعدم تمثيل الأشخاص في الأماكن الدينية، وكان هذا الانتخاب الواعي السمة المميزة للعمارة الأموية الجديدة.
كانت السرعة التي تم بها إنجاز الجامع الأموي الصرحي، والزخارف الرائعة والمواد الغالية التي تم استعمالها، تحدياً كبيراً أمام الكنائس المسيحية، ووضع ملهم رمزي للمسلمين، وكما الجامع في قرطبة، وهو تحفة معمارية مبكرة من العمارة الإسلامية الدينية، أصبح الجامع الأموي نموذجاً للجوامع المعروفة باسم “الجوامع ذات الأعمدة” المؤلفة من صحن بسيط وواسع محاط برواق على ثلاثة جوانب، وحرم للصلاة، كما أثر التقسيم إلى ثلاثة أجنحة ورواق معترض على عمارة المساجد في سورية ومصر وتونس وإسبانيا.