مع استئناف الحرب على قطاع غزة وسقوط أكثر من ألف قتيل وجريح فلسطيني في غضون 48 ساعة فقط، تباينت التأويلات التي دفعت إسرائيل لإنهاء هدنة استمرت نحو شهرين. فللوهلة الأولى، رأى فريق أن تل أبيب لجأت إلى التصعيد العسكري كورقة ضغط لحمل حركة «حماس» على التجاوب مع مطالبها وإطلاق سراح من تبقى لديها من الرهائن، لكن فريقاً آخر اعتبر أن ثمة أسباباً أخرى تقف وراء تلك الخطوة.
واستدل الفريق الأخير على ذلك بتوعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس سكان القطاع بـ«التدمير الكامل»، وأن «الأمر سيكون أكثر صعوبة وسوف تدفعون الثمن كاملاً... أعيدوا المختطفين واطردوا (حماس)، البديل هو الدمار والخراب الكامل».
ولم تقتصر تهديدات كاتس على التصعيد العسكري بقوله إن «الهجوم الذي شنته القوات الجوية على إرهابيي (حماس) لم يكن سوى الخطوة الأولى»، بل تطرق لخطوات وصفت بأنها بداية لتهجير الفلسطينيين من القطاع على وقع «فتح أبواب الجحيم».
وقال كاتس: «سيتم قريباً البدء في إجلاء السكان من مناطق القتال... خذوا بنصيحة الرئيس الأميركي (دونالد ترمب)، أعيدوا المختطفين واطردوا (حماس)، وستتاح أمامكم خيارات أخرى، بما في ذلك السفر إلى أماكن أخرى حول العالم لمن يرغب».
ولم تقتصر العمليات العسكرية الإسرائيلية التي استؤنفت على القصف الجوي والبحري والمدفعي، بل عادت القوات البرية الإسرائيلية لاستعادة جزء من معبر نتساريم الفاصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، في مؤشر على توجه إسرائيل لإعادة رسم مشهد الحرب بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 من جديد.
ووصفت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية القصف الإسرائيلي على أنحاء متفرقة من غزة بأنه الأعنف منذ الأسابيع الأولى للحرب. وأشارت الشبكة الإخبارية إلى إصدار إسرائيل أوامر إخلاء جديدة لمساحات شاسعة من القطاع، قدرتها بنحو 37 في المائة من مساحته، من خلال إلقاء منشورات تأمر المدنيين بالابتعاد عن المناطق التي صنفتها على أنها «مناطق قتال خطيرة».
وأقر محللون دفاعيون إسرائيليون بارزون ومسؤولون سابقون بأن إسرائيل انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار، حسبما ذكرت الإذاعة الوطنية العامة في الولايات المتحدة، التي نقلت عن آموس هاريل، كاتب عمود الشؤون الدفاعية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية ذات الميول اليسارية، قوله إنه «لا توجد طريقة أخرى لتفسير ذلك: لقد انتهكت إسرائيل عن عمد اتفاق وقف إطلاق النار مع (حماس)، بموافقة أميركية، لأنها لم ترغب في الوفاء الكامل بالشروط التي التزمت بها قبل شهرين».
ومن بين التفسيرات المطروحة لعودة الحرب وعدم استكمال مراحل اتفاق الهدنة، هو سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحقيق مصالح شخصية على حساب حياة باقي المحتجزين، حسبما تتهمه عائلات الرهائن.
فنتنياهو اختار الحفاظ على ائتلافه الحكومي وتعزيزه في وقت تنهال عليه الاتهامات من قبل المعارضة وأهالي الرهائن، لا سيما وأنه يدرك تماماً أن بحوزته ضوءاً أخضر من الرئيس الأميركي «ليفعل ما يريد».
فبينما تلاحق نتنياهو من جهة اتهامات لا حصر لها بالمسؤولية عن الإخفاق الأمني في 7 أكتوبر 2023، وقضايا فساد، وضغوط من عائلات الرهائن، ومن جهة أخرى، غضب من معسكر اليمين المتطرف بسبب اتفاق وقف إطلاق النار، لجأ رئيس الحكومة إلى السيناريو الأسلم الذي يؤمن له تمرير قرارات مثيرة للجدل كإقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار، فضلاً عن إقرار الموازنة العامة، فلبى مطالب شريكيه في الحكم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير بنسف الهدنة والعودة إلى القتال.
وفي هذا الصدد، ذكرت الإذاعة الوطنية العامة الأميركية أن نتنياهو لديه موعد نهائي يجب على حكومته تمرير الموازنة خلاله وهو أسبوعان، أو مواجهة احتمال انهيار حكومته، مما يؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة.
وبالفعل عاد بن غفير للحكومة التي استقال منها بسبب رفضه اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه قبل شهرين، ليعزز الأغلبية الحاكمة في ائتلاف نتنياهو.